ربما يبدو خطاب قَسَم رئيس الجمهورية تقليدياً في الظاهر، ويرى البعض في بنوده الإصلاحية مجرّد تعبير عن نشوة الوصول إلى سدّة الحُكم، فيما تقتضي الموضوعية أن نرى فيه تهيّباً والتزاماً بالمسؤولية تجاه عمق الأزمات التي تراكمت على مدى سنوات طوال تفاقمت خلالها تداعيات الانهيار المالي والشغور الرئاسي ودخول الدولة في طور الانحلال وانتشار الدمار الهائل على مساحة واسعة من جغرافيا الوطن نتيجة العدوان، واستدراكاً لانحراف أداء الدولة المتمادي عن دورها ومسؤولياتها وعجزها، ليس فقط عن توفير أبسط حقوق مواطنيها، في خدمات الكهرباء والمياه والنظافة والاتصالات والصحة، بتكلفة تراعي قدراتهم الاقتصادية، بل عن حمايتهم، وتحوّلها من دولة الرعاية إلى دولة الجباية.
بما أنّ بنود خطاب القَسَم الإصلاحية جديرة بإدراجها ضمن البيان الوزاري لحكومة العهد الأولى الواعدة بمؤشرات تشكيلها غير التقليدية، وأنّ معالجة أزمة الكهرباء المزمنة وردت ضمن تطلّعات العهد وأولوياته، فقد وجدنا من المناسب تسليط الضوء مجدّداً على أسباب العتمة وإعادة طرح اقتراحاتنا لمعالجة هذه الأزمة التي تستنزف قدرات المواطن والاقتصاد بمختلف قطاعاته، لعلنا نساهم في تحويل خطاب القَسَم إلى فرصة جدّية لتحقيق الإصلاح والنهوض واستعادة الثقة، التي تشكّل كلمة سرّ تحرير مؤسسات الدولة من الفساد، وتحقيق النمو وإعادة لبنان إلى سكة الانفتاح على العالم، والتعاون مع القطاع الخاص في إطار المنافسة الجدّية والواسعة، باعتباره بات مدخلاً رئيسياً للنهوض والنمو وعودة الازدهار.
خارطة الطريق لمعالجة أزمة الكهرباء:
واضح أنّه ليس لدى الحكومة ترف الوقت لانتظار تعديل قانون قطاع الكهرباء وتعيين الهيئة الناظمة المنشأة بموجبه، وأنّ عدم توفّر المعلومات الصحيحة والموثوقة حول واقع قطاع الكهرباء، بمختلف مكوّناته، كان على رأس أسباب فشل محاولات الحكومات السابقة وخططها لمعالجة أزمة الكهرباء المزمنة؛ وهذا ثابت لدينا من خلال تواصلنا المباشر مع كبار المسؤولين في الدولة وفي لجنة الأشغال والطاقة في مجلس النواب على مدى سنوات؛
وحيث أنّ النهوض بقطاع الكهرباء يستحيل في ظل هذا النقص الحاد والشغور على مستوى الوظائف القيادية في وزارة الطاقة والمياه وفي مؤسسة كهرباء لبنان، فلتكن البداية من تعيين لجنة استشارية لقطاع الكهرباء من قدامى مديري وقياديّي كهرباء لبنان المتميّزين بنظافة الكف وبالخبرة التي ساهمت في نهوض المؤسسة وازدهارها، تقترح على مجلس الوزراء السبل المفيدة في تصويب أداء المؤسسة وتعينه في التعرّف على حقيقة مختلف أوضاع المؤسسة المالية والإدارية والفنية، وتقدّم له النصح حول سبل وقف الهدر والفساد المستشري فيها؛
نعرض في ما يلي خارطة الطريق التي نراها مناسبة لترجمة الخطة الإصلاحية لخطاب القَسَم، وفق تسلسل أولوياتها:
– ملء الشواغر في وزارة الطاقة والمياه على مستوى المديريات العامة والمديريات والمصالح التابعة لها: المديرية العامة للاستثمار المعنية بالرقابة والوصاية على كهرباء لبنان وامتيازات الكهرباء ومؤسسات المياه، والمديرية العامة للموارد المائية والكهربائية المعنية بتنفيذ بعض أشغال محطات التحويل والشبكات، والمديرية العامة للنفط المعنية بدمج منشآت النفط وتأمين حاجة السوق من المحروقات ومنح تراخيص استيرادها.
– تأهيل المبنى المركزي للمؤسسة وإعادة بناء مركز التحكّم.
– تعزيز أوضاع مؤسسة كهرباء لبنان: من خلال ملء الشواغر في مجلس إدارتها رئيساً جديداً وأعضاء، وتعيين مدراء أصيلين للمديريات الملحوظة في هيكليتها.