فتصدت لها سلطة الرقابة على قطاع الكهرباء في تركيا، EMRA، بسبب عدم وجود مناقصة تنافسية مفتوحة لباقي الشركات، علماً أن نحو15 شركة تركية أبدت اهتمامها، بما في ذلك كبرى الشركات المحلية مثل Sabanci و Koc و Ak Enerji وZorlu. وكانت الصحافة التركية وفق ما ورد في مذكرات “ويكيليكس” أشارت الى وجود “صفقة خاصة بين كارتيت ووزارة الطاقة دفعت الاخيرة إلى ممارسة ضغوط على EMRA من أجل تمرير صفقة كارتيت مع العراق”. فهل يعني ذلك أن شركة “كارادينيز” تعتمد على علاقتها مع الوزراء والسياسيين من أجل الفوز بالعقود بدل الإتكال على كفايتها وعلى تأمين العرض الأفضل؟ في لبنان، تتجه وزارة الطاقة إلى عدم الأخذ بملاحظات ادارة المناقصات، من أجل تأمين وصول الشركة التركية وحدها، أو تأهلها مع شركة ثانية بغية التمويه، وفق ما كانت أكدت مصادر مطلعة لـ”النهار”.
ولكن الا تشكل كل هذه التقارير والاخبار أسبابا كافية لاستبعاد شركة “كارادينيز” عن مناقصة الكهرباء في لبنان وفتح تحقيق في طريقة فوزها بالعقود؟ وفق رئيس المعهد اللبناني لدراسات السوق الدكتور باتريك مارديني، “لا دليل على ان كارادينيز نفذت صفقات مشبوهة في لبنان، على رغم كثرة الشكوك التي تحوم حولها، إذ إن تحقيقاً قضائيا في لبنان لم يفتح بعد، وتاليا لا يمكن تأكيد الامر”. لكن معالجة موضوع الكهرباء من منطلق اقتصادي بحت يبين ان ما يجري يفرغ مبدأ المناقصة من مضمونها لاسباب عدة يلخصها مارديني بالآتي:
“- حصر المناقصة بـ 400 ميغاواط على نحو يخرج كل الشركات التي تتمتع بخبرة تشغيل قدرة أدنى من المنافسة. فلماذا لا يسمح مثلاً بفوز اربع شركات كل منها بقدرة 100 ميغاواط؟ وكان هذا الشرط من ابرز الاسباب التي استبعدت الشركات وتحالف الشركات الاخرى عن المناقصة الاولى، وافضت إلى وجود عارض وحيد مقبول.
– فرض مهل غير واقعية من 21 يوماً لتقديم العروض و3 اشهر لتسليم المحطة الأولى (بدل 91 يوماً للتقديم وسنة للتسليم على الأقل)، علماً أن سبب التسرع كان بحجة قدوم أعداد هائلة من السياح في فصل الصيف (1.2 مليون سائح)، لكن الصيف انتهى، وعدد السياح كان مبالغا فيه، وتاليا لا مبرر للإستعجال اليوم.
– تسهيل المحطات العائمة عبر اعفائها من بدل الوقوف في البحر، ووضع المعوقات في وجه المحطات على اليابسة عبر حصرها في اراض معينة وعلى مسؤولية العارض.
– إخافة العارضين عبر فرض ضمان موقت بقيمة 50 مليون دولار والتهديد بإمكان مصادرة الكفالة الموقتة، بما يدفعهم الى عدم التقدم الى المناقصة.
– التعميم بأن شركة تركية هي من ستفوز، ما يدفع العارضين المحتملين إلى الإمتناع عن المشاركة في مناقصة نتيجتها معروفة سلفاً، على اعتبار أن الدخول فيها إهدار للوقت والمجهود والاموال.
– إعطاء الأفضلية لمن يملك حسابا مصرفيا في تركيا”.
هذه المعطيات تشير إلى أن صياغة المناقصة تعطي الأفضلية لشركة تركية، تملك محطات عائمة، ومستنداتها جاهزة سلفا للتقدم بعرض في غضون 3 اسابيع، وسفنها جاهزة في فترة 3 اشهر، وتستطيع تأمين 400 ميغاواط. هذه المعايير وفق مارديني “تضيّق هامش المنافسة وتجعل المناقصة أقرب إلى اتفاق بالتراضي، وذلك يتناقض مع هدف المناقصة التي يجب أن تسعى إلى استدراج أكبر عدد من العروض المقبولة، ودفعها إلى التنافس في ما بينها من أجل خفض السعر لتخفيف الاعباء عن ميزانية الدولة، والتوفير على المواطن تكاليف يمكن تفاديها”.
ويعتبر مارديني أن المناقصة حولت الكهرباء إلى سلعة سياسية تخضع للتجاذب والمصالح والضغوط، وستؤدي حتما إلى نتائج سلبية على المواطن. لذا يقترح ابقاء القطاع بعيدا عن التنازع السياسي وإعادته إلى سوق العرض والطلب حيث يجب أن يكون. فمثلا، إذا ارادت شركة ما تملك محطات عائمة بقدرة 400 ميغاواط، أن تبيع انتاجها إلى اللبنانيين، فإن أمامها طريقتين، الأولى تقضي بإقناع المسؤولين بشراء الكهرباء منها، نيابة عن الشعب اللبناني وبأموال الشعب. فإذا اقنعتهم، يجري المسؤولون إتفاقا بالتراضي مع هذه الشركة، وإذا منعهم القانون من اتمام هذه المهمة، يلجأون إلى وضع دفتر شروط يؤمن فوز هذه الشركة. هذا ما يسمى السلعة السياسية التي غالبا ما تحوم حولها الشكوك واتهامات الفساد، ولذا تم وضع هيئات رقابية وإدارية لضبط الشفافية وتأمينها. وتزداد الشبهات حول أهلية المناقصات إذا ما تم اتهام الهيئات الرقابية والإدارية بالتسييس أو تم تجاهل مقترحاتها.
وإذ يؤكد أن المشكلة الأساسية هي أن الدولة اللبنانية تمنع الشركات من إنتاج الكهرباء وبيعها رغم حاجة الشعب اللبناني إليها، وتفرض عليه شركة محددة عبر استدراج العروض، يعتبر ان السماح لمن يريد إنتاج الكهرباء وبيعها مباشرة للمواطن يؤمن طفرة كهربائية ويطلق المبادرة الحرة في هذا القطاع ويسمح بالتنافس بين المنتجين لإرضاء الزبائن. إذ إن عدم رضا الزبون قد يدفعه الى شراء الكهرباء من شركة أخرى! أما تقنياً، فهذا الحل أصبح رائجاً في عدد من الدول التي حولت إدارة الشبكة إلى نوع من مقاصة تسمح لمختلف المنتجين بتقديم الطاقة للمواطن عن طريق الشبكة نفسها. والمفارقة هنا ان تركيا هي واحدة من هذه الدول.