في تطور أمني لافت، كشفت السلطات السورية عن ورش سرّية لتزوير العملات تعمل داخل منشآت تقع بالقرب من الحدود اللبنانية – السورية، وذلك خلال حملة أمنية شنتها الأجهزة السورية في المناطق الحدودية.
[…]
ويسعى مزوّرو العملات إلى تقليد الأوراق النقدية الأصلية مستغلين التطور التكنولوجي لإنتاج نسخ مزيفة يصعب كشفها. وتتراوح أساليب التزوير بين الاحترافية والبدائية، وفقاً للباحث في المعهد اللبناني لدراسات السوق، خالد أبو شقرا.
وقال أبو شقرا، لموقع “الحرة”، إن “التزوير الاحترافي يتم عبر الطباعة الحجرية (الأوفست)، وهي تقنية متقدمة تستخدم تقنيات مشابهة للطباعة الرسمية التي تعتمدها البنوك المركزية، ما يجعل اكتشافها أكثر صعوبة. وتتم هذه العملية باستخدام طابعات أوفست، وورق مماثل إلى حدٍّ ما للورق النقدي الحقيقي، مع كليشيهات للعملات المراد تزويرها، مما يسمح بطباعة تفاصيل دقيقة باستخدام أحبار خاصة لمحاكاة التدرجات اللونية الأصلية”.
في المقابل، أضاف أبو شقرا: “تعد الطباعة الرقمية تقنية أقل احترافية، حيث يتم مسح العملة الأصلية وتصميمها عبر برامج متخصصة مثل ‘فوتوشوب’، ثم طباعتها باستخدام طابعات ليزرية أو نافثة للحبر، مع إضافة تفاصيل يدوية مثل الأختام والأرقام التسلسلية المزيفة”.
ويسعى المزورون إلى محاكاة الميزات الأمنية التي تتمتع بها العملات الحقيقية، وأبرزها كما يقول أبو شقرا: “الخيط الأمني، وهو شريط معدني دقيق مدمج في الورقة النقدية يصعب تقليده، إضافة إلى العلامة المائية التي لا تظهر إلا عند تعريض الورقة للضوء”.
وأردف قائلًا: “كما يعتمد التزوير على محاولة استنساخ الطباعة البارزة التي تستخدم حبراً خاصاً يمنح بعض أجزاء الورقة ملمساً خشناً، إلى جانب الحبر المتغير اللون، الذي يتبدل عند تحريك الورقة، مما يجعل اكتشاف التزييف أكثر صعوبة”.
استهداف رغم التحصين
على الرغم من تركيز المزورين على تزوير العملة الأميركية، فإن الدولار الأميركي يُعد، كما يقول أبو شقرا، “من أكثر العملات تحصيناً ضد التزوير عالميًا، بفضل استخدامه تقنيات متطورة وأوراق خاصة وأرقام تسلسلية معقدة، ما يجعل عمليات التزوير عالية الاحترافية غير مجدية اقتصادياً نظراً لتكاليفها المرتفعة”.
أما بالنسبة إلى الليرة اللبنانية، فإن تزويرها، كما يقول أبو شقرا، “يشكل تهديداً أكبر على اللبنانيين، نظراً لانهيار قيمتها بنسبة 98%، ما دفع اللبنانيين إلى التعامل بكميات كبيرة من الأوراق النقدية، مما يزيد من احتمالية تمرير العملات المزوّرة دون اكتشافها”.
ومع ذلك، يشير إلى أن “92 بالمئة من التعاملات اليومية في لبنان تُجرى بالدولار، مما يجعل تزويره أكثر ربحية للمزورين مقارنة بالليرة التي فقدت قيمتها ولم تعد تستخدم إلا في المعاملات الصغيرة”.
ويربط أبو شقرا انتشار التزوير في لبنان بالاعتماد شبه الكامل على التعامل النقدي، “إذ يفضل المواطنون الدفع نقداً بدلاً من استخدام البطاقات المصرفية أو وسائل الدفع الإلكترونية، نتيجة انعدام الثقة في القطاع المصرفي”.
وقال: “أي شائعة عن تزوير العملات تثير الذعر في الأسواق، وتدفع الناس إلى رفض قبول فئات نقدية معينة، مما يزيد من تعقيدات الأزمة الاقتصادية، خاصة في ظل غياب بدائل واضحة للدفع”.
“خوف المواطنين من العملات المزوّرة أمر طبيعي وموجود في جميع الدول”، كما أكد نقيب الصرافين، مجد المصري، لكن “انتشار العملات المزوّرة في السوق اللبناني لا يزال محدوداً”.
وشدد على أنه “حين أُثير الجدل سابقاً حول وجود عملات مزيفة من فئة 50 دولاراً، تعاونت النقابة مع الأجهزة الأمنية للتحقق من الأمر، ليتبين لاحقاً أن حجم التزوير كان مبالغاً فيه”.
وقال المصري، لموقع “الحرة”، إن “اكتشاف العملات المزيفة يعتمد بشكل أساسي على نوعية الطباعة والأوراق المستخدمة”.
وأشار إلى أن تأثيرها على قطاع الصرافة “أقل مما هو عليه بالنسبة للمواطنين والتجار، فالصراف المحترف لديه خبرة كافية لاكتشاف العملة المزورة حتى دون الحاجة إلى آلة الفحص التي يستخدمها بشكل أساسي عند التعامل مع مبالغ كبيرة”.
وأضاف أنه “من الطبيعي عند ارتفاع نسبة العملات المزوّرة في السوق، أن يزداد الحذر والتدقيق تلقائياً”.
تداعيات خطيرة
انتشار العملات المزوّرة يؤدي إلى تداعيات اقتصادية خطيرة، أبرزها كما يشير أبو شقرا، “زيادة الأعباء على المستهلكين والتجار، وارتفاع كلفة التعامل النقدي”.
وأوضح: “في الفترة الماضية، شهدنا محاولات من بعض الصرافين غير النظاميين لشراء فئة 50 دولاراً من المواطنين بسعر أقل من قيمتها الفعلية، رغم أنها سليمة، ما يعني خسارة إضافية يتحملها المواطن اللبناني”.
وفي محاولة للحد من التعامل النقدي، أصدر مصرف لبنان أواخر عام 2023 تعميماً يحمل الرقم 165، يسمح للمصارف، كما قال أبو شقرا، “بإجراء مقاصة على الحسابات الجديدة، سواء بالليرة أو بالدولار، بهدف تقليل الاعتماد على النقد، وتشجيع استخدام الشيكات والبطاقات المصرفية ووسائل الدفع الإلكتروني، إلى جانب كونه شرطاً لمكافحة تبييض الأموال، حيث إن المدفوعات النقدية يصعب تتبعها مقارنة بالمعاملات المصرفية الرقمية”.
ولكشف العملات المزيفة، تستخدم مؤسسات الصيرفة والمؤسسات التجارية الكبرى أجهزة فحص متطورة.