المصارف تلجأ إلى مجلس الشورى لإبطال خطّة التعافي: الدولة استولت على أموال المودعين وحمّلتهم الخسائر

المصارف تلجأ إلى مجلس الشورى لإبطال خطّة التعافي: الدولة استولت على أموال المودعين وحمّلتهم الخسائر

بعدما استنفدت جمعية مصارف لبنان كل الوسائل “الحوارية” حيناً و”التهديدية” حيناً آخر لتصويب اتجاه خطة النهوض الاقتصادي العتيدة التي صادق عليها مجلس الوزراء في آخر جلساته الدستورية قبل التحوّل إلى مهام تصريف الأعمال، قرّرت اللجوء الى مجلس شورى الدولة لعلها تجد لديه العلاج الشافي لإنقاذها من حبل مشنقة شطب الودائع ورؤوس الأموال الذي وضعته الدولة حول عنق المصارف. فحدّدت البند 3 من قرار مجلس الوزراء تاريخ 20 أيار 2022 حصراً في شقّه المتضمّن “الترخيص للدولة اللبنانية بعدم رد ودائع المصارف الخاصة لدى مصرف لبنان التي استدانتها الدولة اللبنانية خلافاً للقانون م2”.

وفيما حصلت “النهار” على نسخة من مراجعة جمعية المصارف موقعة من محاميها أكرم عازوري، لم تنف مصادر الجمعية الاتجاه لدى الجمعية للّجوء الى مجلس شورى الدولة، و”لكن الموضوع لم يتعدّ إطار التشاور فقط”، موضحة أن المراجعة المسرّبة لا تزال مسوّدة وليست الصيغة النهائية، حتى إنها لم تُعرض بعد على جمعية المصارف.

بتاريخ 20/05/2022، أقر مجلس الوزراء خطة الحكومة للتعافي الـمـالـي والاقتصادي، وضمّـنـهـا وثيقة بعنوان “استراتيجية النهوض بالقطاع المالي” قضت في البند الثالث منها بالآتي:

– إلغاء جزء كبير من التزامات مصرف لبنان بالعملات الأجنبية تجاه المصارف اللبنانية لخفض العجز في رأس مال المصرف المركزي، إذا اتفق ذلك مع قدرة الدولة على تحمّل الديون
– إصدار سندات سيادية بقيمة 2.5 مليار دولار أميركي يمكن زيادتها.

– تعهد الحكومة بإعادة رسملة داخلية كاملة للمصارف اللبنانية.

ووفق نص المراجعة فقد عارضت جمعية المصارف القرار المشكوّ منه قبل صدوره بموجب بيان أصدرته بتاريخ 2022/04/22 كما عارضته ونبّهت إلى نتائجه الخطيرة بعد إقراره بموجب بيان أصدرته في 24/05/2022.

وفي التفاصيل التي وردت في المراجعة، فقد أودعت المصارف اللبنانية ودائع المودعين لدى مصرف لبنان وهو السلطة الناظمة للقطاع المصرفي، ومصرف الدولة المكان الأكثر أماناً في لبنان لإيداع أموال المودعين فيه. وقد بلغ مجموع ودائع المودعين لدى المصارف والمودعة لدى مصرف لبنان 70 مليار دولار، ثم بعد أن وقعت الأزمة الراهنة في عام 2020 وبعد أن منع على المودعين سحب ودائعهم بالعملات الأجنبية، اتضح أن الدولة كانت قد قامت على مدى 11 عاماً، ما بين عام 2010 وعام 2021، باستدانة ودائع المودعين التي أودعتها المصارف في مصرف لبنان وإنفاقها، هذا في مرحلة أولى. ثم في مرحلة ثانية قررت بتاريخ 20 أيار 2022 بمفعول رجعي الاستيلاء على أموال المودعين ومصادرتها، وجعلتهم يحلّون محلّ الدولة في دفع الخسائر وذلك عبر تحويل المبالغ التي استدانتها الدولة وأنفقتها من ودائع المودعين من دين إلى ملكية نهائية، مما حمل جمعية مصارف وفقاً لموضوعها وأهدافها وواجبها على الطعن بهذا القرار دفاعاً عن استثمار القطاع المصرفي.

وقد أوضح حاكم مصرف لبنان أخيراً أن الدولة استدانت من مصرف لبنان ما بين عام 2010 وعام 2021 مبلغ 62 مليار دولار، وأن هذا المبلغ مساوٍ لديون مصرف لبنان تجاه المصارف من جهة، وموجودات مصرف لبنان بالعملات الأجنبية من جهة أخرى، وتالياً مساوٍ لأموال المودعين لدى المصارف اللبنانية.

