أعاد وزير الاقتصاد والتجارة في حكومة تصريف الاعمال أمين سلام الى الضوء العرض القطري لبناء معامل لانتاج الطاقة في لبنان بقدرة 450 ميغاواط. فأي مسار يجب ان يسلكه العرض ولا سيما بعد منح تراخيص لشركات لانتاجها؟
للمرة الثانية في غضون اقل من 6 اشهر يتحدث الوزير سلام عن عرض قطري لبناء ثلاثة معامل للطاقة في لبنان، وقد سبق له ان شرح بعض تفاصيله بعد زيارة للدوحة في كانون الاول الفائت، وابلغ كلاً من رئيسي الحكومة ومجلس النواب بأن القطريين مستعدون لبناء المعامل فوراً شرط أن تقدم الدولة اللبنانية الأرض المطلوبة وهي مساحات صغيرة وفي أي منطقة من لبنان.
والسؤال: اين وزارة الطاقة من العرض القطري طالما انها الجهة المعنية بهذا القطاع المتعثر منذ سنوات على رغم كثرة الوعود خلال العقود السابقة بايجاد حل لأزمة الكهرباء؟
وزير الطاقة والمياه وليد فياض يؤكد لـ”النهار” ان العرض القطري بحاجة الى تشريع في مجلس النواب في حال وصل الى مراحله الختامية. لكن لماذا وزير الاقتصاد يتحدث عن مشاريع للطاقة؟
سلام اعاد التأكيد على جدية العرض القطري وان وزير الطاقة القطري أبدى استعداد بلاده للتكفل ببناء 3 معامل للطاقة البديلة بالشراكة مع شركة “توتال انرجي” الفرنسية وذلك ضمن خطة انقاذية للاقتصاد الوطني. اذاً من باب الاقتصاد يطرق سلام باب الطاقة القطرية.
والسؤال الآخر: لماذا لم تبدأ بعد الخطوات العملية لذلك المشروع علما ان العرض القطري ليس جديداً؟
سلام كشف عن العرض القطري في كانون الاول الفائت لكنه لم يعرض على مجلس الوزراء حتى تاريخه، وافادت مصادر حكومية بأن لا فكرة لديها عن التاريخ المحدد لعرضه ونقاشه من قِبل الحكومة بهدف اتخاذ الخطوات العملية لتنفيذه.
لكن بالعودة الى الاجتماع الاخير بين رئيس الحكومة نجيب ميقاتي والوزير فياض، فإن العرض القطري حضر وهو جزء من اتفاقية النفط والغاز، وان شركتي “توتال انرجي” ، و”قطر انرجي” ترغبان في دعم لبنان من خلال انشاء معامل للطاقة الشمسية بطاقة 100 ميغاواط. بيد ان المعضلة تكمن في ان انتاج الطاقة البديلة يتم من خلال الشركات التي حصلت على ترخيص، وبالتالي هناك مسار قانوني يجب اتباعه في حال تم قبول العرض القطري.
المسار لقانوني لانتاج الطاقة البديلة
العرض القطري – الفرنسي جرى بحثه مع رئيس الحكومة الصيف الفائت، وكان هناك اقتراح بتولي الوزير سلام رئاسة اللجنة التي ستتابعه، ولكن لم يصر الى ذلك.
اما من الناحية العملية فإن مساراً قانونياً يجب اتباعه بهدف انتاج الطاقة البديلة وتحديدا الطاقة الشمسية، وهناك قانون رقمه 462 يعطي الحق لمن يريد الاستثمار في هذا المجال.
قرار منح الشركات التراخيص والذي حمل الرقم 22، اتخذ في مجلس الوزراء في أيار 2022 وأجاز للحكومة منح أذونات وتراخيص الإنتاج إلى حين تشكيل الهيئة الناظمة، علماً ان منح الترخيص يكون بناء على اقتراح وزيري الطاقة والمال، وحازت 11 شركة تراخيص انتاج الطاقة البديلة وكان يجب ان تكون 12 شركة، لكن احداها لم تستوفِ الشروط.
