هي حفلة جنون يعيشها لبنان منذ انتهاء العملية الانتخابية و يقود الأوركسترا في هذه الحفلة المضاربون في السوق السوداء الذين يتلاعبون بسعر صرف الدولار الذي بدوره وصل الى أرقام قياسية غير مسبوقة اذ لامس ٣٨ الف ليرة.
وكان عدد من الخبراء الإقتصاديين توقع ارتفاع سعر الصرف بعد الانتخابات النيابية لكن ما هو السبب وراء هذا الارتفاع و إلى اين يتجه وكيف يمكن لجمه؟
رأى كبير الاقتصاديين في بنك بيبلوس الدكتور نسيب غبريل في حديث للديار ان اسباب ارتفاع سعر صرف الدولار لا تعود لاسباب اقتصادية لأن الوضع الاقتصادي لم يتغير في لبنان ولم يزد النمو و لم يتوسع حجم الاقتصاد ولم يرتفع الاستهلاك وبالتالي لم ترتفع فاتورة الاستيراد اي انه لم يزد الطلب على الدولار.
واذ اشار انه لا يوجد اسباب تقنية لارتفاع الدولار لفت ان الارتفاع بدأ ليلة الانتخابات النيابية وذلك لاسباب سياسية لسببين الاول الانفاق الانتخابي الكبير واكثريته بالليرة اللبنانية مشيراً ان هذا الامر من المفترض ان لا يطول او ان يرتفع بهذه الطريقة المتزايدة.
اما السبب الثاني فرأى غبريل انه سياسي محض لانه منذ ليلة الانتخابات وقبل صدور النتائج تابعنا على بعض شاشات التلفزة بعض الاشخاص الذين يتسابقون على التهويل والتخويف مما سيحصل بعد الانتخابات والتوقعات بحصول شلل في مجلس النواب والاستمرار بحكومة تصريف اعمال الى ما لا نهاية و الحديث عن فراغ رئاسي معتبراً ان كل هذه الامور تؤدي الى بلبلة و يؤثر على الثقة الغير موجودة اصلاً،لافتاً الى ان المضاربين استغلوا هذا الوضع كما بعض الجهات السياسية التي تبعث اشارات عن نتائج الانتخابات وعن المستقبل.
ورفض غبريل رداً على سؤال وضع سقف لسعر الصرف لأن السوق الموازي هو سوق غير رسمي وغير شرعي وغير شفاف ولا يخضع لأي رقابة وغير مقونن معتبراً ان التكهنات عن سعر الصرف لا تخدم الا المضاربين والجهات المستفيدة من هذا الوضع الضبابي الذي نعيشه.
وحول كيفية لجم ارتفاع سعر الصرف قال يجب ان نعود الى اسباب وجود السوق الموازي لسعر صرف الدولار وهو شح السيولة بالعملات الاجنبية بالاقتصاد اللبناني من جراء ازمة الثقة التي بدأت في اواخر عام ٢٠١٧ وانفجرت في ايلول عام ٢٠١٩ مع التراجع الحاد لتدفق رؤوس الاموال وظهور السوق الموازي لسعر الصرف لاول مرة منذ ٢٧ سنة.
واذ شدد انه يجب اتخاذ اجراءات لاستعادة الثقة للمساهمة بالغاء اسباب السوق الموازي لفت الى انه لم يتم منذ اندلاع الازمة اي اجراء لاستعادة الثقة التي تبدأ بالعملية الاصلاحية اي الاصلاحات البنيوية والمالية والنقدية مشيراً ان خارطة الطريقة موجودة بالاتفاق مع صندوق النقد الدولي مشدداً على ضرورة التركيز على توسيع حجم الاقتصاد ودعم النمو وتحسين المناخ الاستثماري وبيئة الاعمال والغاء الوظائف الوهمية في القطاع العام وتوحيد سعر الصرف الذي يعتبر اجراء اساسي لالغاء السوق الموازي ووقف تعدد اسعار الصرف في الاقتصاد و الذي يجب ان يرافقه اجراءات داعمة لتطبيقه كتحسين المناخ الاستثماري ورفع مستوى تنافسية الاقتصاد وتأهيل البنى التحتية وتطوير بيئة الاعمال ومعالجة الوظائف الوهمية في القطاع العام و مكافحة التهرب الجمركي واقرار القوانين في مجلس النواب كالشراء العام و تعديل السرية المصرفية وموازنة ٢٠٢٢ و الكابيتال كونترول، وغيرها من القوانين الضرورية.
