في وقت يصرّ فيه رئيس الحكومة اللبنانية، نجيب ميقاتي، وفريقه على أهمية إقرار اقتراح قانون الكابيتال كونترول، وتشديده على أن الاقتراح لا يفرّط بحقوق المودعين، تتسّع جبهة المعترضين على هذا القانون والمحذّرين من مغبة إقراره.
فالمعركة اليوم وكما يبدو واضحا ليست على بنود القانون (وضع ضوابط استثنائية وموقتة على التحاويل المصرفية والسحوبات النقدية) فحسب، بل على مبدأ إقراره قبل الانتخابات النيابية، فثمة من يريد تسريع النقاشات تمهيداً لتحويل المشروع إلى الهيئة العامة، وفي مقدمة هؤلاء الرئيسان نبيه بري ونجيب ميقاتي، وكتلتاهما، إضافة إلى كتلتي المستقبل والاشتراكي، بدعم من كتلة حزب الله، التي تربط إقرار القانون بإجراء تعديلات أساسية عليه.
تعطيل الجلسة
أوقفت اللجان النيابية المشتركة مناقشة قانون الكابيتال كونترول لأسباب عديدة، تمثلّ بعضها بتصاعد حدة الاعتراضات عليه، ونقل المواجهة لرفضه إلى الشارع.
أسباب أخرى ساهمت باستبعاد النقاشات بقانون الكابيتال كونترول حالياً، منها ما يرتبط بعدم صحة التشريع في زمن الانتخابات، ومنها ما يستهدف عدم إقرار القانون بمعزل عن خطة تعاف اقتصادي متكاملة، تحدد الخسائر وكيفية وآلية توزيعها، وقد أبلغ نواب “الجمهورية القوية” و”لبنان القوي” اللجنة رفضهم مناقشة الكابيتال كونترول قبل الاطلاع على خطة التعافي.
وبصرف النظر عن الأسباب التي وقفت وراء عرقلة جلسة اللجان النيابية اليوم، بات من المرجّح، وفق معلومات “جسور”، إرجاء البحث فيه لما بعد الانتخابات النيابية.
“طبخة بحص”
وأمام ما تقدم، يقترح الخبير الاقتصاديّ والمالي، لويس حبيقة، إرجاء البحث في العناوين الاقتصادية إلى مرحلة ما بعد الانتخابات مرجّحاً عدم صدور غالبية القوانين ذات البعد الاقتصادي وسط محاذير مرتبطة بغالبية العناوين”.
ويقول حبيقة لـ”جسور” ان الحديث عن الكابيتال كونترول وما يرافقه من سجالات هو “طبخة بحص”، ويقرأ أنّ الحلّ لا بدّ أن يتمثّل في العمل على تحميل الخسائر لثلاثة أطراف: الدولة ومصرف لبنان والمصارف، في وقت لا علاقة للمودع الذي لم يتّخذ قراراً باستعمال الأموال.
أما الخبير الاقتصاديّ والمالي، باتريك مارديني، فاعتبر أنّ مشكلة الكابيتال كونترول أنه يعطي استثناءً للحكومة ولمصرف لبنان، وبالتالي لا يتمكّن المودع من سحب أمواله، والخلاف الذي وقع اليوم هو على خلفية من سيترأس هذه اللجنة التي ستُقرر من يحق له أن يُستثنى من هذا القانون.
وأضاف في حديث لـ”جسور”، أنّ المصارف اللبنانية تمارس استنسابية بمعنى انها سمحت للناس المدعومين سياسيا بتحويل أموالهم إلى الخارج على حساب آخرين، مشيرا إلى أن خطة الحكومة لا تعمل على وقف هذه الاستنسابية بل تسعى لنقلها إلى اللجنة الموكلة في هذا الموضوع.
“كلام غير صحيح”
رئيس لجنة الإدارة والعدل النائب جورج عدوان، نسف كل تأكيدات رئيس الحكومة نجيب ميقاتي التي يوهم فيها المودعين بأن ودائعهم مصانة، وقال: “سيُشطب 60 مليار دولار من الديون وسيتحملّها المودعون ويجب عدم البحث في الكابيتال كونترول قبل إقرار خطة التعافي وأيّ كلام عن حماية المودعين من قبل رئيس الحكومة غير صحيح”.
وشدد على أنّ “أي بحث خارج مسار تحديد المسؤوليات وتوزيع الخسائر يعني أخذ البلاد نحو المجهول”.
وقال عدوان “إننا كتكتل الجمهورية القوية (يمثل حزب القوات اللبنانية برئاسة سمير جعجع برلمانياً) لن نشارك بأي نقاش، فالمشاركة شهادة زور” تجاه اللبنانيين.
وأضاف عدوان “هناك خطة مخفية ستظهر قريباً وفق تقييمي للموضوع وهي لا تخدم لا حقوق لبنان ولا الشعب”.
تحركات احتجاجية
وسجّلت احتكاكات بين المعتصمين والنواب لدى دخولهم إلى الجلسة، وصلت إلى حدّ التصادم بين بعض مواكب المسؤولين والمحتجين، في حين توقف النائب قاسم هاشم (ينتمي إلى كتلة التنمية والتحرير برئاسة نبيه بري)، للحديث مع المتظاهرين الذين انفجروا غضباً في وجهه، واصفين السياسيين بأنهم “نواب العار”، فأكد لهم أنه سيرفض المشروع، مع العلم أنّ الصيغة التي تناقش اليوم وافق عليها مجلس الوزراء الذي يمثل الأحزاب التقليدية التي يتألف منها البرلمان بأكثريته.
ويأتي التحرك تكملة لوقفات احتجاجية ومسيرات نفذت أمس، الثلاثاء، بالتزامن أيضاً مع انعقاد جلسة لجنتي المال والعدل النيابية التي لم تلحظ أي تقدم ملموس، في ظلّ تحذيرات تصدر من جمعيات وروابط المودعين ونقابات المهن الحرّة ومجموعات مدنية مستقلة بالتصعيد، ورفع سقف المواجهة في الشارع، لقطع الطريق أمام اقتراح قانون “الكابيتال كونترول” بصيغته الأخيرة، والدفع باتجاه إدخال تعديلات جوهرية عليه، بما يكفل ويضمن حقوق المودعين بالدرجة الأولى.
كما عمد المعتصمون أمام مجلس النواب الى ركل سيارة نائب رئيس مجلس النواب ايلي الفرزلي وهو في طريقه الى جلسة الكابيتال كونترول.
ويضع القانون ضوابط استثنائية وموقتة على التحويلات المصرفية والسحوبات النقدية، لمدة سنتين قابلة للتجديد مرة واحدة، في إطار المفاوضات مع صندوق النقد الدولي لوضع برنامج يمنح لبنان حزمة من المساعدات مقابل إصلاحات وعد بها، بعد الأزمة الاقتصادية وانهيار النظام المالي في 2019، ونجم عنهما وضع قيود على الودائع في المصارف وتجميد أرصدة المودعين بالدولار.