كذلك تم منح 3 شركات تراخيص انتاج الطاقة من الرياح في الشمال.
الشركات الـ 11 التي حصلت على التراخيص تستطيع كل منها انتاج 15 ميغاواط من الطاقة الشمسية، وبالتالي فإن الشركة أو الطرف الذي يريد إنتاج كمية اكبر من الطاقة لا يمكنه ذلك الا في حالة شراء الترخيص من شركة اخرى، وفي السياق عينه لا تستطيع شركة جديدة انتاج الطاقة البديلة من دون الحصول على ترخيص وبالتالي يجب تعديل القانون.
العرض القطري – الفرنسي لانتاج 100 ميغاواط بحاجة الى تعديل قانون او شراء التراخيص من الشركات التي احجمت عن انتاج الطاقة لعدم توافر التمويل لديها او لعدم الجدوى الاقتصادية من المشروع بعدما حددت الدولة اسعار الكيلوواط وهي 6 و3 سنتات باستثناء البقاع بـ 5 و7 سنتات. وبحسب الوزير فياض فإن “تنفيذ هذه المشاريع الكبيرة يتطلب تمويلاً ضخماً من مؤسسات التمويل الدولية، وخصوصاً في ظل الظروف الإقتصادية الصعبة التي نعاني منها في لبنان”.
انتقادات للوزارة
ازمة الكهرباء لا تُذكر من دون انتقاد أداء الادارة، وفي السياق يقول المدير السابق للاستثمار في وزارة الطاقة والخبير في المعهد اللبناني لدراسات السوق الدكتور غسان بيضون ان “العرض القطري في حال كان هبة فالامر لا يحتاج الى مسار قانوني طويل بدءاً من التشريع وصولاً الى هيئة الشراء العام”. ولكن لبيضون ملاحظات على العرض القطري من بوابة ان ما يتم الحديث عنه اليوم هو اعادة تذكير بالرسالة السابقة التي ابدى فيها الجانب القطري رغبته بانتاج الطاقة البديلة، ويوضح لـ”النهار” ان “هناك شركتين حازتا التراخيص لانتاج الطاقة البديلة، وبالتالي لا يمكن لغيرهما ان تنتج هذه الطاقة، عدا ان الامر مرتبط باتفاقية النفط والغاز، واذا كان الهدف زيادة الطاقة المنتجة من 400 الى 650 ميغاواط في الصيف، فنحن في هذا الفصل، فمتى الزيادة؟”.
ويصف بيضون العرض القطري بـ”غير الجدي، وما حصل مؤخراً هو فقط اعادة تذكير بالرسالة القطرية السابقة”. ويعيد التأكيد ان الحلول الناجعة لأزمة الكهرباء تكمن في التوجه نحو القطاع الخاص والبلديات وغيرها لانتاج الطاقة البديلة، لان الوضع لا يزال كارثياً.
“عروض كثيرة والرفض واحد”
ليست المرة الاولى التي تعرض فيها دول مساعدة لبنان في مجال الطاقة، اذ سبق لدول كبرى ان قدمت عروضاً للبنان منها روسيا والصين وايران.
العرض الايراني ببناء معملين بقدرة 1000 ميغاواط لا يزال سارياً، وقد كررته ايران في اكثر من مناسبة آخرها ما اعاد عرضه وزير خارجيتها الراحل حسين امير عبد اللهيان في زيارته الاخيرة لبيروت.
واذا كانت العقوبات هي المانع امام لبنان من التعامل مع ايران، علماً ان الهبات لا تخضع للعقوبات، وان طهران عرضت 600 الف طن من الفيول مجاناً على لبنان والاخير رفضها على رغم ايفاد فريق متخصص من وزارة الطاقة الى طهران. وعليه فإن تلك العروض الايرانية لن تسلك طريقها الى “شبكة التوتر الكهربائية”.
واذا كان هذا الموقف مبرراً لدى بعض اللبنانيين، فما الذي يمنع قبول العروض الصينية طالما ان لا عقوبات على تلك الدولة العظمى؟
اما روسيا فإن ما بات يسري على ايران يسري عليها من وجهة النظر اللبنانية.