لا تزال أزمة الكهرباء في لبنان مستمرة، بانتظار وصول شحنة الفيول الجزائري، فيما تسود شكوك حول نوعية الفيول الجزائري كونه قد لا يكون صالحاً لتشغيل معامل الكهرباء اللبنانية.
وشرح وزير الطاقة وليد فياض هذه المسألة في حديث تلفزيوني، حيث اعتبر أن نوعية الفيول الجزائري تختلف عن المستخدم في لبنان، وبالتالي من المتوقع أن يتم استبداله عبر عملية مبادلة كما يحصل مع الفيول العراقي، لكن ذلك يتوقف على نتائج الفحوصات التي ستخضع لها الشحنة فور وصولها إلى لبنان.
وغادرت سفينة إينكر ميناء سكيكدة الجزائري من أجل شحن 30 ألف طن من مادة “الفيول وإرسالها إلى لبنان، وذلك تجسيدا لتعليمات رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، الذي أمر بإمداد لبنان بالكميات اللازمة من مادة الفيول من أجل تشغيل محطات الكهرباء وإعادة التيار الكهربائي في البلاد”.
بموازاة ذلك، انطلقت التحقيقات في أزمة الكهرباء بلبنان إثر الكتاب الرسمي الذي حوّله رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي لهيئة التفتيش المركزي، بحيث استمع النائب العام التمييزي القاضي جمال الحجّار يوم الأربعاء إلى إفادتَي وزير الطاقة والمياه وليد فياض ورئيس مجلس الإدارة في مؤسسة الكهرباء كمال حايك، على أن تكرّ سُبحة جلسات الاستماع لتطاول أطرافاً أخرى بهدف تحديد المسؤوليات عن العتمة الشاملة التي ضربت البلاد السبت الماضي.
وبعدما قدّم ميقاتي إخباراً إلى النيابة العامة التمييزية في موضوع أزمة انقطاع التيار الكهربائي بشكل تام عن مختلف المناطق اللبنانية قبل أيام، وبناء على قرار النائب العام التمييزي القاضي جمال الحجار، انتقل القاضي الحجار إلى السرايا اليوم، واستمع إلى رئيس الحكومة في موضوع الإخبار المذكور.
هذا وانقطعت الكهرباء في جميع أنحاء لبنان يوم السبت الماضي، بما في ذلك المطار ومرفأ العاصمة بيروت والسجون ومرافق الصرف الصحي وضخ مياه الشرب، بعد خروج آخر مجموعة وحدات إنتاجية في معمل الزهراني عن الخدمة من جرّاء نفاد الوقود المشغل لها، ما أدى إلى توقف التغذية بالتيار الكهربائي كلياً، إلى أن أعلنت الجزائر مساء الأحد المبادرة إلى تزويد لبنان بالنفط ومساعدته تالياً في تجاوز الأزمة، علماً أن تجربة سابقة كانت غير ناجحة مع شركة “سوناطراك” الجزائرية، وصلت إلى القضاء.
تحقيقات في أزمة الكهرباء
وقال مصدرٌ قضائي لـ”العربي الجديد”، إنّ “التحقيقات في الانقطاع التام للكهرباء ستستكمل حتى النهاية، لتحديد المسؤوليات، والأسباب التي أدت إلى أزمة يوم السبت”، لافتاً إلى أنّ “جلستي الاستماع مع حايك وفياض سارتا بشكل جيّد، وكل شخص قدّم ما لديه من مستندات ومعلومات، على أن تستكمل التحقيقات في جلسات لاحقة”.
وذكر ميقاتي في كتابه أن “تقصيراً ظهر بعدم دعوة مجلس إدارة مؤسسة كهرباء لبنان للانعقاد، ما أدى إلى وقوع أزمة كان من الممكن تفاديها ما يقتضي معه مساءلة المسؤولين عنها منعاً لتكرارها بعدما وضعت الحكومة مسألة الكهرباء ضمن أولويات خطة الطوارئ لديها”، لافتاً إلى أن مجلس إدارة المؤسسة لم ينعقد بسبب غياب المدير العام لا بل قطع التواصل مع الجميع ولم يفوّض أيًّا من أعضاء المجلس بالصلاحيات ولا سيما المالية منها.
وتطلّ أزمة الكهرباء في لبنان برأسها كلّ فترة، لتغرق مرافق الدولة والإدارات والمؤسسات العامة بالدرجة الأولى بعتمةٍ شاملة، وذلك على الرغم من خطة الطوارئ التي وضعتها وزارة الطاقة، ورفعت بنتيجتها التعرفة أضعافاً بما أرهق المواطنين مالياً، هم الذين يتكبّدون في الوقت نفسه فاتورة باهظة جداً للمولدات الخاصة.
