لبنان أمام اختبار ثقة في واشنطن: هل يكون الأخير؟

لبنان
تجتهد الحكومة الحالية لإثبات نفسها حكومةً إصلاحية مغايرة للحكومات السابقة، لا سيّما الحكومة الأخيرة التي فشلت في إجراء الإصلاحات ونقل العلاقة التعاقدية بين لبنان وصندوق النقد الدولي، من اتفاق على مستوى الخبراء إلى اتفاق نهائي يتيح البدء بالخروج من الأزمة الاقتصادية، بما أنّ السلطة السياسية ارتضت الصندوق قناة عبور إلى برّ الأمان.

وعلى ضوء بيانها الوزاري، شرعت حكومة نواف سلام، باتخاذ خطوات تراها إصلاحية، ومنها إقرار موازنة العام 2025 كأساس ضروري لتحقيق الاستقرار المالي والنقدي. وكذلك وضع مشروع قانون لتعديل السرية المصرفية، ومشروع قانون إصلاح وضع المصارف وإعادة تنظيمها. بالإضافة إلى “ورشة” التعيينات الإدارية والدعوة لتشكيل الهيئات الناظمة، ولا ننسى تعيين حاكم لمصرف لبنان. وهذه الخطوات، تريدها الحكومة بطاقة مرور مقبولة أمام المجتمع الدولي، للدخول إلى اجتماعات الربيع التي ستعقد في واشنطن من 21 إلى 26 نيسان الجاري.

أهمية اجتماعات الربيع
تُعقَد اجتماعات الربيع لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي سنوياً في شهر نيسان في واشنطن. وتشكّل منصة محورية لمناقشة التحديات الاقتصادية العالمية، مثل النموّ والاستقرار المالي ومكافحة الفقر. وبالنسبة إلى لبنان، تكون هذه الاجتماعات بمثابة منصّة يعرض عبرها الإصلاحات التي أنجزها تمهيداً للاتفاق مع الصندوق، وتالياً استقطاب الاهتمام الدولي وزرع الثقة بأنّ الخروج من الأزمة المستمرة منذ العام 2019، بات قريباً. وهذا يفتح المجال أمام تسويق فرص استثمارية تفيد في النهوض الاقتصادي.

وينتظر المجتمع الدولي ما سيحمله لبنان إلى واشنطن، من ملفّات جديدة على مستوى الإصلاحات المالية والاقتصادية. ولذلك، فإن اجتماعات الربيع قد تعني للبنان اختبار ثقة، ربّما أخير، خصوصاً أنّ صورته في اجتماعات العام الماضي، لم تكن إيجابية، وعَبَّرَ عن ذلك وزير الاقتصاد والتجارة السابق أمين سلام، الذي أكّد حينها، أنّ “الوفد اللبناني لم يحمل جديداً”. ولفتّ النظر إلى وجود “قرار سياسي يعطّل إقرار القوانين الإصلاحية”. ونقل سلام يومها عن مسؤولين في الصندوق قولهم “إنّ صبرهم قد نفد، ولم يعودوا مستعدين لسماع أعذار أو تبريرات بلا نتائج”.

تقدّم حذر
تبدو الحكومة متفائلة، إذ قدّمت إشارات إيجابية تبيِّن التزامها الجدّي بمسار التعافي، خصوصاً بما يتعلّق بمشروعيّ قانون السرية المصرفية وإعادة هيكلة القطاع المصرفي. كما يمكن للحكومة الركون إلى المتغيّرات الإيجابية التي تميِّز المرحلة الراهنة عن مرحلة التفاوض السابقة مع الصندوق. وبرأي الخبير الاقتصادي باتريك مارديني، فإنّه “عند تفاوض لبنان مع صندوق النقد، في المرة الأولى، كانت الليرة في مرحلة انهيار، في حين أنّها مستقرّة اليوم. وكنا في مرحلة عجز في الموازنة العامة، واليوم باتت متوازنة وتسجّل فائضاً. ولذلك، تحَقَّقَ جزء من عملية إعادة هيكلة الاقتصاد وعودة التوازن”.

