إقرار قانون “إنتاج الطاقة المتجدّدة الموزعة”… يا فرحة ما تمّت!

الطاقة المتجدّدة

أصبحت أزمة الكهرباء في لبنان كقصّة إبريق الزيت لا تكاد تنتهي حتى تبدأ من جديد. فمع كلّ بداية انفراج يستجدّ ما يعيدنا إلى نقطة الصفر، وتعود معها آمالنا لتتبخّر من جديد. فبعد أن أقرّت الهيئة العامة لمجلس النواب مشروع قانون “إنتاج الطاقة المتجدّدة الموزّعة” الوارد من الحكومة بموجب المرسوم الرقم 9000، والمقرّ في لجنة الطاقة، ولجنة المال، واللجان المشتركة، سلك لبنان أولى خطواته نحو اعتماد مصادر الطاقة النظيفة لتوليد الكهرباء. ولا شكّ أنّ إقرار قانون الطاقة المتجددة خطوة أساسية في إطار إصلاح قطاع الكهرباء في لبنان. ولكنّ القانون على الرّغم من أهميته، جعلته الّصيغة التي أقرّ بها يسقط في ثغرة إعطاء صلاحيات تطبيقه لهيئة غير موجودة! 

القانون قدّم بغير نسخته الأصلية 

وهو ما تؤكّده لـ”الصفا تيوز” الخبيرة في شؤون الطاقة، المحامية كريستينا أبي حيدر، التي صاغت مسوّدة مشروع القانون، لافتةً إلى أنّ “القانون لم يقرّ بالمسودّة الأصلّية التي عملنا عليها، فالمشروع كان منذ العام 2019 مموّلاً من قبل البنك الأوروبي للتنمية. وكان هناك توافق على المشروع من قبل مؤسسة كهرباء لبنان ووزارة الطاقة وأخرج المشروع بمسودّته النهائية بموافقة وزارة الطاقة، وقدّمه وزير الطاقة إلّا أنّه عاد وسحبه وعدّل فيه، إذ رُبط بالهيئة الناظمة، التي هي أيضاً لا وجود لها، فيما الهدف الرئيسي كان بالدرجة الأولى تطبيق أحكام القانون دون العودة إلى وسيط، أمّا الآن فأصبحت الهيئة الناظمة غير الموجودة منذ الـ2002 هي الوسيط، ما يعني أنّ القانون أصبح غير قابل للتطبيق”. 

كسر احتكار كهرباء لبنان  

وعن إيجابيات المشروع وأهمّيته، أوضحت أبي حيدر أنّه “يكسر احتكار مؤسسة كهرباء لبنان لقطاع الكهرباء، إذ يسمح للأفراد والشركات الخاصة، والبلديات بإنتاج الطاقة المتجدّدة الموزّعة وإنتاج الطاقة الكهربائية، باستخدام أنظمة الطاقة المتجدّدة وربطها بالشبكة العامة، على أن لا تتعدى قدرة الانتاج لكلّ نظام طاقة متجدّدة فردي الـ 10 ميغاواط. فيما كان مُنع في السابق على أيّ فرد انتاج أو يبيع الكهرباء إلّا بموافقة مؤسسة كهرباء لبنان. وبهذه الخطوة نتمكّن من التخلّص من الحلول الفردية العشوائية وأصبحنا نعتمد على الحلول الجماعية”. 

كما أنّ القانون يضمن المساواة بين الفقير والغني، بحسب أبي حيدر، من منطلق الحصول على الكهرباء عبر الطاقة المتجدّدة، لأنّ “العديد من المواطنين عاجزون عن تركيب أجهزة طاقة شمسية، لكن من خلال هذا القانون سيستفيد أصحاب الدخل المحدود من هذه الخدمة”. 

تبادل وتوليد وبيع الطاقة 

وتتابع أبي حيدر “يسمح القانون بتبادل الطاقة الكهربائية، إذ يوفّر القدرة على استهلاك الطاقة من الشبكة العامة وتوريد الطاقة المنتجة أو الطاقة المتجدّدة إلى الشبكة العامة. ويتبنّى القانون نظام التعداد الصافي، وهو نظام خاص تضعه الهيئة يُجيز ربط إنتاج أنظمة الطاقة المتجدّدة بالشبكة العامة، بشكل يتيح تبادل الطاقة الكهربائية وتخزينها. كما يسمح لطرف ثالث باستئجار الأرض وبيع الطاقة عبر عقود شراء واستجرار لهذه الطاقة. ويحفّز القانون القطاع الخاص على الاستثمار في قطاع الطاقة المتجددة”. 

