وزارة الطاقة شريان مختنق

وزارة الطاقة

في بلد اعتاد أن يسير على حافة الأزمات، تظل وزارة الطاقة والمياه واحدة من أكثر المؤسسات الحكومية تأثيراً على مصير الاقتصاد. فكما يقال لا اقتصاد من دون طاقة، ولا تنمية من دون بنى تحتية قادرة على توفير الكهرباء والمياه. لكن في لبنان، تحولت الطاقة إلى عبء اقتصادي، بدل أن تكون محركاً للنمو.

أرقام قاتمة ترسم المشهد، فوفقاً لتقارير البنك الدولي تسببت أزمة الكهرباء وحدها بخسائر تجاوزت 40 مليار دولار منذ التسعينات، فيما يعاني أكثر من 80% من اللبنانيين من انقطاع الكهرباء لساعات طويلة يومياً، مما أجبرهم على اللجوء إلى المولدات الخاصة. “الأمن العام” التقت المدير العام السابق للاستثمار في وزارة الطاقة والخبير في المعهد اللبناني لدراسات السوق غسان بيضون.

 إلى أي مدى يتحمل قطاع الطاقة مسؤولية تدهور الاقتصاد؟

تلعب وزارة الطاقة دوراً محورياً في الاقتصاد الوطني، وذلك من خلال تدخلها في إدارة قطاعات الكهرباء والمياه والنفط، باعتبارها من مصالح الدولة الحيوية، التي ناطت المادة 66 من الدستور بوزير الطاقة تطبيق القوانين التي ترعى شؤون مختلف مؤسساتها وهيئاتها العامة والخاصة المرخص لها، وبالتحديد من خلال الوصاية والرقابة المفترض أن يمارسها على مؤسسة كهرباء لبنان التي تحتكر قطاعات الإنتاج والنقل والتوزيع. نتيجة أحداث العام 1975، تحولت مؤسسة كهرباء لبنان إلى عبء على الدولة وماليتها، بسبب الأضرار التي كانت تصيب منشآتها وتعطل قدرتها على الإنتاج، وعدم القدرة على الجباية وتزايد استمداد الطاقة بطرق غير شرعية، وعدم كفاية التعرفة لتغطية تكلفة الإنتاج، والعجز المتصاعد في موازنتها، وتحميل عجز المحروقات لخزينة الدولة من خلال الصندوق المستقل للمحروقات. هذه العوامل مجتمعة كانت من أهم أسباب عجز مالية الدولة بين 1982 و1992، ولاحقاً من خلال منح المساهمات والتمادي بإعطاء سلف الخزينة المخالفة للقانون، والتي بلغ حجمها المتراكم عشرات المليارات من الدولارات على مدى ثلاثة عقود، احتسبت خلالها على سعر صرف الثابت والمدعوم على وضع برنامج لإصلاح المنشآت والشبكات وتأهيلها. وقد تضمنت خطة 2000 للإعمار والإنماء فصلاً للكهرباء على مرحلتين: الأولى شملت تأهيل محطات الإنتاج وشبكات النقل والتوزيع. ولحظت الثانية تجهيز معملين جديدين في الزهراني ودير عمار، بقدرة 850 ميغاواط، بحيث استطاعت المؤسسة تأمين التغذية بالتيار لمنطقة بيروت الكبرى والجبل، حوالى عشرين ساعة يومياً. ولتغطية بقية المناطق، وضعت خطة لتجهيز 4 توربينات غازية إضافية في بعلبك وصور واستمداد الطاقة من سوريا. وقد شملت هذه المرحلة تنفيذ مشاريع بتمويل من مصارف تجارية لبنانية، إضافة إلى زيادة القدرات الإنتاجية وتطوير شبكات النقل والتوزيع ومحطات التحويل، وتمديد خطوط هوائية في الشمال والبقاع، وإنشاء 7 محطات تحويل للتوتر العالي، وتطوير شبكة النقل في بيروت، وتمديد كابلات مطمورة لنقل الكهرباء من الزهراني ودير عمار إلى بيروت.

لقد اكتمل بذلك نهوض القطاع بعد الانهيار الذي شهده خلال السنوات السابقة، وبدأت المؤسسة تحقق أرباحاً على تعرفة 1994، غير أنه كان يفترض تشغيل المعامل على الغاز وتحقيق وفر سنوي يبدأ بـ 300 مليون دولار. بذلك، يكون قطاع الكهرباء قد شهد مرحلة نهوض بين انهيارين للعملة الوطنية، الأول بين العامين 1982 و1992، والثاني اعتباراً من تشرين الأول 2019، ولا تزال الدولة تتحمل تداعياته الخطيرة وكذلك المواطن ومختلف قطاعات الاقتصاد. غير أن استكمال هذا النهوض كان يقتضي تلبية تنامي الطلب على الكهرباء، وتأمين تغذية مستقرة ومستدامة تسمح برفع التعرفة وتحقيق التوازن المالي للمؤسسة، وإعفاء خزينة الدولة من أعباء عجز المحروقات، وتأمين التنافس ضمن قطاع التوزيع لتوفير أفضل خدمة، وخفض الهدر إلى حده الأدنى، وتحسين الفوترة والجباية والتحصيل.

