يتحدث في هذا اللقاء رئيس المعهد اللبناني لدراسات السوق الدكتور باتريك مارديني لـ «السهم» حول الوضع الاقتصادي للبنان عقب تشكيل حكومة جديدة بجانب ملفات عدة منها استحقاق سندات اليوروبوندز، وذهاب لبنان إلى صندوق النقد الدولي..
كيف يمكن أن ينسحب تأليف الحكومة إيجاباً على الوضع الاقتصادي؟
أوّلاً، تشكيل الحكومة يؤثّر على الوضع النفسي العام إيجاباً، بمعنى أننا في ظلّ انهيار البلد كنّا بحاجة لإصلاحات، لكن الحكومة كانت غائبة، بالتالي كنا غارقين وما من أحد يقود السفينة.
اذاً هذا التشكيل يعطي أمل للناس أنه من الممكن لهذه الحكومة ان تنفّذ الإصلاحات، بالتالي التفاؤل الذي نراه حالياً في الأسواق يعكس فكرة أنه «انشالله تتمكن من تنفيذ اصلاحات».
تأثير هذه الحكومة الفعلي على الوضع الاقتصادي مرهون بقدرتها على اجراء هذه الاصلاحات، وهل ستكون مقيدة من الداخل كما كل الحكومات التي سبقوها ولن تستطيع أن تقدم على شيء؟
إذا تبيّن انها مقيدة من الداخل، حُكماً سنعود لوتيرة الانهيار التي كنا عليها في السابق، أما إذا تبيّن انها تمتلك الحكمة وتنجز العمل الذي يُخرج لبنان من الأزمة، حينها هذا التفاؤل الموجود يتأكد بالوقائع والأفعال بالتالي يمكننا طبعاً الوصول لشيء، والناس الآن يعطون فرصة للحكومة لكنهم بانتظار أفعال حقيقية.
انخفض سعر صرف الدولار مع التأليف.. هل سيستقر على سعره اليوم او سيعاود الارتفاع أو العكس؟
انخفاض سعر صرف الدولار مع تشكيل الحكومة يعود سببه لظهور عامل الثقة، وقال الناس إن هذه الحكومة اذا نفّذت اصلاحات وتعاقدت مع صندوق النقد الدولي واذا المجتمع الدولي قرر مساعدتنا وخاصة الفرنسيين، حينها ممكن لسعر الصرف أن ينخفض وترتفع الليرة بالمقابل، لذلك قرر الناس بيع دولاراتهم قبل أن ترتفع الليرة، وتلقائياً عندما يزيد الطلب على الليرة سينخفض سعر الدولار.
أنا برأيي أن مستوى سعر الصرف اليوم هو مستوى الاستقرار، لا أعتقد أنّه سينخفض أكثر لأنه قبل الأزمة كان يوازي 1500 ليرة، لكن حسب دراسات البنك الدولي وصندوق النقد كان يفترض ان يكون حينها بين 2000 و 2300 ليرة، وخلال الازمة زاد حجم الكتلة النقدية سبع مرات ونصف.
كانت الكتلة النقدية بالتداول توازي تقريباً 5000 مليار ليرة أمّا اليوم فأصبحت 37,500 مليار ليرة، وهذا يؤثّر على سعر الصرف، فإذا كان يساوي 2,300 قبل الأزمة هذا الرقم يُضرب بسبع مرات ونصف، وهذا يعطينا تقريباً 17000، واذا اعتبرنا ان سعر الصرف قبل الازمة كان مفترض ان يكون 2000 ليرة، يعني سعر الصرف من المفترض ان يكون بين 15000 و 17000.
اذاً برأيي بين 16000 و17000 ليرة هو السعر المنطقي لصرف الدولار، طبعاً ممكن ان يرتفع أو ينخفض.
يمكن ان ينخفض اذا حدث تفاؤل مفرط، وهذا يتمثّل باتفاق الحكومة مع صندوق النقد الدولي أو إذا قرر الفرنسيون تقديم الدعم للحكومة اللبنانية وأي اصلاحات تحدث ممكن أن تخفضه الى ما دون ال16000 لكن برأيي أنّ السعر الطبيعي هو الذي نراه الآن في السوق، لكن ممكن أن يرتفع هذا ليصل الى 20,000 اذا استمرينا بطباعة الليرة، لأننا كلما زدنا حجم الكتلة النقدية أكثر يرتفع سعر الصرف، بالتالي الاستمرار بطباعة الليرة وهدر احتياطي مصرف لبنان بالعملات الأجنبية، فاليوم وصل مصرف لبنان إلى الاحتياطي الالزامي، وفي حال بدأ بصرفه، فالدولار سيرتفع اكثر.
الذي أحاول قوله هو ان الدولار في سعره الطبيعي استناداً لمعطيات اليوم، ولكن اذا تغيّرت المعطيات في المستقبل وزاد حجم الكتلة النقدية وانخفض حجم احتياطي الدولار في مصرف لبنان حينها ممكن أن يرتفع سعر الصرف.
