التنافس الحرّ… حلٌ لأزمة الكهرباء بكلفة صفر دولار

التنافس الحرّ… حلٌ لأزمة الكهرباء بكلفة صفر دولار

يبلغ عدد ساعات التقنين 12 الى 18 ساعة يوميا في بعض المناطق اللبنانية. ويكبد هذا العجز في التغذية القطاعات المنتجة خسائر فادحة، تفوق الـ35 في المئة كلفة إضافية، حيث يتوجب على المؤسسات إيجاد بديل غالبا ما يكلف أضعاف التعرفة العادية، إضافة الى الكلفة التي يتكبدها المواطن من جراء تسديده فاتورتين: فاتورة الدولة (اللي ما بتجي) وفاتورة الإشتراك بكلفة عالية ولقاء خدمة مزرية.

فلا يختلف اثنان على أن حل أزمة الكهرباء في لبنان محض خيال يتسع ويضيق على باب المصالح السياسية، فـ”تكمن المشكلة في توفير هذه السلعة الاستهلاكية على أساس انها سلعة سياسية لا سلعة اقتصادية استهلاكية أساسية، الأمر الذي يخلق أمر واقع يقول إن هذه السلعة والحلول التي تدور في فلكها دائما ستستعمل لخدمة المصالح السياسية وليس لخدمة المواطن – المستهلك”.

تنتج مؤسسة كهرباء لبنان 1600 ميغاواط تُهدر منها 45 في المئة، بينما حاجة السوق تستدعي إنتاج 2800 ميغاواط، وتتراوح كلفة الإنتاج ما بين 200 و300 ليرة لبنانية وتباع للمواطنين بسعر يتراوح بين 35 و200 ليرة. وتفوق الخسارة السنوية لمؤسسة كهرباء لبنان الـ 2 مليار دولار أي (حوالى 50 في المئة من عجز خزينة الدولة)، وتبيع مؤسسة الكهرباء الإنتاج بخسارة، ولذلك كل ما زاد انتاجها زادت خسائرها. ورغم ذلك يمنع القانون اللبناني تطور قطاع المولدات الخاصة بالشكل المناسب، فيبقي احتكار مؤسسة الكهرباء لإنتاج ونقل وتوزيع الطاقة الكهربائية وجباية الفواتير مستمرا رغم عدم قدرتها على توفير حاجات المواطنين. وهذا الاحتكار جعل ممن يوفر خدمة الاشتراك مخالفا للقانون ما أدى إلى انتقاء عكسي، إذ تم تفضيل المولدات الرخيصة التي تحتاج إلى رأس مال صغير على المصانع الكبرى المكلفة التي تفرض وجود استثمار كبير، وذلك خشية أن تلجأ الدولة إلى إيقاف هذا العمل في أي لحظة والتسبب بخسارة رأس المال، علما أن كلفة إنتاج الكهرباء بالمولدات البدائية ملوثة وتفوق بأشواط كلفة إنتاجها بالمصانع المتقدمة.

تفاصيل الحل

وبحثاً عن حل لأزمة الكهرباء المترسخة في الواقع اللبناني لدرجة أصبحت العتمة توصيفاً مسبقاً للبنان، عرض “المعهد اللبناني لدراسات السوق”، دراسة بعنوان “حل مشكلة الكهرباء في لبنان بكلفة صفر دولار”، توصلت لنتيجة مفادها أن الحل الأمثل لمشكلة الكهرباء هو عبر السماح لأي شركة بإنتاج الطاقة الكهربائية وبيعها مباشرة للمواطن بالسعر الذي تراه مناسبا، ما يؤدي إلى تدفق المستثمرين وزيادة محطات الانتاج. و”تطبيق هذه الدراسة سيؤدي إلى توفير الكهرباء 24/24 ساعة وإلى خفض كلفة إنتاج الكهرباء البديلة من 850 ليرة إلى 300 – 350 ليرة للكيلوواط”. فـ”متى كانت السلعة سلعة اقتصادية يتمتع المستهلك والمنتج بحرية إنتاجها وحرية بيعها وشرائها بأي سعر جديد، هذا يعني بالمطلق بأن المنتج والمستهلك سيستفيدان منها بهذه الحال، بينما عندما تبقى السلعة سياسية ستبقى المشكلة موجودة ولن يكون هناك أي نوع من الاستدامة لهذه الحلول السياسية لأنها لا تستطيع أن تلبي متطلبات المستهلك” بقدر ما تلبي مصالح المعنيين.