ومع ذلك، يشير مارديني في حديث لـ”المدن”، إلى أنّه “لم نصل إلى المرحلة التي نطمح لها كلبنانيين ويطمح لها المجتمع الدولي، لكن الوضع اليوم أفضل من السنوات الماضية، لذلك هناك تفاؤل”. وتزيد نسبة التفاؤل من خلال تحليل طريقة تعامل الصندوق مع لبنان، فبحسب مارديني “ثمة تغيير في نبرة وخطاب الصندوق تجاه لبنان، مقارنة مع السابق. فبات الصندوق أكثر انفتاحاً وليونة وتفهّماً، وبات يعطي خيارات يمكن للبنان اتخاذها لمعالجة أزمته، في حين كان سابقاً يقدّم خيارات محدّدة وحازمة للإصلاحات. وعليه، يكون لبنان قد اقترب خطوة والصندوق كذلك، والتقى الطرفان في منتصف الطريق، وهذه فرصة على الحكومة انتهازها وعدم تفويتها”.
هذا التقدّم يبقى حذراً، فأمام الوفد اللبناني الذي سيشارك في اجتماعات الربيع، أثقالاً تتمثّل بتحديات إعادة الإعمار والعمر القصير لهذه الحكومة، فضلاً عن الاختبار الكبير المتعلّق بضرورة إنهاء الملف المصرفي بإقرار مشروعيّ القانون في مجلس النواب. ووفق مارديني “تحاول الحكومة استعجال حلّ مسألة القطاع المصرفي والسرية المصرفية عبر إقرار المشروعين في مجلس الوزراء، وإن لم يقرّهما مجلس النواب قبل اجتماعات الربيع، إذ يبقى هناك خطوة إيجابية وإن منقوصة، وهو الشيء الجديد الذي يمكن للبنان حمله إلى واشنطن. أمّا إذا انتهى الملف بإقراره في مجلس النواب، فتكون أزمة لبنان قد باتت خلفنا”.

التزام بالفعل
الإشارات التي ترسلها الحكومة للصندوق والمجتمع الدولي، لا تزال منقوصة. فالصندوق يشدّد على ضرورة إقرار القانونَين في مجلس النواب قبل اجتماعات الربيع، وليس الاكتفاء بعرض نوايا أو مسودّات، وهذا الموقف عبَّرَ عنه بوضوح رئيس بعثة الصندوق إلى لبنان، أرنستو راميريز ريغو، خلال لقائه مع وزير المالية ياسين جابر، إذ أشار إلى أنّ “إقرار القوانين قبل الاجتماعات مع المديرين الكبار في واشنطن سيكون له وقع إيجابي على نظرة الصندوق لمدى جدية لبنان في تنفيذ الإصلاحات”.

وعلمت “المدن” أنّ الصندوق “يأمل أن يقول لبنان في واشنطن: وافق البرلمان على قانون السرية المصرفية وقانون هيكلة المصارف، ليثبت بذلك التزاماً بالفعل وليس بالقول”.

تبدو الفرصة ضيّقة ولكنها قائمة، وهذا يعني أن لبنان قد يكون أمام مهلة أخيرة لإثبات مصداقيته والالتزام بتعهداته. فاجتماعات الربيع لهذا العام لن تكون مجرّد مشاركة في حدث اقتصادي عالمي، بل قد تحوّل إلى منعطف حاسم في مسار علاقة لبنان مع صندوق النقد والمجتمع الدولي. فإمّا أن يقنع لبنان الصندوق بأنّه يريد فعلاً الخروج من أزمته، أو يقدّم صورة جديدة عن الدولة العاجزة إذا استمرّ أقطاب السلطة بمحاولات تدوير الزوايا وعدم حسم الملفّ المصرفي والاقتناع بوجوب الإصلاحات الجذرية التي تلزم القطيعة مع الماضي والتضحية بالكثير من المكتسبات والأسماء.

اضغط هنا لقراءة المقال على موقع المدن