مرة جديدة، يقف لبنان أمام امتحان مالي صعب يعكس مدى هشاشة مؤسساته ونظامه السياسي والمالي معاً. إنها اللائحة الرمادية التي باتت تهدد البلاد، ويؤجَّل استحقاقها نتيجة تمديد المهل.
الى تشرين الأول 2024، هو الموعد الذي حدّد كي يمتثل لبنان لمعايير مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وهي المعايير التي وضعتها مجموعة العمل المالي (فاتف).
فما الإصلاحات المطلوبة لإبعاد لبنان عن اللائحة؟ وما العوائق أمام تنفيذها؟
ينطلق مدير “المعهد اللبناني لدراسة السوق” الخبير الاقتصادي الدكتور باتريك مارديني من سلّة إصلاحات طويلة، يبدو الطريق إليها لا يزال شاقاً.
إصلاحات 11
هي لائحة تطول من الإصلاحات تأتي كلها تحت عنوان عريض: “مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب”، يعدّدها مارديني لـ”النهار” كالآتي:
” – مراقبة تطبيق المخاطر لتجّار الأحجار الكريمة، إذ إن الإجراءات التي فُرضت على المصارف ينبغي أن تتوسّع لتطال هؤلاء التجار، لأن الجزء الكبير من الاقتصاد اليوم يتم عبر “الكاش“، وثمة أعداد كبيرة من الناس لا تودع الأموال في المصارف بل عبر شراء الأحجار الكريمة، وهناك جزء منهم يستغل هذا الموضوع لتبيض الأموال وتمويل الإرهاب.
– تخفيف الفساد في القطاع العام، وتحديداً عبر الصفقات العمومية التي يمكن أن تتم داخل الحكومة عبر التلزيمات، وفي المقابل فرض مراعاة قانون أصول الشراء العام.
– تنفيذ مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب في القطاع المالي غير المنظم الذي نشأ بعد انهيار القطاع المصرفي.
– تدريب الجمارك وموظفي الضرائب والمالية لاستعمال المعلومات بفاعلية وتتبّع عمليات غسل الأموال وإجراء التحقيقات اللازمة.
– إنشاء نظام مركزي للبيانات عند النيابة العامة التمييزية والأجهزة الأمنية لتسهيل مراجعات الشكاوى التي لها علاقة بغسل الأموال بهدف التمكين من تجميع الأدلة.
– تفعيل قانون الصندوق الوطني لإدارة واستثمار الأصول المستردّة من جرائم الفساد، أي تفعيل قانون استرداد الأموال المنهوبة.
– التعاون الدولي لناحية تتبع الأصول واستردادها وغسل الأموال وتمويل الإرهاب.
– مكافحة المخدرات ويتم التشديد كثيراً على هذه النقطة.
– تمكين المديرية العامة للمخابرات وشعبة المعلومات من الوصول الى المعلومات المالية في الوقت المناسب لتعزيز التحقيقات المالية.
– توعية كتّاب العدل وشركات الصيرفة والوكلاء العقاريين في موضوع غسل الأموال وتمويل الإرهاب الذي يمكن أن يكون مرتبطاً بأنشطتهم، والإشراف على أنشطة المحاسبين وإعادة تقويمها للتأكد من امتثالها لقواعد ومتطلبات مكافحة غسل الأموال.
– امتثال المؤسسات المالية وغير المالية للعقوبات المالية إذا فرضت، وفرض العقوبات عند انتهاك القوانين”.
أكثر من واضح. هكذا، تحدثت مجموعة العمل المالي، في تقويمها لعام 2023، عن أنّ لبنان مقصّر كثيراً في الشق الإصلاحي، فمنحته مهلة إضافية من أجل تحسين وضعه حتى خريف الـ2024.
عوائق وحصار
ولكن، إن لم ينجح لبنان، فستكون أمامه اللائحة الرمادية مجدداً. فأيّ مفاعيل لتلك الخطوة؟
باختصار، هي تداعيات خطيرة على مجمل القطاع المالي المنهار أصلاً، إذ إن المفاعيل قد تُختصر بابتعاد لبنان حصراً عن النظام المالي العالمي، بحيث لا تعود المصارف والمؤسّسات المالية اللبنانية قادرة على التعامل مع النظام المالي العالمي، لناحية التحويلات وغيرها، مما سيفاقم حتماً الأزمات المالية، ويؤثر على أي عملية استثمار ممكنة في البلاد.
وربما هذا ما يفسر بعض الخطوات التي يسارع مصرف لبنان والحاكم بالإنابة وسيم منصوري الى اتخاذها لإبعاد “اللائحة الرمادية”، وهو ما فعله مراراً، ونجح في تمديد المهل، اذ أصدر مصرف لبنان تعاميم أساسية، مثل التعميم الرقم 165 و168، من أجل الامتثال للمعايير الدولية وتحقيق قدر أكبر من الشفافية في القطاع المصرفي.
فحوى هذه التعاميم إجبار المصارف على تقديم تقارير عن هيكلية الملكية والإدارة، فضلاً عن تعزيز الرقابة على العمليات المالية وتطبيق إجراءات مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
والسؤال: ما عوائق هذه اللائحة التي يبتعد لبنان عن تنفيذها؟
يجيب مارديني: “هي مجموعة من العوامل التشريعية والتنفيذية والإدراية، بحيث إن جزءاً من هذه الإصلاحات يُفترض أن تتم على شكل قوانين مصدّقة داخل مجلس النواب، على أن يتبعها مسار تنفيذي واضح من الحكومة، إذ هناك رابط قوي بين السلطتين التشريعية والتنفيذية في هذا المجال، لأنه ما نفع الإطار القانوني إن لم يطبق. وثمة جزء من اللائحة يُفترض أن يصدر على شكل تعاميم وزارية أو من مصرف لبنان، وهناك شق ثالث يتعلق بالتدريب والتجهيز الإداري”.
حتى اللحظة، لم يحدث لبنان الرسمي أي خرق في جدار الإصلاحات المطلوبة، فلا مجلس النواب نجح في إقرار كل القوانين الإصلاحية المطلوبة، لا بل هو غارق في الجمود، ولا مجلس الوزراء يستطيع أن يتجاوز حدود تصريف الأعمال، فيما البلاد تغرق في فراغ رئاسي يدخل عامه الثاني، ويترك ارتداداته السلبية على كل المؤسسات.
كل هذه العوائق السياسية تنعكس حتماً على الشق الاقتصادي – المالي، وأوله تنفيذ سلّة الإصلاحات… والى أن تحين الساعة، يبدو أن لا نية جدية للإصلاح، و”اللون الأبيض” لن يدركه لبنان قريباً وستبقى “اللائحة الرمادية” فوق رؤوس المؤسسات… والنظام ككل.