فيما يتلهّى أهل السياسة في الكيديات وتقاذف الاتهامات بما يخدم تطيير كلّ الاستحقاقات وإغراق البلاد بمزيد من الانهيارات، تتسارع التحضيرات من قبل شركة “توتال إنرجيز”، المشغّلة للرقعة الاستكشافية الرقم 9 في الجنوب، والتي من المفترض أن تباشر أعمال الحفر مطلع شهر أيلول المقبل.
في معلومات خاصة أن الإصرار على بدء أعمال الحفر والاستكشاف تقوده 4 جهات إضافة طبعاً إلى الجانب اللبناني، وهي: أولاً، فرنسا المعنية بشكل أو بآخر بالموضوع، سواء عن طريق شركة “توتال إنرجيز” أو لدوافع ومصالح اقتصادية تنشد تحقيقها في ضوء ما سيتّم اكتشافه في الحقل اللبناني من ثروة غازية ونفطية؛ وثانياً، قطر بعد ما باتت شركة “قطر للطاقة” شريكاً مع “توتال إنرجيز” الفرنسية و”إيني “الإيطالية في ائتلاف الشركات التي تملك الحقوق البترولية للتنقيب عن النفط والغاز في المياه البحرية اللبنانية على الحدود مع إسرائيل، وذلك بعد أشهر من إعلان شركة “نوفاتيك” الروسية انسحابها من الائتلاف الذي تشكّل عام 2018، وهي التي تحظى بـ30 في المئة مقابل 35 في المئة لصالح الشركة الفرنسية و35 في المئة لصالح الشركة الإيطالية.
قطر التي تبدي ارتياحاً في مساعدة لبنان والوقوف دائماً إلى جانبه، ترجمت استعدادها عبر وزير الطاقة القطري سعد الكعبي الذي أعلن” عن أهميّة منح بلاده فرصة لدعم التنمية الاقتصادية في لبنان خلال هذا المنعطف الحرج.
وانضمام قطر إلى الائتلاف مؤشر لافت وسياسي في عزّ الأزمة الاقتصادية بتوفيرها ضمانة سياسية، نظراً إلى علاقاتها الجيّدة مع الدول الغربية ومع إسرائيل.
يبقى الأهم الحماس الإسرائيلي لعملية الاستكشاف والتنقيب باعتبار أن حقل قانا في البلوك رقم 9 يتجاوز خطّ الترسيم رقم 23، ويقع خارج المياه اللبنانية، وستحصل إسرائيل، وفق اتفاق الترسيم على تعويض من مشغّل البلوك 9، أي ائتلاف الشركات المستثمرة، لقاء الحقوق العائدة لها من أيّ مخزونات محتملة في المكمن المحتمل.
ومن المعروف ان اسرائيل بدأت تصدّر إنتاجها من حقل كاريش، وهو حقل تابع لشركة “إنرجيان”، التي أكّدت في بيان لها بتاريخ 14 شباط 2023 “أنّه تم رفع أول شحنة نفط خام إسرائيلي (500 ألف برميل) في تاريخ إنتاج النفط والغاز الإسرائيلي.
وسيتمّ تصدير السوائل الهيدروكربونية إلى الأسواق العالمية وتفريغها بطريقة خاضعة للرقابة.
مناقصات للخدمات اللوجستية
من جهة أخرى، عُلم أن شركة” توتال إنرجيز”سترسي منتصف الشهر الحالي نحو 40 مناقصة في 4 محاور أساسيّة في مجال الخدمات اللوجيستية التي ستتمّ من لبنان، وهي: إدارة القاعدة اللوجيستية في مرفأ بيروت، بواخر الدعم اللوجيستي، الطائرات العمودية، وإمداد الحفارة بمادة المازوت للتشغيل وخدمات الحفر.
وفي سياق التحضيرات الجارية، وقعّت شركة “توتال إنرجيز” عقداً مع شركة “ترانس أوشن” (Transocean)، بعد ما فازت الأخيرة بمناقصة تنفيذ أعمال الحفر لاستخدام المنصة المتخصصة “ترانس أوشن بارينتس” (Transocean Barents) في عمليات الحفر، في شهر نيسان الماضي. وقد وقع الاختيار على هذه الشركة من بين مجموعة 5 شركات متنافسة، بعدما تقدّمت بأفضل الأسعار. ومن المرتقب أن تصل إلى لبنان في أواخر شهر آب المقبل.