واعتبرت الجمعية أن القرار المشكوّ منه هو قرار إداري نافذ يسمح للدولة بالاحتفاظ، أي بمصادرة إيداعات المصارف لدى مصرف لبنان بالعملات الأجنبية، وتالياً مصادرة ملكية المودعين الخاصة خارج القانون وخلافاً للدستور دون تسمية العملية باسمها الفعلي والحقيقي وهو التعدّي على الملكية الخاصة لفئة من المواطنين هم المودعون، مما يستوجب إبطاله،

وفقاً للأسباب القانونية الآتية:

– مخالفة القرار المشكوّ منه فقرة “و” من مقدمة الدستور وللمادة 15 منه
– مخالفة المواد 85، 90 و113 من قانون النقد والتسليف
– مخالفة مبدأ المساواة في تحمّل الأعباء العامة
– القرار المشكوّ منه مشوب بعيب تحوير السلطة
– القرار المشكوّ منه هو قرار إداري نافذ قابل للطعن يلحق الضرر بطالبة الإبطال بمعنى المادة 105 من نظام مجلس شورى الدولة

واعتبرت المراجعة أن القرار المشكو منه في 20/05/2022، صدر بعد قيام الدولة اللبنانية بمصادرة ودائع المصارف لدى مصرف لبنان والتصرف بها وتملكها ما بين 2010 و2021 دون الإعلان عن ذلك في حينه، وتالياً فإن القرار المشكو منه لا يتعلق بعمل مستقبلي تنوي الحكومة القيام به، بمعنى أن القرار لا يعبّر عن رغبة الدولة في المستقبل بالاستدانة من مصرف لبنان بما يوازي الودائع الخاصة لديه وتملكها نهائياً، بل إن القرار المشكو منه هو قرار استلحاقي أتى لإعلان a posteriori وبمفعول رجعي”. وأوضحت أن “تملك الودائع الذي نفذته الدولة وانتهت من تنفيذه دون أن تسمّيه في حينه كذلك، أصبح بموجب القرار تملكاً نهائياً”.
المتخصّص بالرقابة القضائية على المصارف المركزية المحامي باسكال ضاهر الذي اطلع على مسوّدة المراجعة المتضمّنة طعناً جزئياً بالخطة الحكومية والمنويّ تقديمها من جمعية المصارف ضد الدولة اللبنانية – رئاسة الحكومة اللبنانية، أمام مجلس شورى الدولة، رأى أنه بالرغم من أن الخطة ترمي الى وأد القطاع الاقتصادي برمّته من مصرفي ومالي في لبنان وتدمير وجهه كلياً، ومع أنها تهدف الى منع قيامة لبنان، وتحقق في طيّاتها مسؤولية أفراد الحكومة بصفتهم الشخصية، فإن ما يقتضي التنبيه إليه هو أن هذه المراجعة قد لا تكون متوائمة مع الأحكام القانونية الناظمة لقبولها أمام مجلس شورى الدولة. وبرأيه إن “الشروط الشكلية المفروضة لقبول مطلق مراجعة أمامه تفرض أن يحوز القرار المعيوب المنوي تقديم الطعن به صفتين: الأولى، أن يكون “نافذاً”، والثانية أن يكون “ضاراً” أي أن يملك هذا القرار في ذاتيته قوة النفاذ، بمعنى آخر أن يكون قابلاً للتطبيق الفوري”، إضافة الى ذلك، أن لا يكون من ضمن عداد الأعمال الحكومية أي تلك الأعمال المتصلة بعلاقة الحكومة بمجلس النواب لأن الاجتهاد، منذ زمن، اعتبر أن هذه الأعمال الحكومية أو السيادية تخرج عن رقابته علماً بأن هذه النظرية هي اجتهادية وتعود في جذورها إلى قرارات مجلس الدولة الفرنسي”.

وتالياً، يقول ضاهر “بما أن هذه الخطة المعيوبة، بالرغم من أنها ضارّة وفاقدة للمشروعية، فإنها لا تملك بذاتيتها قوة النفاذ على اعتبار أنها ستُرسل بموجب مشاريع قوانين الى مجلس النواب بغية إقرارها بقوانين إضافة الى أنها تُعتبر واقعة ضمن نطاق نظرية الاعمال الحكومية الامر الذي يدفعنا إلى التنبيه بأنه قد ترد هذه المراجعة شكلاً من مجلس شورى الدولة الامر الذي قد تستفيد منه الحكومة سياسياً لتقول إن القضاء أكد صوابية خطتها وهذا بطبيعته خطأ فادح. إنما تعودنا على سياسة استغلال ما يحصل وبالتالي لا بد من التدليل على هذه الإشكالية التي قد تحصل.

أما لناحية المسار القانوني الصحيح الذي يجب اعتماده لجبه هذه الخطة فيرى ضاهر أنها تنحصر قانوناً ضمن 3 محاور:

– مواجهة مشاريع القوانين التي سترسل من الحكومة الى مجلس النيابي تطبيقاً للخطة والعمل على منعه من إقرارها.

– إذا أقرّها المجلس النيابي بقوانين، العمل على تحضير طعون ضد هذه القوانين أمام المجلس الدستوري ولا سيما أن القانون في هذه الحالة يكون قد خالف الدستور اللبناني، ولا يمكن إقراره من دون تعديله إضافة الى مخالفته مبادئ قانونية عليا عدة.

– ضمن هذا النطاق، التقدّم من المودعين بمراجعة أمام مجلس شورى الدولة لتقرير مسؤولية الدولة عن أعمالها التشريعية علماً بأن هذا الاجتهاد قد أقرّه مجلس الدولة الفرنسي من زمن طويل.

 

اضغط هنا لقراءة المقال على موقع النهار