بدوره رأى الخبير الاقتصادي الدكتور باتريك مارديني في حديث للديار ان استقرار سعر صرف الدولار على ٢٦ الف ليرة الذي شهدناه قبل الانتخابات النيابية كان امراً غير طبيعي ومصطنعاً من جراء تدخل مصرف لبنان في سوق الصرف عبر ضخ الدولار من الاحتياطي لديه عبر منصة صيرفة عن طريق التعميم ١٦١ مشيراً ان هذا الامر وان ساهم في الحفاظ على استقرار الدولار لكن كان على حساب اموال المودعين.
واوضح مارديني ان المركزي الذي اراد تمرير فترة الانتخابات لم يعد لديه الدولارات الكافية بعد انجاز الاستحقاق الانتخابي ولذلك اضطر لوقف ضخ الدولار عبر المنصة وهذا ادى الى التوجه الى السوق السوداء مما تسبب بتسريع وتيرة ارتفاع سعر الصرف معتبراً ان تثبيت الدولار قبل الانتخابات سرٌع وتيرة ارتفاع الدولار بعد الانتخابات.
ورداً على سؤال حول كيفية لجم ارتفاع سعر الصرف قال مارديني هناك طريقتان مستديمتان لوقف انهيار سعر صرف الليرة وارتفاع الدولار غير الطريقة المتبعة من المركزي التي ادت الى خسارة اموال المودعين عبر ضخ الدولار على منصة صيرفة وهي طريقة غير مستدامة وغير صحية.
وعن الطريقة الاولى لفت مارديني هي الذهاب الى ابرام الاتفاق مع صندوق النقد الدولي الذي يشترط القيام بالاصلاحات في ادارة الدولة و ايجاد حل للقطاع المصرفي و الاصلاحات البنيوية كالكهرباء والاتصالات والمالية العامة مشيراً ان هذا الخيار قد اتخذته الحكومة معتبراً ان هذا الخيار غير مضمون لأن اللبنانيين لا يمكنهم الانتظار الى حين تنفيذ هذه الاجراءات كما ان هذا الخيار لا يأخذ بعين الاعتبار عدم الاستقرار السياسي والأمني والإجتماعي والجيوستراتيجي اذ ان اي خضة على هذه الاصعدة ستؤدي الى ارتفاع سعر الصرف.
ورأى ان الخيار الثاني المستدام لاستقرار سعر الصوف هو وضع نظام نقدي في لبنان يفصل سعر صرف الليرة عن الاقتصاد اللبناني والسياسة اللبنانية وهذا يتم عن طريق انشاء مجلس نقد( كارينسي بورد) الذي يمنع تعويم الليرة اللبنانية بل تصبح ثابتة على الدولار عن طريق المحافظة على احتياطي الدولار يوازي ١٠٠٪ قيمة الليرة المتداولة اي العرض النقدي لليرة مشيراً انه عندما يكون لدى المركزي احتياط يوازي كمية الليرة الموجودة في السوق عندها يتمكن اللبنانيون تحويل ليرتهم الى دولار والمركزي لا يحق له ان يدين الدولار او يصرفه وبالتالي تصبح قيمة الليرة مرتبطة مباشرةً بالدولار مشددا على ان هذه الطريقة هي الانسب في وضع لبنان لأنها تحمي الشعب اللبناني من المزيد من الفقر والمزيد من خسارة القدرة الشرائية و المزيد من انهيار الليرة اللبنانية و ارتفاع الدولار.