لم يكُن طرح رفع الدعم مفاجئاً؛ فقبل بيان “المركزي” الشهير كانت السوق تترقّب هذه اللحظة، لكن تسوية تخفيض دعم المحروقات إلى 8000 ليرة لبنانية للدولار الواحد (بدلاً من 3900 ليرة) أعادتنا إلى نقطة الصفر مجدّداً، فالطوابير لن تنتهي بعد اعتماد آلية الدعم الجديدة.
عملت الإادرة على إفراغ المحطات من المحروقات المدعومة على سعر صرف 3900 ليرة لبنانية قبل البدء بالتوزيع وفق آلية الدعم الجديدة. لكن معظم المحطات لم توزّع المادة أمس.
جاء ذلك بالتوازي مع إقفال الشركات المستوردة للنفط، التي أخذت الجمارك اللبنانية مكاييل الوقود في خزاناتها، ويتوجّب عليها إعادة فرق الدعم إلى مصرف لبنان.
فَوّتت الحكومة فرصة إنهاء أزمة المحروقات، وقال رئيس المعهد اللبناني لدراسات السوق الدكتور باتريك مارديني لـ”النهار” إنّ “كلّ أسباب الأزمة من التهريب والتخزين والسوق السوداء ستستمرّ، إنما مع فرق بسيط، وهو أنّ هامش ربح المحتكرين سينخفض؛ الأمر الذي سيدفعهم إلى الضغط على سوق المحروقات أكثر”.
تستحقّ تسوية تخفيض الدّعم ملاحظات عديدة؛ فصحيح أنّ المركزي سيؤمّن دولارات استيراد الوقود وفق سعر صرف منصّة “صيرفة” القريب من الـ16 ألف ليرة لبنانية، والخزينة ستدفع الفرق بين سعر المنصّة والـ8 آلاف ليرة، إلّا أنّ مارديني يرى أنّ “الدولة ستلجأ إلى “المركزيّ” كي يقرضها مال الدعم، وتالياً سنكون أمام مساس بالاحتياطي الإلزامي مرّة جديدة”. قد تكون الذريعة أنّه مجرّد إقراض للخزينة، وتالياً الدولارات ستعيدها الدّولة لاحقاً، لكن الدولة التي تستدين بالعملة الصّعبة، وهي لا تحصّل إيرادات بالدولار، ستواجه حتماً صعوبة في إعادة هذه الأموال تماماً كما حصل مع استحقاقات اليوروبوند في آذار الـ2020. وشدّد مارديني على أنّ “الحكومة أخطأت في هذه التسوية مع المركزي”.
وضجّت مواقع التواصل الاجتماعي بخطوة القوى الأمنية لدى مداهمتها محطّات المحروقات وإلزامها بيع مخزونها للمواطنين، لكنّ الأزمة لم تحلّ، ولا تزال الطوابير تقفل الطرق، وتعرقل الحركة المرورية. لا يتحمّل الجيش اللبناني مسؤولية ما يحصل، لأنّ هذه الفوضى ليست إلّا نتيجة فشل سياسة الدعم. اعتبر مارديني أنّ “السلطة التنفيذية تظنّ أنّ المسؤولية قد تقع على القوى الأمنية إذا فشلت مهمتهم، إلّا أنّ العلّة الحقيقية تكمن في بيع المحروقات بسعر أقلّ من السعر العالمي”.
وشدّد مارديني على أنّ “آليّة الدعم الجديدة ستؤدّي إلى مزيد من التضخم لأنّها استمرارية للنهج الذي أدّى إلى فقدان الثقة بالليرة اللبنانية”. لذلك، فإنّ الخيار الأكيد لإنهاء الأزمة هو بيع الوقود وفق سعره العالمي، بحسب ماريدني، الذي قال إنّ “السوق ستتكيّف مع الواقع الجديد، وستبني تصوّراتها المستقبليّة على أساسه”.