كان الحل في قانون تنظيم قطاع الكهرباء رقم 2002/462، المبني على إشراك القطاع الخاص في قطاعي إنتاج وتوزيع، مما أدى إلى استنزاف احتياطيات مصرف لبنان، وساهم بشكل رئيسي في انهيار مالية الدولة وإفلاس الخزينة، وألحق أضراراً فادحة بمختلف قطاعات الاقتصاد، بسبب عجز كهرباء لبنان عن تأمين الطاقة اللازمة لأنشطتها واضطرارها للجوء إلى المولدات الخاصة العاملة على الفيول أو الديزل بتكلفة إنتاج عالية أدت إلى الحد من ارتفاع أسعارها، والحد من قدرتها التنافسية وعلى التصدير، والتي شملت القطاع السياحي.

 هل هناك نية حقيقية لإجراء إصلاحات جذرية، أم أن الحلول الحالية مجرد مسكنات؟

 استمرت أزمة الكهرباء على حالها من 1975 حتى أواخر 1993، حيث بوشر العمل على وضع برنامج لإصلاح المنشآت والشبكات وتأهيلها. وقد تضمنت خطة 2000 للإعمار والإنماء فصلاً للكهرباء على مرحلتين: الأولى شملت تأهيل محطات الإنتاج وشبكات النقل والتوزيع. ولحظت الثانية تجهيز معملين جديدين في الزهراني ودير عمار، بقدرة 850 ميغاواط، بحيث استطاعت المؤسسة تأمين التغذية بالتيار لمنطقة بيروت الكبرى والجبل، حوالى عشرين ساعة يومياً. ولتغطية بقية المناطق، وضعت خطة لتجهيز 4 توربينات غازية إضافية في بعلبك وصور واستمداد الطاقة من سوريا. وقد شملت هذه المرحلة تنفيذ مشاريع بتمويل من مصارف تجارية لبنانية، إضافة إلى زيادة القدرات الإنتاجية وتطوير شبكات النقل والتوزيع ومحطات التحويل، وتمديد خطوط هوائية في الشمال والبقاع، وإنشاء 7 محطات تحويل للتوتر العالي، وتطوير شبكة النقل في بيروت، وتمديد كابلات مطمورة لنقل الكهرباء من الزهراني ودير عمار إلى بيروت. لقد اكتمل بذلك نهوض القطاع بعد الانهيار الذي شهده خلال السنوات السابقة، وبدأت المؤسسة تحقق أرباحاً على تعرفة 1994، غير أنه كان يفترض تشغيل المعامل على الغاز وتحقيق وفر سنوي يبدأ بـ 300 مليون دولار. بذلك، يكون قطاع الكهرباء قد شهد مرحلة نهوض بين انهيارين للعملة الوطنية، الأول بين العامين 1982 و1992، والثاني اعتباراً من تشرين الأول 2019، ولا تزال الدولة تتحمل تداعياته الخطيرة وكذلك المواطن ومختلف قطاعات الاقتصاد. غير أن استكمال هذا النهوض كان يقتضي تلبية تنامي الطلب على الكهرباء، وتأمين تغذية مستقرة ومستدامة تسمح برفع التعرفة وتحقيق التوازن المالي للمؤسسة، وإعفاء خزينة الدولة من أعباء عجز المحروقات، وتأمين التنافس ضمن قطاع التوزيع لتوفير أفضل خدمة، وخفض الهدر إلى حده الأدنى، وتحسين الفوترة والجباية والتحصيل.

كان الحل في قانون تنظيم قطاع الكهرباء رقم 2002/462، المبني على إشراك القطاع الخاص في قطاعي إنتاج وتوزيع الكهرباء، وتعيين الهيئة الناظمة لإعطاء تراخيص وإذونات الإنتاج، لتلبية التنامي الطلب المطرد على الطاقة نتيجة تنامي الاقتصاد والتوسع العمراني.