وأكد رئيس المعهد اللبناني لدراسات السوق والدكتور المحاضر في جامعة البلمند باتريك مارديني، أن مجرد السماح لأي شركة بدخول القطاع الكهربائي من دون تعقيد سيؤدي إلى طفرة في الانتاج بسبب رغبة شركات الامتياز وأصحاب المولدات الخاصة بتحسين إنتاجهم بعدما تحول الإنتاج والبيع إلى عملية شرعية، بالإضافة إلى إرادة كبار رؤوس الأموال وجميع الفاعلين في القطاع في دخول القطاع وبناء مصانع متطورة وطويلة الأمد، إضافة إلى انعكاس هذه المنافسة على مؤسسة كهرباء لبنان نفسها، والتي ما عاد إصلاحها بالأمر الممكن إلا عبر المنافسة الشرعية ما يخلق لديها حافزا لتحسين نوعية الكهرباء. علماً أن هذا الحل لا يمس بمؤسسة كهرباء لبنان بل على العكس، فهو يخفف عنها الضغط عبر إعطائها الخيار بتوفير الكهرباء في المناطق التي تراها مناسبة وتستطيع الاحتفاظ بعمالها وكوادرها وتبيعها للدولة. أما الأسعار فيمكن ضبطها عبر السماح للمستهلك اللبناني باختيار الشركة التي يرغب في شراء الكهرباء منها، أي عبر إطلاق المنافسة.

مخاوف وتحديات

ويمكن تطبيق هذا الحل اليوم في لبنان لا سيما بعد اقتراح بعض المسؤولين توفير الكهرباء عبر القطاع الخاص بهدف توفير كلفة بناء محطات الإنتاج على الدولة، بحيث تم بناء على ذلك تعديل المادة السابعة من القانون رقم 412 تاريخ 2/9/2002 من أجل السماح بمنح أذونات الانتاج والتراخيص بقرار من مجلس الوزراء من دون تحديد طريقة بيع الإنتاج، ولكن ما زالت الدولة معتكفة عن منح التراخيص للاستثمار الخاص في هذا القطاع، ما يخلق “سوقا سوداء ومافيا” تسمى أصحاب المولدات الخاصة الذين يحتكرون السوق ويقدمون أسوأ أنواع الكهرباء مقابل أسعار باهظة.

أما المخاوف التي تترافق وهذا الحل فتتركز على فكرة تقسيم لبنان إلى 12 دائرة بحسب التوزيع السياسي والمذهبي، ومنح امتياز توليد الكهرباء البديلة في كل دائرة إلى شركة خاصة تدور في فلك تلك الطائفة والحزب والزعيم السياسي المسيطر على تلك المنطقة، بحيث تقوم الشركة ببيع إنتاجها لمؤسسة كهرباء لبنان التي تهتم ببيعها للمواطن، مما سيكبد المؤسسة واللبنانيين خسائر فادحة على رغم توفير الكهرباء 7/24 ساعة في غياب التنافس وعدم السماح بالبيع مباشرة وبشفافية للمواطن بحيث يتم البيع عبر مؤسسة الكهرباء بأسعار تحدد بمناقصة غالبا ما تحوم حولها الشبهات، الأمر الذي يجرد المواطن من القدرة على المحاسبة ويجبره على الرضوخ لسوء التوعية وغلاء التعرفة.

وفي حديث لـ”البلد” يشير مارديني إلى أن هذا الطرح لم يعرض بعد على المعنيين، “إنما سيتم العمل على ذلك بعد الإطلاق، والدراسة سيتم تعميمها عبر حملات توعية في المناطق اللبنانية كافة بهدف توسيع الصورة عند المواطنين”. ويراهن مارديني على أن يأخذ هذا الطرح صدى إيجابيًا لدى المعنيين لا سيما وأن “الجميع، ومن بينهم سياسيون، باتوا شبه مقتنعين بأنه ما عاد بالإمكان الاعتماد على مؤسسة كهرباء لبنان لـتأمين الكهرباء، ويفكرون بحلول بديلة ليست بالضرورة هي الأنسب وبالتالي هذه الدراسة لنقصّر عليهم طريق البحث عن الحلول ونقدم لهم الحل الأنسب”.

سلطة “العتمة”

إذاً، يعتبر حل أزمة الكهرباء بكلفة صفر دولار، ومن دون المس بالمصالح السياسية التي يمكن أن تشكل عائقاً في وجه تنفيذه، مشروعاً رائدا سيشكل دون شك إحراجا للسلطة وضغطاً باتجاه الموافقة، ولكن تبقى الموافقة على هذا المشروع برسم وزير الطاقة الجديد… فهل سترفض سلطة العتمة المشروع على خلفية أنه لن يعود عليها بالفائدة التي أصبحت شرطا أساسيا لأي مشروع يخدم المواطن ولا يصب في خانة مصالحها، أم ستعترف بعجزها عن إيجاد حلول لأزمة طالت فصول مأساتها على المواطنين والاقتصاد اللبناني على حدّ سواء، وتقبل بهذا المشروع الذي لن يكلفها ليرة لبنانية واحدة…؟

إضغط هنا لقراءة المقال على الموقع البلد