حنين سيدة المرحلة

حنين

ما إن تشكلت حكومة نواف سلام حتى وجدت نفسها في مرمى نيران متقاطعة؛ إذ اتهمت تارة بالانحياز إلى “حزب الله”، وطوراً بالوقوف ضده.

وفي خضم تمحيص المعارضين للسير الذاتية للوزراء، تعرضت وزيرة الشؤون الاجتماعية حنين السيد لانتقادات لاذعة استهدفت حياتها الشخصية وتصريحاتها المجتزأة. ولعل غياب الدعم السياسي لها وعدم وجود جيوش إلكترونية تدافع عنها جعل منها هدفاً لمنتقديها.

ورغم محدودية معرفتي بحياة حنين السيد الشخصية أو مشاريعها المستقبلية في الوزارة، إلا أن تجربتي معها خلال أزمة طوابير الذل والدعم بين العامين 2020 و 2023 كشفت عن كفاءتها المهنية الاستثنائية. ففي مطلع 2020، بدأ الحديث عن التخلف عن سداد اليوروبوند لتمويل دعم السلع الأساسية. فحذرنا في المعهد اللبناني لدراسات السوق من تداعيات الدعم، متوقعين انقطاع السلع وتدهور أكبر بسعر صرف الليرة، وأطلقنا حملة توعية حول الموضوع. وفي حزيران / يونيو تواصلنا مع وزير الاقتصاد مقترحين وقف الدعم واستبداله بالمساعدات النقدية عبر البطاقة التمويلية، فوافق وطلب دعم البنك الدولي.

انضمت حنين السيد إلى الاجتماعات المغلقة بين المعهد والوزير بصفتها مسؤولة عن برامج البنك الدولي للحماية الاجتماعية في لبنان. وقد تميز عمل “السيد” بالجدية والمهنية العاليتين، حيث قدمت تجارب مماثلة من تجارب دول المنطقة وفندت الأفكار الخاطئة وشرحت المخاطر. كما جمعت فريقاً من أفضل خبراء البنك الدولي من أنحاء العالم الذين عملوا بنجاح على تصميم حلول في بلدان مماثلة للبنان، طالبةً منهم التعمق في الوضع اللبناني وعاقدةً عدداً من اللقاءات لهؤلاء الخبراء مع الوزير لتذليل العقبات. وقد أجمع الكلّ على ضرورة إنهاء طوابير الذل وضمان توفر المواد الأساسية والحد من الهدر واستنزاف الاحتياطي بالعملات الأجنبية (نحو 6.24 مليارات دولار)، إضافة إلى كبح تهريب السلع. وفي كانون الأول/ديسمبر 2020، أصدر فريق عمل البنك الدولي مذكرة بخصوص إصلاح الدعم في لبنان أوصت باستبدال دعم السلع ببرنامج تحويلات مالية مباشرة للشعب اللبناني دون إهدار الموارد. وقد ظهرت بعض الاختلافات في الأولويات بين رؤيتنا في المعهد ورؤية حنين السيد. فاعتبرنا نحن أن نظام الدعم سيئ وينبغي الخروج منه سريعاً دون انتظار وضع نظام حماية اجتماعية وتأمين التمويل له، من أجل إعادة المواد المقطوعة مثل الوقود والدواء إلى السوق، ما يسمح للمصانع والشركات والمستشفيات باستئناف نشاطها ويساهم في إنعاش الاقتصاد اللبناني.

أما السيد، فركّزت على أهمية توفير نظام حماية اجتماعية بديل بالتوازي مع رفع الدعم، فسارعت بتفعيل برنامج آخر من البنك الدولي بقيمة 246 مليون دولار أميركي لدعم الأسر اللبنانية الفقيرة والأكثر احتياجاً (نحو 786,000 ليرة لبنانية في حينها) وبناء نظام شبكة الأمان الاجتماعي. وقد حاول بعض السياسيين لاحقاً السطو على هذه الأموال وتوزيعها بطريقة المحسوبيات، الأمر الذي رفضه البنك الدولي وأخَّر بالتالي حصول فقراء لبنان على هذه الأموال.

ورغم التباين في وجهات النظر، فممّا لا شك فيه أنّ حنين السيد كانت واحدة من القلائل الذين قدموا حلولاً عملية وأمنوا تمويلاً للفقراء بدلاً من الاقتصار على الخطابات الرنانة، مساهمة في إحداث تغيير إيجابي ملموس في حياة اللبنانيين.

ونحن نتوقع أن نختلف مع حنين السيد في المستقبل؛ فهي ستسعى لزيادة الإنفاق على الحماية الاجتماعية ولا سيما في ظل الوضع الاقتصادي والاجتماعي الصعب. وسنُحَذِّر نحن من مخاطر تمويل هذه الزيادة عبر عجز الموازنة العامة أو التضخم أو زيادة الضغط على القطاع الخاص المُنهَك. وقد نقتنع برأيها هي هذه المرة أو نقنعها نحن برأينا، لكننا على الأرجح سنصل إلى حل مرض للجميع.

وفي جميع الأحوال، يمثِّل وجود شخصية بكفاءة حنين السيد في الوزارة وخبرتها في مجال الحماية الاجتماعية في لبنان ونشاطها ومناقبيتها وقدرتها على تنفيذ الإصلاحات دون الانجرار إلى التجاذبات السياسية علامة فارقة تسجل لحكومة نواف سلام.

اضغط هنا لقراءة المقال على موقع النهار