قبل نهاية أيلول تحسم مسألة السحوبات على 3900.. ما سيئات وحسنات رفع المبلغ؟
3950 لنقول إنها 4000، يحكى لرفعها إلى 8000 أو 12000، وتأثيرها على الوضع مرتبط بكيفية انجازها.
اولاً، اضافةً الى سعر الصرف البالغ 3950، يوجد سقف للسحوبات، فلا يمكن سحب اكثر من مبلغ معيّن على هذا السعر، كلٌّ حسب قيمة حسابه والبنك الموطّن فيه.
لنعتبر أنّ هناك مواطن لبناني يسحب 1000 دولار على ال3950 ما يعني أنه يسحب تقريباً اربعة ملايين ليرة في الشهر، اذا الحكومة اللبنانية ستسمح له بسحب هذه ال1000 دولار نفسها على سعر صرف 8000 هذا سيزيد حجم الكتلة النقدية بالتداول وسيؤدي الى إنخفاض في سعر صرف الليرة وارتفاع في الدولار أكثر، هذا الطرح اذا حصل يكون جنونياً وانتخابياً وهدفه شراء اصوات قبل الانتخابات رغم انّ نتائجه ستكون سيّئة على المواطن، هذا سيجسّد أسفل أنواع الشعبوية.
ما هي نصيحتك لمن يملكون الفريش دولار وبعضهم يفكر بصرفه إلى الليرة خوفا من انخفاض سعر الصرف أكثر
أنصحهم بتركها دولار ولا يحوّلوها للبناني.
كيف سينعكس رفع الدعم عن المحروقات على أسعار السلع وهل من نسبة واضحة لارتفاعها المؤكد؟
طبعاً سيحصل ارتفاع في اسعار السلع لكن ليس بالقدر الذي يتخيّله الناس لأن المحروقات مفقودة من السوق وكلفة نقل السلع تُحسب على أساس سعر المحروقات في السوق السوداء، والسوبرماركات يشترون المازوت من السوق السوداء ليستطيعوا تشغيل براداتهم، بالتالي رفع الدعم عن المحروقات ممكن أن يؤثر قليلاً على أسعار السلع لأن اصلاً تأثيره موجود في قلب الاسعار الآن، برأيي يوجد الكثير من التهويل لمساوئ رفع الدعم لكن محاسنه أفضل بكثير.
نحن الآن نسعّر المحروقات اقلّ من الكلفة فتنكة البنزين قيمتها ٧ دولارات امّا كلفتها علينا فهي ١٥ دولار، وبالتالي الناس يشترونها ب ٧ دولار من محطات الوقود ويبيعونها في السوق السوداء أو يقومون بتهريبها لسوريا ب١٥ دولار او يخزنوها ليبيعوها لاحقاً، إذاً في حال رفعنا الدعم نكون قد سعّرنا المحروقات بسعرها الحقيقي.
بالتالي دعم المحروقات قطع المحروقات من السوق، وهذا أثر على الكهرباء، وعلى المولدات، وعلى المزارعين الذين باتوا غير قادرين على تبريد محاصيلهم، اضافةً الى عدم تمكّنهم من الريّ لأنه يتطلّب كهرباء ومازوت، وأثّر انقطاع المحروقات أيضاً على المستشفيات والمولات، وايضاً أثّر على الناس فباتوا غير قادرين على الوصول إلى عملهم بسبب انقطاع البنزين، بالتالي فإن رفع الدعم عن المحروقات يعيد البلد إلى الانتاج، وحسناته أكبر بكثير من سيئاته لأن كل المساوئ التي ممكن أخذها عن رفع الدعم خضناها اصلاً، ولا اعتقد أن ترتفع الاسعار أكثر مما هي عليه الآن، حتى سعر المحروقات سيكون اقل من السوق السوداء، برأيي المواطن سيربح ولن يخسر برفع الدعم.
صندوق النقد الدولي.. ستلجأ إليه الحكومة لتخرج لبنان من المأزق فما الذي يمكن أن تتوقعه من شروط وسيولة ودعم وفوائد أيضاً لأنه لن يقدم لنا خدمات مجانية
لا مفرّ للبنان من التفاوض مع صندوق النقد الدولي لأن البلد أثبت منذ الازمة وحتّى قبلها أنه غير قادر على القيام بالاصلاحات منفرداً، ولو انّ الحكومات اللبنانية قامت بالاصلاحات في الماضي لما كنا اليوم بحاجة للجوء إلى الصندوق، واضح أنه لدينا نظام سياسي لا يستطيع إنتاج الإصلاحات لذلك يتطلّب الأمر عوامل خارجية للضغط عليه ولمساعدته للقيام بها، لذلك لا مفر من التفاوض مع صندوق النقد الدولي للخروج من الأزمة، وإذا لم يتمّ هذا الأمر، سنبقى على هذا الحال أكثر من ١٩ سنة.
