من إيجابيات الانتفاضة أنها ألقت الضوء على بعض المشاريع المكلفة التي أرادت الدولة القيام بها، ومن أبرزها سد بسري الذي على رغم معارضة الأهالي واحتجاجاتهم، إلا أن صرخاتهم لم تلامس آذان المسؤولين، بل استُملِكت أراضيهم بالقوة وبدأت الخطوات الأولى لتنفيذه.
وقد كان لافتا تصريح رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط الذي اعتبر أن “إقامة سد بسري ضرورة من اجل تأمين المياه لبيروت الكبرى، لكن إذا كان المتعهد هو نفسه ملتزم ردم النفايات في مكب برج حمود وغيره من الالتزامات المشبوهة، فإنني أطالب بوقف كل الأعمال ومنها قطع الشجر”.
وفي هذا الاطار، يوضح المحلل الاقتصادي في المعهد اللبناني لدراسات السوق مجدي عارف أن “هذا السد لاقى الكثير من الجدل بين الخبراء حول إمكان حفظه للماء نسبة الى نوعية التربة التي تمنع تخزينها، إضافة إلى احتمال تأثيره على النشاط الزلزالي في المنطقة نظرا الى موقعه، ولاعتماده بشكل أساسي على جر المياه من نهر الليطاني الملوث حاليا. وعليه فإن أخفقت الدولة في منع المخالفات عن هذا النهر، فهذا يعني فشل مشروع كلفته 617 مليون دولار لجر المياه إلى بيروت. كما أن الدولة أقرت مبلغ 733 مليون دولار لإزالة التعديات عن نهر الليطاني، مصدر المياه للسد، في قانون خاص، ما يرفع الكلفة الإجمالية لمشروع نقل المياه إلى بيروت إلى 1350 مليون دولار. وللمقارنة، تشكل هذه النفقات مجتمعة 24% من عجز الموازنة للعام 2018، في ظل وضع مالي صعب يهدد بإفلاس الدولة وخطر تعثرها عن سداد ديونها”.
ويضيف: “أن الدولة أجّلت العديد من مشاريع المياه ونقلت نفقاتها في موازنة 2019 إلى 2020، ومن جديد في موازنة 2020 إلى 2021، نظرا الى ارتفاع الإنفاق بشكل كبير في الاعوام الماضية، علما بأن مردود المشاريع كان منخفضاً. هكذا يمكن المواطن أن يتوقع مماطلة في هذه المشاريع لسنوات عدة إضافية قبل البدء بتنفيذها نظرا الى الوضع المالي، ناهيك بالفترة التي سينتظرها لانتهاء المشاريع في حال لم تواجهها أي مشاكل، وهو أمر مستبعد. لذا، سيظل اللبناني يدفع فاتورة مزدوجة للمياه لسنوات عدة إلى حين انتهاء الخطط. وعليه يمكننا الاستنتاج أن هذا المنهج المتبع حاليا لا يصب في مصلحة المواطن، بل ينبغي تغييره”.
لا شك في أن إصلاح قطاع المياه أساسي لكل المواطنين. وبمجرد تشكيلها، يقع على عاتق الحكومة المقبلة أن تخطو خطوات إصلاحية لاعادة ثقة المجتمع الدولي والشارع. ووفق عارف، “فان اصلاح قطاع المياه اساسي ويجب ان يتم عبر استثمار الشركات وتمويلها المشاريع على نفقتها الخاصة، إذ لم يعد للدولة ترف الاستدانة للإنفاق على هذه الخطط في ظل الازمة الراهنة. لذا فإنّ على الدولة البدء بسياسة تقشف حقيقية توقف بموجبها كل النفقات التي قد تفيض عن مداخيلها وتؤدي إلى عجز، وفي مقدمها مشاريع المياه، لاستعادة الثقة بالاقتصاد اللبناني”.
ويعطي مثال فرنسا التي “استفادت من تجارب عديدة في قطاع المياه، تقوم على الطلب من الشركات الخاصة توفير التمويل والخدمات للمواطن. وبحسب وزارة البيئة يؤمن القطاع الخاص خدمات المياه في فرنسا منذ نحو قرن ويغطي اليوم حوالى 75% من حاجة السكان”. ويقترح “تعميم هذه التجربة على مختلف المناطق في لبنان ما يؤدي الى دخول الشركات الخاصة قطاع المياه بشكل فوري. وستساهم الشركات الخاصة في ضخ الأموال في البلاد وتوظف العديد من العاطلين عن العمل من دون تكليف الدولة فلسا واحدا”.
اليوم، باتت الحكومة المرتقبة أمام خيارين: إما انتظار انتظام مالية الدولة للبدء بمشاريع قد تستغرق سنوات ويرفضها المواطنون، وإمّا الإستماع الى الشعب هذه المرة والذي يرفض التضحية ببيئته ودفع تكاليف السد عبر ضرائبه وتحمّل فاتورة مياه مزدوجة.