تتجه الأنظار إلى مفاعيل رفع العقوبات عن سوريا لجهة إطلاق ورشة الإعمار على الصعيد الإقليمي، وتتزايد التساؤلات حول مدى استعداد لبنان لتلقف هذه الفرصة الجيوسياسية والاقتصادية التي تلوح في الأفق. يمتلك لبنان إمكانات لوجستية هائلة تؤهله للعب دور مركزي كمنصة لإعمار سوريا، حيث يشكل مرفأ طرابلس أقصر طريق لاستقدام المواد الأولية والبضائع وتأمين الإمدادات إلى الداخل السوري.
تبرز أهمية معرض رشيد كرامي ومساحاته الشاسعة وقيمته الاقتصادية الاستراتيجية، فضلاً عن مطار القليعات الذي يمكن أن يلعب دوراً محورياً في عملية النقل والإمداد. تطرح هذه الإمكانات تساؤلات جوهرية حول إمكانية اعتماد لبنان كمركز محوري في ورشة النهوض المرتقبة.
تعيق عوامل أساسية استفادة طرابلس بشكل خاص ولبنان بشكل عام من عملية إعادة إعمار سوريا و رفع العقوبات عنها وعودتها إلى الحياة الاقتصادية. يرتبط العامل الأول بلبنان تحديداً لجهة عدم تطوير البنى التحتية طيلة السنوات الماضية، سواء من طرقات أو كهرباء أو إنترنت أو موانئ أو مناطق اقتصادية خاصة.
تشهد المنطقة الاقتصادية الخاصة في الشمال تأخيراً مزمناً، حيث وُضع مرسومها منذ أكثر من خمسة عشر عاماً ولم تبصر النور بعد. كما لم يعاد تأهيل مطار القليعات القريب من سوريا وافتتاحه من جديد، فيما يستحوذ المرفأ على حصة قليلة بالمقارنة مع بقية المرافق في الشرق الأوسط.
يتطلب الأمر إعادة بناء الاتفاقيات بين لبنان وسوريا، وخصوصاً اتفاقيات التعاون والتنسيق بين البلدين على أرضية صلبة قائمة على التوازن والتكافؤ، وليس على غرار الفترة الماضية. تكشف مشاركة الشركات في معارض البناء السورية واقعاً مؤسفاً، حيث غابت الشركات اللبنانية عن معرض دمشق للبناء الأخير، فيما استحوذت الشركات التركية على الحصة الأكبر، تلتها السعودية ثم الأردنية.
تشير هذه المؤشرات إلى أن لبنان لن يستفيد بشكل مباشر كما يأمل من عملية إعادة إعمار سوريا، كما أنه لن يكون منصة لانطلاق الشركات الأجنبية للعمل في سوريا بسبب تقادم وارتفاع كلفة البنى التحتية لديه. تضاف إلى ضرورة تأهيل البنى التحتية ظروف سياسية وضغوط دولية باتجاه تنفيذ الالتزامات، قد تحرم لبنان من تموضعه على خارطة المشاريع الإقليمية الكبرى.