تعتبر منصّة الحفر من الجيل الجديد، ومن بين المنصّات الأكثر تطوّراً حول العالم في أعمال الحفر في المياه العميقة. وستتوّلى الحفر على عمق نحو 1700 متر. وهي تصنّف بين المنصّات شبه العائمة (Semi-Submersible) ذات النشاط المزدوج. هذا، ومن المتوقع أن تستمر أعمال الحفر لنحو 70 يوماً، على أن تظهر النتائج في شهر تشرين الثاني.
تبلغ تكلفة خطة العمل والموازنة التي سبق لشركة “توتال إنرجيز” أن قدّمتها وحصلت على موافقة هيئة إدارة القطاع بنحو 123 مليون دولار حتى نهاية العام الحالي.
في غضون ذلك، أعلنت شركة ” توتال إنيرجيز إي بي بلوك 9 – فرع لبنان” (مشغّل) (Total Energies EP Block 9) أنه “استعداداً لأنشطة الحفر الاستكشافيّة قبالة سواحل لبنان في الرّقعة الرقم 9، نشرت الشركة دراسة تقويم الأثر البيئي والاجتماعي (ESIA) في 15 أيّار 2023 على موقع هيئة إدارة قطاع البترول وموقع “توتال إنيرجيز” لبنان للمراجعة العامّة.
بالتالي، نظّمت شركة RSK وهي شركة استشاريّة بيئية عالميّة مع شركة الاستشارات اللبنانيّة DAR اجتماعات التشاور العامّة لحساب شركة TotalEnergies EP Block 9 – فرع لبنان في 31 أيّار 2023 في بيروت، وفي 1 حزيران 2023 في صور.
أسفرت هذه الاجتماعات عن تقديم نتائج المشروع، كما دُعيت الجهات المعنيّة لإعطاء ملاحظاتها على نتائج الدراسة. وتستغرق فترة الاستشارة العامّة 30 يومًا بما يتوافق والأنظمة اللبنانيّة. بعدها، سيتمّ تقديم تقرير تقييم الأثر البيئي والاجتماعي النهائي إلى وزارة البيئة للموافقة عليه.
زهر
وفق الاختصاصي في شؤون النفط والغاز المهندس عبود زهر الذي علّق لـ”النهار” على تقييم الأثر البيئي والاجتماعي: “إن جودة العمل والشفافية في محاولة توعية الجمهور اللبناني والمنظمات غير الحكومية وجميع المعنيين بالمشروع بكل آثاره الإيجابية والسلبية يمكن مقارنتها بالعمل الذي يتم إجراؤه في أكثر الدول تقدمًا مثل أوروبا والولايات المتحدة الأميركية، والتي لم يعتد عليها لبنان”.
وإن كانت معرفة نتائج الحفر والاستكشاف تستلزم بعض الوقت، فإن أحد المصادر المراقبة للمشروع أعرب عن تفاؤله بالمخزون الموجود في البلوك رقم 9، لافتاً إلى أنه على ضوئه يمكن انتقال شركة “توتال إنرجيز” مجدداً إلى البلوك رقم 4 للحفر في بئر أخرى غير التي تمّ الاستكشاف فيها عام 2020.
والجدير ذكره، أنه استناداً إلى المسوحات الجيولوجية، فإنّ المناطق الواعدة في لبنان بكميات تجارية هي مناطق الشريط الجنوبي أي البلوكات 8، 9 و10، وفي الشمال البلوكات 1 و2، بينما في باقي البلوكات هناك احتمالات لوجود مكامن غاز إنما ليس بكميات تجاريّة، وقد يكون البلوك 4 من ضمنها.
مع إشراقة كل يوم، يبحث اللبناني عن إشارة تفاؤل تنهض بالبلاد من مأزقه على أمل أن يُحسن القيّمون على شؤون الوطن الاستفادة من أيّ مخزون نفطيّ وغازيّ ضمن إدارة رشيدة وحوكمة سليمة، بعيداً عن المحاصصات التي التزموا بها على مدى عقود.