تنهار العملات المحليّة في معظم دول العالم لتضرب اقتصادات البلاد باتجاه القعر. فبعد الليرة اللبنانية والسورية، يتكرّر المشهد في العراق ليطال الدينار العراقي.
فقد سجّل الدينار العراقي مقابل الدولار الأميركي 1.6 ألفا، والليرة السورية مقابل الدولار 6.6 الفا، والريال الايراني 50 ألفا، أما الليرة اللبنانية وبعد ضربة مصرف لبنان اليوم فقد خسرت 7 آلاف ليرة.
هذا الانهيار السريع للعملات المحلية مقابل الدولار الأميركي يتزامن بشكل ملفت في كلّ من لبنان وسوريا والعراق، مما يؤكّد بحسب مصادر متابعة، عمليات مضاربة وتهريب كميات من العملات الأجنبيّة لصالح ايران التي تواجه بدورها إنهيارا جديدًا وقياسيًّا لعملتها.
فماذا يحصل في اقتصاديات العالم وهل انهيار العملات مترابط؟
في السياق، يقول الخبير الإقتصادي باتريك مارديني في حديث لـ”جسور” إن انهيار العملات غير محصور بالدول العربية، إنما بعدد كبير من الأصوات الناشئة التي تعاني من هذه المشكلة وعلى سبيل المثال سريلانكا وتركيا ونيجيريا وبعض الدول الأخرى”.
الخروج من الأصول والسياسات الخاطئة
ويعتبر مارديني أن سبب هذا الإنهيار يعود الى عاملين، أولهما الهروب الى النوعية، ويوضح أن ما يحدث اليوم هو خروج للأصول من الأصوات الناشئة وتحويلها الى دول متقدّمة كالولايات المتحدة تحديدًا ويقول: “رفعت الولايات المتحدة فوائدها بشكل كبير جدًا من أجل مكافحة التضخّم ما أدى الى جذب رؤوس الأموال وبالتالي حصل نقل الأصول من الدول الناشئة لدول أخرى كالولايات المتحدة التي تعطي استقرارًا اقتصاديًا وديناميّة اقتصاديّة معيّتة والأهمّ فوائد أعلى”.
أما السبب الثاني فهي السياسات النقدية الخاطئة في بعض الدول الناشئة بزيادة الكتل النقدية بالتداول بحجج مختلفة وهذا يخلق تضخمًا وانهيارًا بسعر الصرف”.
لبنانيًّا.. قرارٌ مُفاجىء
لبنانيّا، أصدر حاكم مصرف لبنان رياض سلامة بيانًا جاء فيه، “إرتفع سعر صرف الدولار الأميركي خلال فترة الأعياد والتي امتدت لمدة ثلاث أيام 2000 ل.ل في السوق الموازية ناتجة عن عمليات مضاربة وتهريب الدولار خارج الحدود”. وأضاف: “هذا الارتفاع سبب تضخمًا في الأسواق مما أضر بالمواطن اللبناني كون الأسعار في لبنان ترتبط بسعر صرف الدولار”. وتابع، “بناءً على ذلك وعلى أساس المواد 75 و83 من قانون النقد والتسليف، تقرر ما يلي:
أولاً: رفع سعر sayrafa ليصل الى 38000 ل ل.
ثانيًا: يشتري مصرف لبنان كل الليرات اللبنانية ويبيع الدولار على سعر 38000 ل ل ويمكن للأفراد والمؤسسات ودون حدود بالأرقام، ان يتقدموا من جميع المصارف اللبنانية لتمرير هذه العمليات، وذلك حتى إشعار آخر”.
الاتجاه العام والذبذبات
وللاطلاع أكثر على تداعيات هذا القرار يشدّد مارديني على وجوب التمييز بين الاتجاه العام لسعر صرف الدولار مقابل الليرة اللبنانيّة، والاتجاه العام تصاعدي، بدأ في العام 2019 وها هو يستكمل حذوه على هذا النحو، والعام المقبل سيكون أعلى بكثير مما سيُقفل عليه بنهاية الـ2022، ومن المتوقّع أن يتزايد التدهور بسعر صرف الليرة اللبنانيّة على المدى الطويل.
ويفسّر الواقع قائلا: “سعر صرف الدولار هو تصاعدي لأن مصرف لبنان لا يزال يطبع الليرة ليموّل عجز الموازنة العامة وموازنة الـ2022 فيها عجز هائل يلزمه تمويل، أي يلزمه طباعة ليرة والحكومة اللبنانيّة تتحمّل جزءا كبيرًا من المشكلة”.
ويضيف أن السبب الثاني هو “تمويل سحوبات اللبنانيّين من المصارف، فالمصرف المركزي أخذ الدولارات من المصارف ولا يمكنه ردّها بالدولار الأميركي إنما بالليرة اللبنانية ليسحب المودعين دولاراتهم بالليرة اللبنانية”.
ويضيف مارديني، “طالما هذا هو المسار، فسيرتفع سعر صرف الدولار الأميركي وستنهار الليرة اللبنانية أكثر والذي حصل اليوم هو أن المصرف المركزي تدخّل بقرار انه سيشتري الليرة اللبنانية التي ضخّها وسيضخّ الدولار بالسوق مما يسمح بتهدئة سعر الصرف وانخفاضه الى حدّ ما، انما هذا الأمر غير مُستدام وهو مرحلي وموقّت”.
الانهيار يلاحق.. العراق
عراقيًا، يوضح المحلل السياسي العراقي نبيل العلي التميمي في حديث لـ”جسور” انه “في السابق كان التجار يستخدمون مكاتب الحوالات والمصارف لإجراء حوالاتهم للخارج والتي بدورها يتم تعزيزها من العملة الصعبة عبر البنك المركزي ونافذته، وبعد تقييد الحوالات من قبل الفدرالي، اختار التجار مسارًا آخرا لتغذية التجارة فتهافتوا نحو مكاتب الحوالة التي بدورها لجأت إلى تمرير حوالات يشتبه بنقلها برا، إلى ايران وتركيا، ثم من تركيا تدخل من جديد النظام المصرفي لتنتقل بعدها الى دبي وبقيه دول العالم”.
ويقول: ” هذا النوع من الحوالات المالية يسمّى “الحوالات السوداء” التي تجري بمعزل عن النظام المصرفي العراقي وهذه العملية تسبّبت بزيادة الطلب المحلي على الدولار نتيجة لجوء التجار للسوق لتوفير الدولار بدلاً من البنك المركزي الذي يواجه مجموعة من الضوابط والمعايير”.