أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية عن سلسلة من الإجراءات الواسعة لتخفيف العقوبات والقيود التجارية المفروضة على سوريا، وذلك بعد أكثر من عقد من التوترات بين البلدين. جاء هذا الإعلان من وزارة الخزانة الأمريكية بالتزامن مع استقبال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لنظيره السوري أحمد الشرع في البيت الأبيض، في أول زيارة من نوعها لرئيس سوري إلى واشنطن منذ استقلال البلاد عام 1946.
يمثل قانون قيصر، أو ما يُعرف بقانون حماية المدنيين في سوريا، مجموعة من العقوبات الاقتصادية والسياسية الصارمة التي فُرضت على النظام السوري السابق وحلفائه بهدف محاصرتهم ودفعهم نحو حل سياسي للأزمة السورية. استهدفت هذه العقوبات الكيانات العاملة مع النظام في قطاعات النفط والغاز والطيران والبناء والهندسة، كما طالبت واشنطن بتحديد ما إذا كان المصرف المركزي السوري متورطاً في عمليات غسل الأموال.
كشف تقرير للبنك الدولي أن هذا القانون فاقم الأزمة الاقتصادية في سوريا، فرفع معدلات التضخم والفقر، وأدى إلى تدهور العملة الوطنية وتراجع المستوى المعيشي لملايين السوريين. أدى القانون أيضاً إلى تعليق العمل بنظام سويفت العالمي لتبادل الأموال، وإلى صعوبة أو منع كلي لاستيراد أدوات التكنولوجيا الأساسية والنفط والمواد الأساسية والأمور المتعلقة بالاتصالات وقطع الغيار والمعدات العسكرية والطائرات.
يوجد فرق جوهري بين تعليق القانون وإلغائه. يسمح التعليق لرئيس الجمهورية بأن يعلق القانون الصادر عن الكونغرس لمدة ستة أشهر بالإضافة إلى 120 يوماً إضافية، في حين أن الإلغاء الكلي يتطلب قرار من الكونغرس الأمريكي نظراً لأن هذا المشروع مُقر من الكونغرس في العام 2019. تم تعليق قانون قيصر جزئياً لمدة 180 يوماً باستثناء المعاملات المرتبطة بروسيا وإيران.
يترتب على هذا التعليق عودة سوريا إلى النظام المالي العالمي، وعودة جميع الأمور التجارية والاقتصادية والتعامل مع سوريا إلى ما كانت عليه في السابق. لم يعد يُطلب ترخيص لتصدير السلع والبرمجيات والتكنولوجيا الأمريكية ذات الاستخدام المدني العادي إلى سوريا.
اضطرت سوريا طوال الفترة الممتدة من العام 2019 إلى العام 2025 تقريباً إلى الاعتماد على موانئ لبنان ومرافقه ومطاره، سواء كان للحصول على البضائع أو لتأمين النقل الجوي والانتقال من دولة إلى أخرى بشكل أساسي. يدل على ذلك تحقيق الميزان التجاري بين لبنان وسوريا فائضاً بتقريباً نصف مليار دولار في الفترة الممتدة بين 2016 و2025، وهو كان بشكل أساسي نتيجة ابتعاد سوريا عن النظام المالي العالمي وعن الاقتصاد العالمي والتجارة العالمية واتكالها بشكل أساسي على لبنان.
ستعود سوريا بعد تعليق هذا القانون إلى النظام المالي العالمي، وسيعود العمل بنظام سويفت، وستعود المصارف لتتبادل التحويلات المالية بالعملات الأجنبية بشكل طبيعي بين سوريا والخارج. ستعود أيضاً عمليات الاستيراد والتصدير عبر الموانئ ولا سيما طرطوس واللاذقية التي يجري تأهيلهما، وهذا سيقلص دور لبنان التجاري ويرفع العجز في ميزانه التجاري مع سوريا.
سيقلل هذا التطور أيضاً اعتماد المصارف السورية أو قطاع المال السوري على المصارف اللبنانية. صدر مؤخراً قرار سوري مهم للمصرف المركزي بأنه تخلى عن القطاع المصرفي اللبناني، وطلب من المصارف العاملة في سوريا والتي بمعظمها ذات رأس مال لبناني أن تعيد رسملة نفسها بشكل كبير، ما يعني أيضاً بشكل أو بآخر إمكانية عدم قدرة هذه المصارف على إعادة رسملة نفسها وبالتالي خروجها من السوق السورية.
قد يكون من الممكن استيراد الغاز من مصر والكهرباء من الأردن عبر سوريا، وهما المشروعان اللذان كانا معطلين بسبب قانون قيصر في الفترة الماضية. من الإيجابيات أيضاً قد يكون تخفيف اليد العاملة السورية وأعداد السوريين في لبنان وانتقالهم إلى سوريا للعمل داخل الأراضي السورية نظراً لتحسن الأوضاع والتوقع ببدء ورشة إعادة الإعمار في سوريا. تشمل النواحي الإيجابية أيضاً إمكانية استجرار النفط من كركوك إلى طرابلس في الشمال عبر سوريا نظراً لرفع العقوبات عنها.
يتوقع أن يساهم إلغاء قانون قيصر في تنشيط الاستثمارات العالمية في بلد أنهكته الحرب على مدى 14 عاماً، حيث يقدر البنك الدولي أن إعادة الإعمار ستتطلب أكثر من 200 مليار دولار. تعد خطوة تعليق العقوبات مرحلة أولى تمنح دمشق فرصة لالتقاط أنفاسها اقتصادياً بعد سنوات من الشلل والعزلة، كما تعكس استعداد واشنطن لإعادة الانخراط مع سوريا في ملفات حيوية مثل مكافحة الإرهاب وإعادة الإعمار، بما يحمله ذلك من تداعيات مباشرة على الاقتصادين السوري واللبناني على حد سواء.