في الوقت الذي يمر فيه لبنان بأزمة اقتصادية تكاد تكون الأسوأ منذ عقود، برزت تساؤلات عدة حول إمكانية نجاح الحكومة اللبنانية ممثلة بوزارة الطاقة والمياه بتنفيذ خطة الكهرباء التي كانت أعدتها الوزارة المعنية، لا سيما وأن وزيرة الطاقة ندى البستاني كانت قد وعدت ببدء تنفيذ الخطة وزيادة التعرفة الكهربائية بداية العام المقبل
فاتورة كهرباء من الأغلى في العالم
وتعد فاتورة الكهرباء الشهرية في لبنان من الأغلى في العالم، فالمواطن اللبناني يدفع ما يفوق 120 دولارا كمعدل وسطي شهريا، وبدل الفاتورة الواحدة يدفع فاتورتين، فاتورة لمؤسسة كهرباء لبنان، وفاتورة أخرى لأصحاب المولدات الكهربائية الذين يقومون بسد عجز التقنين الكهربائي.
عجز مالي كبير
بلغ العجز المالي لمؤسسة كهرباء لبنان عام 2018 أكثر من 1.8 مليار دولار، وبحسب وزارة الطاقة والمياه فإن الأسباب تعود إلى تثبيت معدل التعرفة على معدل أقل من كلفة الإنتاج، استخدام معامل قديمة ذات كفاءة متدنية وكلفة تشغيلية مرتفعة، الهدر الفني وأثر النازحين السوريين الذي قدر استهلاكهم ب 500 ميغاوات. كل هذه العوامل، أدت إلى تراكم العجز المالي الذي وصل إلى أكثر من 30 مليار دولار أمريكي.
خطة لزيادة الإنتاج وتخفيف العجز
عملت وزارة الطاقة والمياه على تقديم خطة نالت موافقة الحكومة اللبنانية عام 2019، تهدف إلى تخفيف العجز في قطاع الكهرباء وتأمين الكهرباء 24/24 في مختلف المناطق اللبنانية، من خلال العمل بالشراكة مع القطاع الخاص.
يقول النائب إدغار معلوف لـ”سبوتنيك” إن “هذه هي الخطة هي الأنسب لتخفيف عجز كهرباء لبنان، تم وضع الخطة عام 2010 ودار حولها نقاشات وانتقادات وتم التعديل عليها لحين إقرارها عام 2019، وتم إقرارها بتوافق جميع القوى السياسية، والجميع أشاد بها خاصة أن البنك الدولي والمؤسسات الدولية بمكان معين كانت مشرفة على تفاصيلها”.
وأكد معلوف أنه “من الواضح أن هناك مصالح كبيرة ستتضرر مع تأمين الكهرباء 24/24 في لبنان، وبرأيي العراقيل التي نراها من وقت لآخر والانتقادات هي بسياق أشخاص وأفرقاء لا يرغبون بتأمين الكهرباء في البلاد لأنهم لا يريدون التحسين لا بالخطة ولا بالأداء لا أكثر ولا أقل”.
ورأى معلوف أن “الذي أوصل ملف الكهرباء إلى ما نحن عليه هو قرار بعدم الرغبة بأن تكون الكهرباء على مدار 24 ساعة لأن هناك استفادات كبيرة تحصل إن من أصحاب المولدات الكهربائية أو من شركات استيراد الفيول والمازوت على لبنان”.
ولفت النائب اللبناني إلى أن هناك إمكانية لرفع التغذية في حال لم يتم وضع العراقيل للخطة، اليوم لدينا دفاتر الشروط وضعت بسرعة كبيرة بمعايير عالية جداً”.
قطاع الكهرباء مسؤول عن 45% من الدين العام
يعاني لبنان من أزمة في قطاع الكهرباء منذ حوالي الثلاثة عقود، بحيث لم تتمكن الحكومات المتعاقبة على حل هذه الأزمة المستعصية، التي تزيد من عبء خزينة الدولة مئات ملايين الدولارات سنوياً وتشكل 45% من الدين العام.
رئيس المعهد اللبناني لدراسات السوق الدكتور باتريك مارديني يقول لـ”سبوتنيك” إن “قطاع الكهرباء مسؤول تقريباً عن 45% من الدين في لبنان”، مشيراً إلى أنه” لدينا مشكلة دين ومن الممكن أن نصل إلى مكان لا نستطيع أن ندفعه وعجز الكهرباء هو المسؤول الأول عن هذا الموضوع”.