واللافت في صندوق النقد الدولي أنه لا يعطي مال غير مشروط ما عدا حقوق السحب الخاصة، لكن في البرامج الاصلاحية يقول الصندوق، نفّذوا هذا الاصلاح لأعطيكم المال، ويمشي معهم خطوة بخطوة، هذه طريقة عمله لذلك اجمالاً وفي أغلب الأوقات يتوصّل لنتيجة لأن الحكومة عندما تترك على هواها لا تنفّذ الاصلاحات.. الأموال التي سيقّدمها ليست كبيرة، والمبلغ الذي سنحصل عليه من صندوق النقد لا يكفي لتسكير خسائر القطاع المصرفي أو لإعادة انعاش الحركة الاقتصادية في البلد، لكن الهدف من هذا المال هو الحثّ على الاصلاح الذي سيخرج لبنان من أزمته، طبعاً صندوق النقد لديه جدول في هذه الاصلاحات وبرأيي يجب التفاوض معه للتعديل عليها بما يتناسب مع الوضع في لبنان.. والمؤسف في البلد اننا لسنا قادرين على تنفيذ الاصلاحات وحدنا ونحتاج من يحثّنا على ذلك.
ماذا سيفعل لبنان في استحقاق دفع اليوروبوندز..
لبنان تخلّف اصلاً عن دفع ما عليه، واليوم ديون لبنان في الأسواق العالمية تتداول بأقل من قيمتها ب 85% تقريباً ما يعني ان الأسواق العالمية تتوقع haircut على حاملي سندات الخزينة على حوالي 80-85%. وما يجب أن يحصل هو أن تجتمع الحكومة اللبنانية مع حاملي سندات الخزينة اللبنانية والذين يتمثلون بصناديق الاستثمار مثل fidality وتقول لهم أنا لست قادرة على رد المبلغ كاملاً، فلنتفاوض مع بعضنا وانا قادرة على سداد 20 أو 30% مثلاً من كل المبلغ الملزوم عليّ ردّه، بالتالي يتفقون جميعاً على اعادة هيكلة اليوروبوندز، لكن هذه الصناديق مستعدة على تنفيذ haircut 60-70-80% ويحسموا هذه القيمة من الدّين الخاص فينا لكن يريدون التأكد أن هذه ال30% المتبقية نحن قادرين على ردها، ويريدون أن يروا أن الحكومة بدأت بالاصلاحات، وهذه الاصلاحات ستعطي مداخيل قادرة على تسديد الجزء المتبقي بعد الحسم، الحكومة الماضية لم تعطِ هذا الأمر أهمية وتخلّفت عن ديونها ولم تسأل وهذا الأمر يعيق قدرة لبنان على الاستدانة، فإذا أراد ان يستدين لصنع مشاريع معينة، فلا أحد يعطيه لأنه لم ينهِ أموره مع دائنيه، بالتالي يجب انهاء تلك الأمور وبعدها يعيد التفاوض مع غيرهم.
هذا من الملفات التي يجب أن تبدأ الحكومة الجديدة بحلها.
انخفض الدولار ولم تنخفض أسعار السلع بعد.. هل من أسلوب معين لاتباعه بهذا الخصوص.. هل من مهلة محددة لتخفيض الأسعار وكيف تتم المراقبة؟
المشكلة ليست فقط بمستوى سعر صرف الدولار الذي كان 20,000 وأصبح اليوم 16,000، انما هي التقلبات الحادة بسعر الصرف، وهذا الأمر يجعل الناس الذين يشترون سلعهم الخاصة بالدولار كالسوبرماركات، يقولون انهم اذا سعّروا على 16000 وغداً عندما يريدون الاستيراد فمن الممكن أن يكون قد أصبح سعر الصرف 20,000 بالتالي فهم يفضلون حماية نفسهم بترك هامش من أجل أن يغطّوا الكلفة الحقيقية، لذلك الأهم من هبوط سعر الصرف هو تأمين استقرار سعر الصرف الذي نفتقده اليوم، وهذا الأمر الذي يحول دون هبوط أسعار السلع.
برأيي بوضع بلد لديه عدم استقرار نقدي وسياسي واجتماعي وأمني كلبنان، الحلّ الأمثل لتثبيت سعر الصرف هو انشاء مجلس صرف currency board وأعتقد انه اذا أُنشئ هذا المجلس فسعر الصرف سينخفض الى ما دون ال 16000 وسيصبح ثابتاً، ومن ثم تنخفض الأسعار لأن هذا المجلس يضبط ثبات سعر الصرف ويمنع التقلبات، بالتالي سيعلم الناس كيف يمكنهم التسعير لأنهم يدركون أنهم عندما يريدون التحويل سيكون مقابل ال 16000 للدولار الواحد.