شهدت الساحات اللبنانية، يوم أمس، تظاهرات وقطع للطرقات احتجاجًا على ارتفاع سعر صرف الدولار الذي لامس الـ10 آلاف ليرة لبنانية؛ وإزاء ذلك، كثُرت التحليلات حول أسباب ارتفاع سعر الصرف بهذه الوتيرة السريعة، إذ ردّها البعض إلى عوامل سياسية هدفها الضغط في الشارع على المعنيين لتشكيل حكومة، فيما حمّل البعض الآخر المسؤولية للمصارف، باعتبار أنها “شفطت” الدولار من السوق اللبناني.
وفي هذا الإطار، يشير الخبير الاقتصادي، باتريك مارديني، في حديث لـ”أحوال”، إلى أنّ سعر صرف الدولار في السوق السوداء بدأ يرتفع منذ أكثر من سنة، ومن المتوقع أن يستمرّ في هذا الاتجاه التصاعدي في الفترة المقبلة، موضحًا أنّ هذا الارتفاع مرتبط بثلاثة عوامل:
العامل الأول هو فقدان الدولة اللبنانية للسيولة المطلوبة لسد عجز الموازنة، ما جعلها تطبع كميات إضافية من الليرة اللبنانية لتسديد كلفة الدين، وبالتالي فعندما تفيض كمية الليرة اللبنانية في السوق ستنخفض قيمتها، ما سيرفع سعر الدولار بشكل تلقائي.
أمّا العامل الثاني، بحسب مارديني، فيعود إلى انخفاض النمو الاقتصادي بنسبة 19 إلى 25%، ما يعني أن الاقتصاد اللبناني يصغر في الوقت الذي يرتفع فيه حجم العملات بالليرة اللبنانية في السوق، “وهنا الخطأ، لذا يتوجّب سحب الليرة من الأسواق والتوقّف عن طبع المزيد منها”.
والعامل الثالث لارتفاع سعر الصرف، يضيف مارديني لموقعنا، سببه غياب عامل الثقة، حيث أن المواطن اللبناني لم يعد يثق بعملته الوطنية، فأصبح يحاول التخلّص منها إما عبر شراء سلع أو عبر تحويلها إلى الدولار، “فلا أحد مستعدّ لاقتناء الليرة اللبنانية، خوفًا من تدهور قيمتها أكثر”.
ما هو السبب الذي أدّى إلى ارتفاع سعر الصرف بوتيرة سريعة في اليومين الأخيرين؟
في الإجابة عن هذا السؤال، يرى الخبير الاقتصادي أنّ ما حصل في الأسبوع الأخير يعود إلى تعميم أصدره حاكم مصرف لبنان، رياض سلامة، طلب عبره من المصارف اللبنانية زيادة الدولار عند المصارف المراسلة -أي المصارف الأجنبية التي تتعامل معها المصارف اللبنانية- “فلكل مصرف لبناني مصرف أجنبي يتعامل معه، وبناء على هذا الطلب قامت بعض المصارف اللبنانية ببيع فروعها في الخارج، مثل “بنك عودة”، لتأمين رأس المال بالدولار لدى المصارف الأجنبية، فيما اشترت مصارف أخرى -التي لا تملك فروع في الخارج- الدولار من السوق اللبناني لتغطية السقف المحدّد من قبل المصرف المركزي، ما أدى إلى ارتفاع الطلب على الدولار، وبالتالي ارتفاع سعر صرفه”.
وانطلاقًا من ذلك، يعتبر مارديني أنّ ما قامت به المصارف هو عمل طبيعي، فهي تعاني من خسائر كبيرة ومن الطبيعي أن يُطلب منها رفع رأسمالها في إطار أولى خطوات إعادة هيكلة المصارف.
أما الحلول التي يمكن اتباعها، فيؤكد الخبير الاقتصادي في حديثه لـ”أحوال”، أنه لا يمكن إعادة إحياء البلد دون إصلاح قطاعه المصرفي، “فالدولار لن ينخفض، والاتجاه العام لسعر الصرف على المدى الطويل هو تصاعدي، ولن ينجح أي إصلاح طالما أنّ نفقات الدولة اللبنانية أعلى من إيراداتها”، بحسب تعبيره، طارحًا فكرة إنشاء “مجلس نقد” يُساهم بإعادة الثقة بالليرة اللبنانية، ويعيد أيضًا التدفقات الأجنبية إلى الداخل، ما سيساهم في خفض سعر صرف الدولار خلال 30 يومًا، وسيثبّته على سعر منخفض.
من هنا، يتابع مارديني: “إلا أن الحل لا يأتي فقط من القطاع المصرفي، بل على الحكومة أن تتشكّل، وعلى مجلس النواب أن يتحرّك في هذا الإطار لتوقيف تدهور سعر الصرف، وكذلك إجراء إصلاحات بملف الكهرباء الذي يشكّل جزءًا كبيرًا من الدين العام، لأنّ المحروقات تُستورد بالدولار والمصرف المركزي يدعم 90% من سعر هذه المحروقات بدولار مدعوم، أي على سعر صرف الـ1500 ليرة، فيما الـ10% المتبقية تُدفع وفق سعر صرف السوق السوداء، ومع ارتفاع الأسعار العالمية للنفط ارتفع سعر المحروقات”، مضيفًا: “لذا يجب ترشيد الدعم وإلّا ستؤخذ فاتورة دعم المحروقات من أموال المودعين، أو سيتم رفع الفاتورة على المواطن، خصوصًا أن المحروقات تشكّل 50% من نسبة مجمل الدعم العام”.
وإلى جانب إنشاء مجلس نقد وترشيد الدعم، يطالب مارديني أيضًا بضبط التهريب للبضائع المدعومة عبر الحدود غير الشرعية، معتبرًا أنّ سياسة الدعم كانت سياسة فاشلة، دفع ضريبتها المواطن اللبناني فيما استفاد منها المهربون والتجار.
وفي الخلاصة، تبقى مسألة ارتفاع سعر صرف الدولار بالنسبة لليرة اللبنانية رهينة تشكيل حكومة من وزراء “مسؤولين”، يملكون إرادة الإصلاح والرغبة في التغيير، إذ أن كل تأخير في التشكيلة الحكومية سيؤدي حتمًا إلى عواقب وخيمة على الصعيد المالي والنقدي.
إضغط هنا لقراءة المقال على موقع أحوال ميديا