وأشارت أبي حيدر إلى أنّ “القانون يسمح بتدوير وشراء الطاقة المتجددة المنتجة الفائضة، أي السماح للمشتركين بنظام التعداد الصافي والمشتركين المرتبطين باتفاق شراء الطاقة بتخزين الطاقة المتجدّدة المنتجة وتدويرها على مدى 12 شهراً، على أن تقوم المؤسسة في نهاية السنة المالية بالتعويض المالي عن الكميات الفائضة بعد التدوير للمشتركين بنظام التعداد الصافي وفق السعر الذي تحدّده المؤسسة وضمن السقف المحدّد من الهيئة. كما يضع القانون نظام التعداد الصافي لمالك منفرد، بحيث يُربط نظام الطاقة المتجددة، الواقع في عقار المشترك، بالشبكة العامة، ويكون لهذا المشترك عدّاد واحد فقط يتمّ من خلاله تبادل الطّاقة مع المؤسسة”. 

وأضافت أنّ “القانون يسمح بإدخال إيرادات إلى مؤسسة كهرباء لبنان، عبر رسوم العبر، وهي رسوم يدفعها منتج الطاقة لكهرباء لبنان مقابل دمات العبور”. 

واعتبرت أنّ السبب وراء إدخال هذا التعديل على القانون هو إبقاء السيطرة على القطاع من قبل وزارة الطاقة أو عدم اكتراث المعنيين بأهمّية القانون وغياب الإرادة لإيجاد حلّ حقيقي لأزمة الكهرباء. لذلك يجب تعيين هيئة ناظمة بالدرجة الأولى إذا كانت هناك رغبة بإحياء القانون”. 

قانون ولد ميت  

في سياق متصل، قال لـ”الصفا نيوز” غسان بيضون، محلّل سياسات الشراكة مع القطاع الخاص في المعهد اللبناني لدراسات السوق LIMS، ومدير عام الاستثمار السابق في وزارة الطاقة والمياه، إنّ “إيجابيات القانون تبرز في تكريس دور الهيئة الناظمة والتأكيد على أهمّيتها وذلك بإسقاط المادّة الواردة في اقتراح القانون وتولّي وزير الطاقة صلاحيات هذه الهيئة إلى حين تعيينها”. 

واعتبر أنّ “إسقاط هذه المادة أمر طبيعي يعبّر عن انسجام السلطة التشريعية في توجهاتها، عندما أقرّت قانون تنظيم قطاع الكهرباء 2002/462، الذي أنشأ الهيئة الناظمة، وقصدت بذلك التخلّي عن صلاحيتها في منح امتيازات استغلال مرفق الطاقة التي منحتها إيّاها المادّة 89 من الدستور، وقصدت أن يكون هذا التخلّي عن هذه الصلاحية للهيئة الناظمة التي ينسجم وجودها مع تطوّر عالمي، اقتضى ضرورة تأمين استمرارية رعاية المرفق والإشراف عليه والثبات في التوجهات والرؤية المستقبلية للقطاع، وذلك من قبل هيئة تكون مستقلّة في قراراتها ويتمتّع وجودها بالاستقرار النسبي بمعزل عن تغيّر الوزراء، بحيث تتمكّن من العمل على تطوير المرفق والرقابة على أداء الناشطين فيه من القطاع الخاص، في إطار الشراكة التي أقرّتها الحكومات المتعاقبة منذ العام 1992، وكذلك السلطة التشريعية من خلال سلسلة القوانين الصادرة في هذا الاطار”. 

وأضاف بيضون “ولو بقيت هذه المادّة لكان علينا أن نتوقع تطبيقاً متحيزاً وغير منتج، على غرار تلزيم الطاقة من الرياح الذي بوشر بإجراءاته خلال العام 2014 ولم ير النور حتى اليوم. وكذلك منح التراخيص لتجمع شركات لبناء معامل للطاقة الشمسية الذي أجراه وزير الطاقة عام 2017 ولم يُنفّذ بعد”. 

وتابع “من إيجابيات القانون تكريس كسر احتكار مؤسّسة كهرباء لبنان لمختلف مفاصل قطاع الكهرباء، والتأكيد على عدم إيلاء المركز اللبناني أيّ دور في مجال الطاقة المتجددة، وذلك من خلال إقرار إنشاء مديرية الطاقة المتجددة في مؤسسة كهرباء لبنان، الأمر الذي يؤكّد على استمرارية المؤسسة وتعزيز مواردها البشرية وإمكاناتها وبقائها والحفاظ على  وجودها بعد عمليات التدمير الذي أصابها خلال السنوات الأخيرة، وأدّى إلى التعدّي على استقلاليتها  والسيطرة على مقدراتها ومسار تلزيماتها، وإلزامها بمشاريع مثل استئجار البواخر والاستعانة بمقدّمي الخدمات وتحميلها النتائج المالية الكارثية التي ترتّبت عنها من دون جدوى”. 