 ما هي التحديات السياسية التي أدت إلى الفشل في معالجة أزمة الكهرباء وتنفيذ الإصلاحات؟

من الناحية السياسية، إن تدخل وزير الطاقة المباشر في شؤونها خلافاً للقانون، وانعكاسات هذا التدخل المغطى أحياناً من مجلس الوزراء، على قطاعات أساسية، أثر بشكل مباشر على الإنتاجية وعدم الاستقرار الاقتصادي، في ظل الأزمات المتلاحقة التي مر فيها لبنان ولا يزال. إن عدم التزام وزراء الطاقة المتعاقبين تعيين الهيئة الناظمة لقطاع الكهرباء المنشأة بموجب القانون 2002/462، كان وراء الفشل في استكمال معالجة أزمة الكهرباء، فاستمرت تحتل رأس قائمة الإصلاحات والمطالب المحلية والخارجية لتحرير أموال المساعدات من برامج الدعم المعلقة على تنفيذ الإصلاحات المطلوبة، وإحداث تغيير ملموس على الأرض يكون مقنعاً. أما من الناحية العملية التقنية، فقد جرت محاولات كثيرة لم تنجح في معالجة أزمة الكهرباء.

 ما الأسباب الرئيسية التي أدت إلى فشل المعالجة وانهيار قطاع الكهرباء في لبنان؟

خلال حزيران 2010، وافق مجلس الوزراء على ورقة سياسة قطاع الكهرباء، باعتبار الكهرباء سلعة استراتيجية. وقد انبثق عن هذه الخطة القانون 2011/181، والتي كان يجب أن تنفذ مع نهاية 2015، لكنها فشلت. استمر استنزاف مالية الدولة والعجز في ميزان المدفوعات، مما أدى إلى إفلاس الخزينة ونفاد احتياطيات مصرف لبنان من العملات الصعبة، وانهيار العملة الوطنية، وعجز مصرف لبنان عن تمويل شراء المحروقات، وتوقف الدولة عن دفع ديونها وتراجع تصنيفها إلى أدنى الحدود. إن عجز مؤسسة كهرباء لبنان عن تسديد مستحقاتها للبواخر ومورّدي قطع الغيار، وتعذّر إقدام القطاع الخاص على الاستثمار في بناء معامل الإنتاج، على الرغم من نفاذ القوانين المنظمة لهذه الشراكة، وتعذّر تمويل المشروع من المصارف المحلية والخارجية، مع ارتفاع مخاطر عدم استرداد الأموال المستثمرة من الدولة أو من مؤسسة كهرباء لبنان.

هل يمكن تحقيق شراكة فعالة مع القطاع الخاص لحل أزمة الكهرباء؟

ساهم الفشل في الانهيار الثاني للعملة الوطنية اعتبارًا من عام 2019، إضافة إلى إفلاس الخزينة وانهيار الاقتصاد، بحيث توقفت الدولة عن دفع ديونها وتراجع تصنيفها إلى حدود متدنية، مما أدى إلى انعدام أي إمكانية لإقدام القطاع الخاص على الاستثمار في بناء معامل إنتاج جديدة، رغم وجود القوانين التي تنظم عمليات الشراكة بين القطاعين العام والخاص.

هل النفط والغاز فرصة ضائعة أم مجرد أمل اقتصادي؟

في لبنان المثقل بالديون وبأزمة مالية عميقة ناتجة عن سياسات خاطئة وسوء إدارة قطاع الطاقة، اللذين أدّيا إلى عجز متراكم في موازنته على مدى أكثر من أربعة عقود، تكتسب المباشرة باستخراج واستثمار ثروته من النفط والغاز أهميتها من الحاجة إلى تحقيق إيرادات للدولة، تسمح لها بسداد ديونها وإعادة أموال المودعين، وتحقيق فوائض في موازناتها المستقبلية، بحيث تستطيع تحقيق نمو اقتصادي مستدام. فضلًا عن ضمان أمنها الطاقوي من خلال تأمين مصدر موثوق ومستدام من الغاز اللازم لإنتاج الكهرباء بكلفة متدنية ومن نوعية صديقة للبيئة، ناهيك عن تحريرها من قيود وصاية مؤسسات التمويل الدولية، التي تعيق استقلاليتها في التخطيط للمستقبل وفق رؤية وطنية تراعي خصوصية ظروفها وأولويات حاجاتها.

الإجابة عن هذا التساؤل ترتبط بحقيقة ثلاث مسائل تُعتبر حاسمة في تقدير مدى جدية وجود ثروة من النفط والغاز تحت المياه الإقليمية اللبنانية، وما إذا كانت متوافرة بكميات تجارية. المسألة الأولى ترتبط بتحديد نطاق وجود هذه الثروة. المسألة الثانية تتعلق بصحة الترسيم البحري من الجهات الثلاث جنوبًا، وغربًا، وشمالًا. المسألة الثالثة تتصل بجدية واستقلالية الشركات الملتزمة بعمليات الحفر والتنقيب، وبسياسة الدول الكبرى الطاقوية التي تسعى للتحكم بثروات الدول الأصغر والأضعف، بدليل أن توافر المعلومات على وجود ثروة نفطية في لبنان ليست جديدة، بل تعود إلى أربعينات القرن الماضي بالنسبة للخارج، وإلى السبعينات بالنسبة للداخل.

