فاجأ رئيس حزب القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع الجميع بموقفه الجديد الذي ربط موافقة حزبه على الموازنة بتضمين الموازنة خصخصة إنتاج الكهرباء، على “أن تشتري الدولة الكهرباء من الشركات الخاصة المنتجة، وتبيعها للمواطنين. وأعلن جعجع أن هذا الأمر “يؤمّن الكهرباء 24 ساعة يومياً للمواطنين، ويوفر على الخزينة ملياراً ونصف مليار دولار سنوياً. ورأى في هذا الوِفر بديلاً من فرض ضرائب جديدة على المواطنين.
أعاد هذا الطرح إلى الأذهان الحديث عن الخصخصة في قطاع الكهرباء، من خلال تقديم “المعهد اللبناني لدراسات السوق”، في أواخر العام الماضي دراسة بعنوان “حل مشكلة الكهرباء في لبنان بكلفة صفر دولار”، وهي الدراسة المستندة إلى “السماح لأي شركة بإنتاج الطاقة الكهربائية وبيعها مباشرة للمواطن بالسعر الذي تراه مناسباً”. على أن يفتح هذا المدخل باب التنافس الحرّ كحلّ لأزمة الكهرباء، من حيث أنه يؤدي إلى “تدفق المستثمرين وزيادة محطات الإنتاج”.
ويرى مطلعون على ملف الكهرباء، أن طرح جعجع هو عود على بدء، أي أنه إقتراح ليس بجديد بل هو قديم ويعود إلى حقبة الرئيس الراحل رفيق الحريري حيث كانت تدور رحى معركة إستحواذ القطاع الخاص على الكهرباء، وكان جعجع يريد من خلال الطرح الذي تبناه ان يدخل مجدداً الشركات الخاصة وسط غبار المعارك السياسية ووارثة مشاريع مضى عليها الزمن، وهو ما كان يرفض دوماً وكان قاعدة إشتباك أساسية بين أفرقاء الحكم آنذاك. وفضلاً عن عدم نجاعة طرح جعجع أو فنيته أو وصوله إلى الحلول، هناك أمر أخطر، فبحسب الخبراء، الإقتراح هذا لن يحفف المصاريف عن المواطنين بل سيثقل كاهلهم.. فما الحل إذاً؟
فإلى أي مدى يتوافق هذا الطرح مع الطرح القواتي، وكيف يمكن أن تكون الخصخصة بابا لمستقبل كهربائي أفضل للبنان؟
يؤكد رئيس “المعهد اللبناني لدراسات السوق” الدكتور باتريك المارديني في حديثٍ لموقع “ليبانون ديبايت” بأن طرح القوات الرامي إلى الخصخصة في قطاع الكهرباء يصب في طرح وزارة الطاقة الرامي إلى زيادة تعرفة الكهرباء، لتخفيف الخسارة في مؤسسة كهرباء لبنان، وبالتالي عدم الاستمرار ببيع الكهرباء بأقل من كلفتها، لأن مؤسسة كهرباء لبنان مع بيعها الكهرباء بأقل من 300 ليرة (كلفتها الحقيقية) تخسر أكثر كلما باعت كهرباء أكثر.
ويشير المارديني بأن هذين الحلين يصبان في خانة الحل السليم لقطاع الكهرباء المأزوم في لبنان، ولكن يجب أن يستكملان بحل ثالث أبعد. فـ”طالما أن شركة كهرباء لبنان لا يمكنها البيع بأقل من 300 ليرة، تفادياً للخسارة، وطالما أن الوضع المعيشي للمواطن اللبناني لا يسمح بزيادة التعرفة، فلماذا لا يُسمح للشركات الخاصة بالدخول على خط الإستثمار في قطاع الكهرباء وتبيع للمواطن بسعر أقل يتناسب مع الأوضاع المعيشية، ويخلق تنافساً له أن يؤسس لقطاع كهربائي حيوي.
وعن تقييم طرح القوات الأخير، يقول المارديني بأنه لا زال غير واضح حتى الآن. ولكن وبحسب رصد “ليبانون ديبايت” فإن طرح القوات وإن كان يصب مع دراسة “المعهد اللبناني لدراسات السوق” بالشكل ولكن في المضمون يختلف عنه. فإن طرح القوات يركز على “أن تشتري الدولة الكهرباء من الشركات الخاصة المنتجة، وتبيعها للمواطنين” بينما الدراسة تركز على شرط “السماح لأي شركة بإنتاج الطاقة الكهربائية وبيعها مباشرة للمواطن بالسعر الذي تراه مناسباً”، وذلك لفتح باب التنافس على مصراعيه، وإغلاق باب الإحتكار في هذا القطاع الذي عانى اللبنانيون ولا زالوا يعانون من عُقمه المستنسخ منذ عقود.
وفيما يخص مشروع المعهد “حلّ مشكلة الكهرباء في لبنان بكلفة صفر دولار”، يلفت المارديني إلى أنهم وبعد حملة التوعية الخاصة بالمشروع ، افتراضياً وإعلامياً، يتوجه المعهد اليوم للعمل على المستوى الثالث، وهو طرح المشروع على الكتل السياسية، “ويمكن البدء من القوات والتيار الوطني الحر بما أنهما لديهما رؤية تصب بطريقة مباشرة أو غير مباشرة مع مشروعنا”.
فهل ستستمع القوى السياسية لأهل الإختصاص في هذا المجال، ونرى نهايةً سعيدة لـ”قصة إبريق الزيت” التي ملّ اللبناني سماع فصولها المضنية، أم أن التعنّت سيكون سيد الموقف كما في كل الملفات الحيوية في لبنان، علماً أن مشروع “المعهد اللبناني لدراسات السوق” ينطلق من ورقة سياسات عامة تهدف للإصلاح في قطاع الكهرباء، يتم العمل عليها منذ العام 2014، ونالت هذه الورقة جائزة أفضل ورقة سياسات عامة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وهي التي تركز على أمرين أساسيين “وجوب توقف الدعم للكهرباء وبالتالي توقف البيع بأقل من الكلفة، وتطويره عبر رفع السعر مع وجوب فتح السوق كي لا يؤثر سلباً على الوضع المعيشي للمواطن”، مع التشديد على عدم الانتقال من احتكار الدولة إلى الاحتكار الخاص، بل “الانتقال من فكرة الاحتكار لفكرة التنافس الحر كحلّ لأزمة الكهرباء في لبنان”.