فإضافة إلى التوافق خلال الاجتماع، الذي عُقد في بعبدا، على فتح حساب موقّت لتغطية دعم عاجل لمازوت وبنزين بـ225 مليون دولار أميركي لغاية أيلول، على أن تصدر وزارة الطاقة والمياه جدول الأسعار فور صدور القرار، تقرّر تعديل تعويض النقل الموقّت، حيث سيُصبح 24000 ليرة عن كل يوم حضور فعليّ، إضافة إلى إعطاء مساعدة اجتماعية طارئة بما يُساوي أساس الراتب الشهريّ أو المعاش التقاعديّ من دون أيّ زيادات مهما كان نوعها أو تسميتها، تُسدّد على دفعتين متساويتين، وتشمل جميع موظفي الإدارة العامة مهما كانت مسمّياتهم الوظيفيّة.
ونبّه مارديني إلى أنّ “المساعدات الاجتماعية ستكون من خلال طباعة الليرة، الأمر الذي سيؤدي إلى ارتفاع الدولار”.
ماذا حصل أمس في أسواق المحروقات؟
اصطفت طوابير السيّارات منذ الليل أمام محطّات المحروقات. وامتنعت بعض المحطّات عن التعبئة بعد بيان المديرية العامة للنفط التي أوصت بتفريغ المخزون لحين إعادة ضخّ كميات جديدة مدعومة وفق الآلية الجديدة.
وقامت الجمارك اللبنانية بإحصاء كميات المحروقات الموجودة في الشركات المستوردة للنفط حتى تدفع الأخيرة الفرق بين السعر المدعوم على أساس 8000 ليرة، والسعر القديم وفق 3900 ليرة لبنانية، وتعيده إلى مصرف لبنان، ومُنعت من التوزيع في الأسواق.
أسعار جديدة للمحروقات، وإعلان البدء بالتوزيع صباح اليوم
أصدرت وزارة الطاقة والمياه صباح اليوم، جدول تركيب أسعار المحروقات الجديد، وفق آلية الدعم على أساس الـ8000 ليرة، وأتَت أسعاره مختلفة عن الجدول الذي نُشِر يوم الأحد. ووفق التسعيرة الجديدة، سجّل البنزين 95 أوكتان 128200 ليرة (بدلاً من 129 ألفاً)، بنزين 98 أوكتان: 132400 ليرة (بدلاً من 133 ألفاً و200 ليرة)، أمّا المازوت فبـ98800 ليرة (بدلاً من 101,500 ليرة لبنانية).
من جهته، أكّد ممثل موزعي المحروقات فادي أبو شقرا أبو شقرا لـ”النهار” أنّ “صهاريج المحروقات على وشك الانطلاق إلى المحطات، وستُوزّع مادة البنزين وفق الأسعار الجديدة التي صدرت اليوم”. وأضاف أنّ “الشركات المستوردة للنفط ستبدأ بتوزيع المادة وفق الجدول الصادر عن المديرية العامة للنفط صباح اليوم”.
وقال أبو شقرا إنّ “جميع المواطنين سيحصولون على طلبهم من المادة”، مشدّداً على ضرورة عدم التواتر بكثرة، ومن لن يحصل على بنزين اليوم، سيشتري المادة غداً لأنّ التوزيع سينطلق مجدداً”.
وأفادت معلومات “النهار” أنّ “سبب إعداد جدول أسعار جديد مختلف عن جدول الأحد من المديرية العامة للنفط هو اختلاف بعض المُدخلات مثل سعر صرف الدولار، والسرعة في إنجاز الأسعار وفق آلية الدعم الجديدة في نهاية الأسبوع”.
كما أفاد مصدر في وزارة الطاقة “النهار” أنّه “بعد إصدار جدول تركيب الأسعار الجديد صباحاً، ستبدأ الشركات النفطية بتوزيع الحروقات إلى الأسواق اليوم”.