لماذا تأخرت نتائج الاستكشاف رغم توقيع اتفاقات مع شركات عالمية؟

إن جميع الملفات الاقتصادية في العالم لها ارتباط بأبعاد سياسية، وليس فقط في لبنان الذي يُعد من أكثر الدول تأثرًا في هذا المجال، خصوصًا عندما يتعلق الأمر بملفات النفط والغاز، التي تُعتبر من الأكثر ارتباطًا وتأثرًا بالمستوى السياسي.

ماذا نترقب من معاودة عمليات الحفر والتنقيب؟

لبنان في انتظار تقرير شركة توتال حول نتائج الحفر، مع ضرورة التركيز ليس فقط على النواحي السلبية، وإنما أيضًا على الإضاءة على النواحي الإيجابية. لا سيما أنه من غير الممكن عدم وجود غاز في لبنان، بينما الدول المجاورة مثل مصر وإسرائيل وقبرص حفرت مئات الآبار، في حين أن لبنان لم يحفر خلال 15 سنة سوى بئرين. بنتيجة المقارنة، يبدو الأمر غير منطقي في هذه المعادلة، وكأننا محرومون من نشاط الحفر، وهذا أمر يجب أن يتغير خلال المرحلة المقبلة.

ماذا ينتظر لبنان؟

هناك موضوع العرضين المقدمين حول البلوكين 8 و10 خلال دورة التراخيص الثانية، ولبنان ينتظر عودة توتال للمباشرة بالأعمال عليهما وفق الشروط التي وضعتها الدولة اللبنانية، والالتزام بحفر البئر الثانية في البلوك رقم 9.

لدينا دورة التراخيص الثالثة، وننتظر من الحكومة الجديدة الموافقة على الضوابط الرئيسية المقترح إضافتها من وزارة الطاقة، لتوفير مشاركة عدد أكبر من الشركات. هناك 10 بلوكات، ونحتاج إلى ضم شركات أخرى قد تكون أصغر حجمًا، إذ إن هناك شركات صغيرة تحقق نتائج أفضل من الشركات الكبرى. لذلك، من الضروري فتح المجال لدخول عدد أكبر من الشركات.

الموضوع عالق في مجلس الوزراء، ولم يوضع الملف على جدول الأعمال، ولم يُتخذ أي قرار بشأنه بعد. لكن لا بد أن يكون من أولويات الحكومة الجديدة بعد نيلها الثقة، بحيث تستفيد من السنة والنصف المتاحة لها، وتحاول إنجاز أقصى ما يمكن في مجال استكمال أنشطة التنقيب والحفر.

تجدر الإشارة إلى الارتباط المباشر بين استخراج النفط والغاز، وتنفيذ استراتيجيات قطاع المياه والطاقة، المعروضة على البنك الدولي، الذي أبدى استعداده لتمويلها.

كيف يمكن للبنان الاستفادة من ثروته النفطية والغازية؟

لبنان، الذي لم يعد إجمالي ناتجه المحلي يتجاوز 20 مليار دولار، يتوقع أن يجني خلال السنوات المقبلة عشرات مليارات الدولارات، القادرة على إحداث تغيير جذري في اقتصاده. لكن في المقابل، فإن الاعتماد الكلي على هذا المورد قد ينعكس سلبيًا على القدرات التنافسية لبقية قطاعات لبنان الاقتصادية. لذا، سيكون عليه السعي إلى تحقيق تنمية مستدامة تعتمد على تخطيط سليم يشمل كيفية إنفاق الموارد المالية المرتقبة من الغاز والنفط، وذلك عملًا بأحكام قانون الموارد البترولية، الذي يفرض إيداع عائدات هذه الموارد في صندوق سيادي وفق قانون خاص يحدد الضوابط اللازمة للحؤول دون تحوله إلى “صندوق أسود”، كما حدث مع غيره من الصناديق والهيئات التي تحوم حولها شبهات الفساد. على الصندوق السيادي أن يشمل جميع المناطق اللبنانية، وفق أهداف واستراتيجيات استثمارية واضحة، تحدد أدوات الاستثمار في الأسواق المحلية والدولية، وبما يضمن إدارة مالية سليمة وشفافة، تحدد علاقته بالمالية العامة. تجدر الإشارة أيضًا إلى أهمية تطبيق القانون المتعلق بتأهيل مصافي النفط اللبنانية، بحيث تكون جاهزة لتوفير حاجات قطاع الكهرباء والسوق المحلية من المحروقات بمختلف مشتقاتها، مما يؤدي إلى وفورات مالية كبيرة في تكاليف الإنتاج وفواتير المواطنين، كما يساهم في تخفيف الضغط على ميزان المدفوعات وتحسين وضعيته.

اضغط هنا لقراءة المقال على موقع الأمن العام