هل كنّا أمام عهد جديد للكهرباء؟  أجاب بيضون “لا نزال مكاننا، هذا القانون معلّق على تعيين الهيئة الناظمة، التي لا تزال بيد وزير الطاقة، وهذا يعني أنّ الأخير لا يزال متحكّماً بمستقبل القطاع، فيما المعنيون لا يزالون على عنادهم، وأكبر دليل إعلان وزير الطاقة عن تعيين هيئة من 6 أعضاء فيما القانون ينصّ على 5، وهو إعلان شكلي لا ينفّذ لأنّه يتناقض مع القانون، وجاء من باب رفع العتب، في حين لا يمكن الحكومة حكومة تصريف أعمال تعيين هيئة ناظمة”، وختم “القانون لن يُطبّق، فهو ولد ميّت”. 

لتطبيق قانون تنظيم قطاع الكهرباء 

بدوره، لم ينف النائب إبراهيم منيمنة، العضو في لجنة الطاقة، ورئيس اللجنة الفرعية التي اشتركت في العمل على هذا المشروع، وقال لـ”الصفا نيوز” إنّ “مسألة إعطاء صلاحيات تطبيق القانون للهيئة الناظمة هي مشكلة، إلّا أنّنا أصرّرنا على هذا الموضوع لأن القانون قبل التعديل كان ينصّ على منح وزير الطاقة هذه الصلاحيات، فيما ينصّ قانون تنظيم قطاع الكهرباء على ضرورة إنشاء الهيئة الناظمة “هيئة تنظيم قطاع الكهرباء”، وقد أناط القانون بهذه الهيئة العديد من الصلاحيات، منها إصدار التراخيص والأذونات وتجديدها وتعليقها وإلغاؤها، ومن أبسط واجبات الحكومة تفعيل هذا القانون. وتشكيل الهيئة الناظمة يتمّ عبر اقتراح وزارة الطاقة لأسماء الأعضاء على أن يأتي التعيين من قبل مجلس الوزراء عندما تصبح الحكومة أصيلة”. 

وبرأي منيمنة تكمن “المشكلة في الممارسات، إذ أصبح تجاوز القوانين وإيجاد مخارج لعدم تطبيقها هو القاعدة. لذلك نحن مصرّون على تشكيل هيئة ناظمة وفي حال لم تشكّل، يجب على وزير الطاقة تحمّل مسؤولياته أمام الناس، لأنه سيكون هو من يعطلّ عمليّة التشكيل”. 

وتابع “اليوم أصبح القانون رهن تشكيل حكومة وتعيين هيئة ناظمة بالدرجة الأولى، على أن تحضّر مؤسسة كهرباء لبنان البنى التحتية لاستقبال الطاقة بالدرجة الثانية، وهو مشروع يحتاج على الأقل سنتين، فالبنى التحتية تتشعب أقسامها إدارية، وقانونية، ومادية، وكادراً بشريّاً… والتمويل سيأتي من إيرادات المؤسسة والمساعدات الدولية”. 

وسلّط منيمنة الضّوء على “الأهمّية البيئية التي يكتسبها هذا المشروع من حيث الانتقال إلى توليد الطاقة عبر مصادر نظيفة وطبيعية لا تسبّب تلوّثاً للبيئة، على عكس الوقود الأحفوري، وهذا ما يساهم في أن يحافظ لبنان على صورته بلداً سياحياً ويشجّع المنظمات الدولية على الاستثمار في المزيد من المشاريع، ويضع لبنان على خارطة الدول التي تكافح التغيير المناخي وتنتقل إلى حلول صديقة للبيئة”. 

وأضاف “من جهة أخرى، يفتح القانون المجال للشراكة مع القطاع الخاص وعلى وجه الخصوص المبادرات الصغيرة لا الكبيرة التي ترغب في توليد إنتاج ضخم، كما يسمح بإنتاج الطاقة على مستوى الأفراد والمجموعات والبلديات في حدود معينة ويسمح أيضاً ببيع الفائض لشركة كهرباء لبنان، ويفتح الباب للمنافسة بالأسعار فيكسر احتكار قطاع الكهرباء”. 

في المحصّلة، لا شكّ في أنّ قانون “إنتاج الطاقة المتجدّدة الموزعة” هو سابقة وخطوة مهمّة قد تؤدّي إلى نقلة نوعيّة لقطاع الكهرباء في لبنان، فتنتشله من أزمته، إلّا أنّ هذه “النقلة” ستكون، في حال تحققها، رهن تشكيل حكومة بالدرجة الأولى وهيئة ناظمة بالدرجة الثانية. وإلى أن “تأتي الساعة” سينضم المشروع إلى أمثاله من المشاريع المخزّنة في أدراج الوزارات. 

اضغط هنا لقراءة المقال على موقع الصفا