ويضيف:” عجز كهرباء لبنان بلغ عام 2019 تقريباً 2500 مليار ليرة هذا في المقدر للعام 2019، وفي موازنة 2019 قال سياسيو لبنان إنهم يتوقعون عجز 2500 مليار ليرة على الرغم من أن عجز عام 2018 كان أكبر، حوالي 3 آلاف مليار”.
ارتباط قطاع الكهرباء بسعر البترول
ولفت مارديني إلى أن عجز قطاع الكهرباء مرتبط بسعر البترول، عجز الكهرباء هو 2500 مليار ليرة وهناك وعود بتخفيضه الى 1500 مليار ليرة عام 2020، إذا تحدثنا عن سعر برميل النفط بين 50 و 60 دولار أمريكي يمكن أن يكون العجز 2500 مليار ليرة عام 2019، ولكن إذا ارتفع سعر البترول لحوالي 80 دولار فإن العجز سيتخطى هذا الرقم بكثير.
وأشار إلى أن مؤسسة كهرباء لبنان تنتج الكهرباء وتبيعه وليس من المفترض أن يكون لديها أي خسارة، 2500 مليار و1500 مليار ليرة عجز القطاع نتيجة الإدارة السيئة للكهرباء، لأن هذا القطاع من المفترض أن يكسب المال وليس العكس، واليوم إذا نظرنا الى أصحاب المولدات الكهربائية الذين استطاعوا أن يجنوا الأرباح من عملهم في الكهرباء نتساءل لماذا الدولة اللبنانية تخسر الأموال، وليس فقط الخسارة بل ستكسر الدولة وهذه هي المشكلة الأساسية”.
القطاع الخاص سيتكفل بإنشاء معامل الكهرباء
ورأى مارديني أن “النسخة الأخيرة من خطة وزارة الإقتصاد هي أفضل من نسخة 2010 التي وضعت، لأنها اعتبرت أن الدولة لن تدفع تكلفة إنشاء المعامل مقابل الإنتاج الإضافي للكهرباء لأن القطاع الخاص هو الذي سيتكفل بإنشاء المعامل وبيع الكهرباء الخاصة به، وبالتالي نوفر على الدولة كلفة الإستثمار في معامل كهرباء جديدة”.
وأضاف:”هذا الإصلاح هو إصلاح بالإتجاه الصحيح من أجل زيادة الإنتاج، الجزء الإيجابي هو أن القطاع الخاص هو من سيتكفل بإنشاء المعامل بدل الدولة اللبنانية، والجزء الغير إيجابي من الخطة هو فرض على هذه الشركات الخاصة التي ستنشأ المعامل أن تؤمن الكهرباء بسرعة وهو ما يطلق عليها اسم خطة مرحلية، هذا يعني أنه بالإضافة إلى المعامل يريدون منها أن تستأجر بواخر كهرباء، هذا الأمر سيؤدي إلى ارتفاع سعر الكهرباء كثيراً، ووضع المالية العامة في لبنان سيء جداً ولا يحمل أي مغامرات”.
زيادة التعرفة لتخفيف العجز
وأشار مارديني إلى أن هناك طريقتان لتخفيف العجز في هذا القطاع، زيادة التعرفة أو زيادة التقنين، لأن الدولة اللبنانية اليوم تبيع الكهرباء بخسارة وكلما تبيع كيلوات كلما تخسر، ونحن اليوم نريد الكهرباء ولا نريد التقنين، والحل يكون ببيع الكهرباء بسعر يغطي الكلفة وهذا الإتجاه الذي سنتوجه اليه عام 2020″.
بدوره قال رئيس لجنة الطاقة والمياه في مجلس النواب النائب نزيه نجم ل”سبوتنيك”، إن “أي خطة توصلنا للكهرباء 24/24 و 7/7 فأنا إلى جانبها”.
هذا وأعلنت وزيرة الطاقة والمياه ندى بستاني عن إطلاق دفتر الشروط التفصيلي لدعوة القطاع الخاص لبناء محطات انتاج كهرباء من طاقة الرياح بقدرة 500 ميغاوات.
وأشارت إلى أنه تم إرسال دفتر الشروط التفصيلي الى كل الشركات وتحالف الشركات التي قدمت سابقاً إعلانات النوايا والتي بلغ عددها 42 من لبنان ودول العالم