الصناعة جاذبة للتدفقات الاستثمارية في سوريا

الصناعة جاذبة للتدفقات الاستثمارية في سوريا

تشهد سوريا في المرحلة الانتقالية بقيادة أحمد الشرع، تحوّلاً لافتاً في بنيتها الاقتصادية، حيث بدأ القطاع الصناعي يستعيد موقعه المحوري بعد سنوات من التراجع بسبب الحرب والعقوبات على زمن نظام الأسد. ويرى خبراء اقتصاديون أن هذه العودة تمثل ركيزة أساسية لتحقيق النمو الاقتصادي المستدام وزيادة الناتج المحلي الإجمالي، سواء عبر التصدير وجذب العملات الصعبة أو من خلال التصنيع الإحلالي الذي يقلل الاعتماد على السلع المستوردة.

وتجاوزت قيمة الاستثمارات الصناعية المعلنة خلال النصف الأول من العام الجاري حاجز المليار دولار، وهو رقم يعتبره الباحث الاقتصادي خالد أبو شقرا “بمثابة مؤشر على الثقة المتزايدة للمستثمرين المحليين والأجانب بآفاق الاستقرار والتنمية في سوريا الجديدة”.

ويوضح أبو شقرا، من المعهد اللبناني لدراسات السوق، في تصريحات لـ”963+” أن تحسن الأداء الصناعي يمكن أن ينعكس إيجابياً على الميزان التجاري وميزان المدفوعات، ما يساهم في دعم سعر الصرف، خصوصاً في ظل نظام الصرف المعوم الذي تتبعه البلاد.

لكنه يحذّر من مشكلتين أساسيتين تواجهان هذا القطاع: “البيئة الاحتكارية للقطاع العام في قطاعات حيوية مثل الكهرباء والمياه والاتصالات، ما يرفع تكاليف الإنتاج ويضعف الجودة، إلى جانب ضعف المنافسة التي تمنع دخول القطاع الخاص بشكل فعال”.

ويؤكد على ضرورة “تفكيك هذه الاحتكارات وفتح المجال أمام المنافسة الحرة، لضمان استدامة الاستثمارات الصناعية وتحقيق بيئة اقتصادية متوازنة”.

اقرأ أيضاً: وزير المالية السوري: بدأنا بمناقشة أول منحة مقدمة من البنك الدولي – 963+

مشاريع صناعية كبرى
وفي خطوة عملية، أعلنت الحكومة السورية توقيع مذكرات تفاهم مع شركات صينية وتركية في المنطقة الحرة بعدرا، تضمنت إقامة مصنع لإنتاج الألواح الشمسية باستثمار 300 مليون دولار، ومشروعاً صناعياً لتصنيع المواد الإنشائية بقيمة 180 مليون دولار، وآخر لإنتاج الأجهزة الطبية بتكلفة 75 مليون دولار.

وفي سياق دعم القاعدة الصناعية، كشفت وزارة الاقتصاد والصناعة السورية عن خطة لإنشاء أربع مدن صناعية جديدة في مناطق غنية بالمواد الخام، بهدف خفض كلفة الإنتاج والنقل، وتوفير عشرات الآلاف من فرص العمل، وتعزيز الاكتفاء الذاتي، بالإضافة إلى استقطاب الاستثمارات المحلية والخارجية.

كما وقّعت الحكومة مذكرة تفاهم مع شركة Fidi Contracting الصينية لإدارة المنطقة الحرة الصناعية في حسياء، بمساحة إجمالية تقارب 1.15 مليون متر مربع موزعة بين حسياء وعدرا، بقيمة استثمارات تتجاوز 385 مليار ليرة سورية، بموجب عقد يمتد لعشرين عاماً، ما وفر أكثر من 28 ألف فرصة عمل. كما جرى تسليم 353 مقسماً من أصل 508 مقاسم جرى تجهيزها ضمن القطاع الحرفي.

