يتبلور أكثر فأكثر حجم الاعتراض على أداء إدارة جمعية المصارف للملفات الطارئة على عمل الجمعية. فالاعتراضات العلنية التي أفصح عنها عضو مجلس الإدارة تنال الصباح، وتعليق عضوية بنك الموارد، بالإضافة الى العديد من النقاشات والحوارات العالية النبرة والعتاب، التي جرت خلف الكواليس، هذه الاعتراضات لم تتوقف ولا يزال الاشتباك الصامت يظلل الحراك باتجاه تصويب عمل وأداء إدارة الجمعية، فيما تنشط الاتصالات لحشد العدد الأكبر من المصارف الصغرى والمتوسطة، وتأطيرها كحالة اعتراضية، لتعزيز قوة الحراك داخل الجمعية وفرض تغيير مفيد في الأداء والسلوك والقرارات.
من المعروف أن جمعية المصارف مؤسسة ذات طابع نقابي، وتالياً تقع ضمن وظيفتها وعلة وجودها مسؤولية حماية مصالح أعضائها والمنتسبين إليها، لكنها أيضاً مؤسسة ذات طابع وطني سيادي، يحتمي في ظلها مصير الاقتصاد الوطني والنقد، وودائع اللبنانيين، والكثير من مدّخرات العرب والأجانب. لذا هي في صلب مواجهة الانهيار، ورأس حربة في المعركة، ولا تملك ترف الوقت و”التناور”، ولا القدرة على مواجهة فقدانها موجوداتها والثقة التي كانت تتغنّى بها، ولا يمكنها تالياً الجلوس على مقاعد انتظار الحلول من الآخرين، بل وجب عليها المبادرة بالممكن والمسموح الى الدفاع عن القطاع بكامله، وعن ضرورة الحفاظ عليه بكليته، وليس تقسيمه وتشتيته بين مصارف كبرى ومصارف صغرى، وأخرى متوسطة. ومن نافل القول أن المهمة الأساسية اليوم ينبغي أن تكون في تعزيز التضامن بين أعضاء الجمعية، وتوحيد جهودهم وأفكارهم، وتوسعة مساحات الحوار والنقاش داخل مجلس إدارتهم، وبين الأعضاء، للخروج بأفضل الحلول والمقترحات التي تسهم في حماية القطاع بأكمله، وأموال المودعين، وجنى أعمار الناس ومدخراتهم، والقبول بالنقد الذاتي مدخلاً الى الإصلاح وتصويب الأداء، بغية إبعاد شبح إفلاس المؤسسات (المطلوب ربما)، وكسر نمطية شيطنة المصارف في عقول اللبنانيين. فالجمعية وفق الانتقادات التي وُجّهت إليها، لم تنبرِ الى الدفاع عن القطاع وإيضاح الحقائق للناس التي وجدت نفسها وجهاً لوجه أمام مصارف، عاجزة عن تلبية مطلوباتها وحقوقها، فيما الحقيقة المعروفة التي لم تبذل أجهزة الجمعية وإدارتها الجهد المناسب لشرحه للمودعين أن “الجمل بما حمل” من الودائع، ابتلعته الدولة اللبنانية، بسياساتها المالية والاقتصادية العشوائية، وثقوب الهدر التي كسرت ظهر موجودات مصرف لبنان ومعها المصارف.
“تكتّل” للمصارف الصغيرة والمتوسّطة؟
إن كان مجلس إدارة الجمعية الذي انعقد بعد ظهر أمس لملم تداعيات “الانتفاضة” التي كادت تنفجر بعد تسريب رسالة شركة Decision Boundaries إلى صندوق النقد التي ترفض فيها مسوّدة الاتفاق بين الحكومة والأخير، أو ما سُمّي “اتفاق على مستوى الخبراء”، فإن بوادر انتفاضة علنية من المصارف الصغيرة والمتوسطة بدأت تلوح في الأفق، إذ ينعقد بعد ظهر اليوم اجتماع لنحو 25 مصرفاً صغيراً ومتوسطاً خارج مجلس إدارة الجمعية، سيدقّ ناقوس الخطر من الطريقة التي تُدار بها الملفات المصرفية في الجمعية. الاجتماع، وإن كان سيشدّد على التكافل والتضامن مع الجمعية، بيد أنه وفق أكثر من مصدر سيحذر من أن طريقة التعاطي مع هذه المصارف وتغييبها لا يمكن أن تستمر على ما هي عليه، وإذا استمر التجاهل فإن ثمة قرارات مفصلية ستُتخذ. فهل لهذا القرار أي تداعيات على وحدة الجمعية، أو بمعنى آخر يمكن أن تشكّل هذه المصارف تكتّلاً جديداً أو جمعية خارج إطار الجمعية الأم؟ تجيب المصادر: “في الوقت الحاضر سننبّههم إلى مسؤولياتهم، وإن لم يتجاوبوا فقد يكون لنا خيار آخر”.
المصادر أكدت أن الاجتماع لن يقطع “شعرة معاوية” حالياً مع الجمعية، لكن تنبيه مجلس الإدارة إلى كيفية إدراة شؤون القطاع المصرفي، أمر لا بد منه، خصوصاً أنه يستشف من طريقة إدارة الملف القطاع أن ثمة تضحية بمصالح المصارف المتوسطة والصغيرة وتلك غير الممثلة كفاية في مجلس الإدارة. ووفق المصادر سيُبحث في الخطط المطروحة لكي يصار إلى تبيان الفارق في تأثيرها على المصارف الكبيرة مقارنةً بتأثيرها على المصارف المتوسطة والصغيرة، وستُدعى جمعية المصارف إلى التشاور أكثر مع هذه المصارف الصغيرة، علماً بأن هذه المصارف كانت قد عقدت اجتماعاً مشابهاً قبل نحو 3 أشهر دعا إليه عضو مجلس إدارة الجمعية تنال الصباح، تباحث في طريقة إدارة الجمعية لكل الملفات، لكن لم يتخذ أي قرار… فـ”الامور لم تكن قد وصلت الى هذا الحد من الاستهتار والتفرد في اتخاذ القرارات”، وفق ما يؤكد مصدر كان قد شارك في الاجتماع الأول.
وكان رئيس مجلس الإدارة – المدير العام لبنك الموارد الوزير السابق مروان خير الدين الذي سيشارك في اجتماع اليوم قد علق عضوية مصرفه في الجمعية بعد تسريب الرسالة من دون أن يكون لمصرفه والمصارف الاخرى مثل “عوده” و”البحر المتوسط” أي علم بها. وقال خير الدين “ليس لديّ أيّ علم بالرسالة، وقرأت عنها في الإعلام… ومن السخف أن يحدث هذا خلف الأبواب المغلقة”. وأكدت مصادر مصرفية لـ”النهار” أن “الرسالة لم تناقش على طاولة مجلس إدارة الجمعية إلا ما بين بعض المستشارين والمقربين الذين تفردوا بمواقف لا تمثل جميع المنتسبين الى جسم الجمعية، وخصوصاً حيال ما تضمنته الورقة المطالِبة بـ”بيع” الذهب ملطفاً بعبارة استثماره. فهذا الموضوع وفق المصادر “شأن وطني يحتاج الى إجماع كبير، والدخول في نقاش حول بيعه دونه حساسيات تثير الكثير من المواقف السلبية تجاه المصارف التي هي في غنى عنها”.