اقرأ أيضاً: صفقات استثمارية كبرى في سوريا.. البنية التحتية أولاً – 963+

دعم بيئة الأعمال
وبيّنت بيانات وزارة الصناعة أن عدد المنشآت الصناعية المرخصة خلال الربع الأول من 2025 بلغ 345 منشأة، أسهمت في تأمين أكثر من 4,200 فرصة عمل مباشرة. وتوزعت هذه المشاريع على عدة قطاعات، أبرزها القطاع الغذائي (76 منشأة)، والقطاع الكيميائي (111 منشأة)، والقطاع النسيجي (94 منشأة) الذي تصدّر في عدد الوظائف الجديدة بأكثر من ألفي فرصة عمل.

من جهة أخرى، تشكّل الاستثمارات الأجنبية ركيزة محورية في خطة الحكومة الجديدة، حيث برزت الصين بوصفها الشريك الرئيسي، إلى جانب التحضير لمنتدى اقتصادي سوري-خليجي مرتقب لاستقطاب رؤوس الأموال الخليجية للمشاركة في عملية إعادة الإعمار.

كما أدرجت الحكومة مشروع تأهيل المناطق الصناعية والحرفية ضمن أولوياتها، بتخصيص نحو 620 مليون ليرة لتحسين الخدمات الأساسية، ورصد 36 مليار ليرة لتوسيع المناطق الصناعية القائمة.

اقرأ أيضاً: إعادة التداول في سوق دمشق للأوراق المالية بعد توقف لـ6 أشهر – 963+

أهمية الاستثمارات الصناعية الكبرى
في هذا السياق، يؤكد الباحث المتخصص في الاقتصاد الكلي عبد العظيم المغربل، المقيم في تركيا، أن هذه الاستثمارات الصناعية الكبرى تمثل خطوة مهمة نحو تعزيز الناتج المحلي الإجمالي، ليس فقط عبر رفع القيمة المضافة، وإنما أيضاً عبر خلق فرص عمل مباشرة وغير مباشرة، وهو ما قد يسهم في تقليص معدلات البطالة.

ويوضح المغربل، في تصريحات لـ”963+” أن المشاريع الصناعية الأخيرة في سوريا، مثل مصانع الألواح الشمسية والمواد الإنشائية والأجهزة الطبية، “تُعدّ من أبرز مؤشرات التعافي الصناعي، حيث تمثل نقطة انطلاق نحو جذب استثمارات نوعية، لاسيما في القطاعات التحويلية التي تزيد من قدرة سوريا على التصدير والتنافسية”.

ويشير إلى أن هذه المشاريع قد تسهم في إعادة هيكلة الاقتصاد السوري، من خلال دعم سلاسل القيمة المضافة وتلبية متطلبات الأسواق الإقليمية والدولية. كما شدد على أن نجاح هذه الاستثمارات يتطلب تجاوز تحديات التمويل واللوجستيات، خصوصًا في ظل ضعف البنية التحتية وارتفاع تكاليف النقل والطاقة.

ويلفت المغربل إلى أهمية تحقيق الاستقرار التشريعي وتبسيط إجراءات الترخيص، بما يعزز ثقة المستثمرين، إضافة إلى ضرورة دمج الطاقة البديلة بشكل فعّال في خطط القطاع الصناعي، على غرار مشروع الألواح الشمسية.

وفي ما يخص الأثر على حياة المواطنين، توقّع المغربل أن “تنعكس هذه التحركات الصناعية إيجابياً في المدى المتوسط من خلال توفير فرص عمل جديدة وتحسين مستويات الدخل، وهو ما قد يسهم في الحد من معدلات الفقر”. لكنه في المقابل، يحذر من أن “الأثر الإيجابي على الأسعار والخدمات مرهون بزيادة الإنتاج المحلي وضبط سلاسل التوريد”.

 

اضغط هنا لقراءة المقال على موقع +963