ويرى غسان بيضون مدير عام الاستثمار السابق في وزارة الطاقة والمياه، والخبير في المعهد اللبناني لدراسات السوق، في حديثه لـ”العربي الجديد”، أنّ “المبادرة الجزائرية مشكورة، فيما يجب تطوير وتحصين آلية التزوّد بالفيول من الفساد لتأمين مصدر للمحروقات التي تحتاجها معامل الكهرباء الصالحة في لبنان يكون دائماً ومستقراً وموثوقاً به وآمناً من الغش وصالحاً للاستخدام من دون ضرر يلحق بمجموعات التوليد، ولكن هذا رغم أهميته لا يكفي لمعالجة أزمة الكهرباء في لبنان وتكرار الوصول إلى حافة العتمة الشاملة من فترة إلى أخرى والتي باتت تتكرر على مدى أيام وأسابيع قليلة، فهناك نسبة هدر عالية على مستوى الكهرباء التي تنتجها المؤسسة وتضعها على الشبكة، والذي يبلغ حالياً حسب اعتراف المؤسسة على الأقل 58% ويحتمل أن تكون أعلى، ويعود ذلك إلى الاستمداد غير الشرعي للطاقة”.
ويرى أنه “في حال توفرت هذه الشروط على الحكومة أن تعيد النظر بالتعرفة الحالية، كي لا يشكل النفط الجزائري غطاءً لاستمرار الهدر والنهب والفساد، يستفيد منه لصوص الطاقة على حساب المواطن الملتزم باستمداد الكهرباء عبر عداده النظامي، ويجب ألا ننسى أن أصحاب المولدات هم من المستفيدين ولكن ذلك كان نتيجة تقصير المؤسسة والدولة والحكومة والوزارة عن تأمين الكهرباء للمواطن والاقتصاد بمختلف قطاعاته بتكلفة خالية من الهدر والفساد، ولم يكن هو السبب”.
ويشدد بيضون على أن “لبنان يجب أن يستفيد من فرصة العرض الجزائري ويحصّن الاتفاقية مع العراق بناءً على تجارب الماضي وإشكالاته وأخطائه والثغرات التي يمكن أن تكون سمحت بتسلل الفساد إلى عقد سوناطراك واتفاقية النفط العراق، وذلك لضمان تأمين مصدر للمحروقات يكون آمناً ومستداماً وموثوقاً به، وذلك لعدم تكرار حدوث الأزمة، والتي تستمرّ في ظلّ اعتماد النهج نفسه والأسلوب ذاته بطريقة الإدارة السيئة جداً”.
ويلفت إلى أن “الأزمة ستستمرّ طالما أن الأشخاص لا يزالون أنفسهم والتفكير ذاته يحكم الوزارة وكذلك النهج نفسه يؤثر على الحكومة التي تتخذ قراراتها خلافاً للعقل والحقيقة والواقع ودون النظر إلى المعلومات الأكيدة والصحيحة، ودون طلب بيانات أو تقارير مالية تبيّن بوضوح وضعية المؤسسة ونتائج تنفيذ رفع التعرفة الذي فشل فشلاً ذريعاً ولا سيما على المستوى المالي”.
ارتفاع التعرفة
ويشير بيضون إلى أنّ “مصادر تمويل الكهرباء هي حالياً خزينة الدولة، وكان هناك اتفاق على أن تؤمن الحكومة ثمن النفط العراقي وهذه خدعة وغش ومخالفة للقانون، وهنا نشأ الخلاف مع مصرف لبنان الذي لا يقبل بتغطية ثمن الفيول العراقي أو أن يدفع ليرة على حساب الدولة اللبنانية من دون قانون صادر عن مجلس النواب، وبالتالي فإن التزام الحكومة بتسديد ثمن النفط العراقي اليوم لا يسري على المصرف المركزي”.
في الإطار، يقول الباحث في المعهد اللبناني لدراسات السوق خالد أبو شقرا لـ”العربي الجديد” إنّ “أسباباً عدّة ساهمت باستمرار أزمة الكهرباء على الرغم من رفع التعرفة بأكثر من 160 ضعفاً، أهمها يتمثل في أنّ نسبة الهدر بكهرباء لبنان تصل إلى 50%، الهدر الفني لناحية تقادم الشبكات وفقدان الكهرباء جزء من قدرتها على الشبكة، والهدر غير الفني من خلال التعليق على الخطوط والامتناع عن سداد الفواتير والسرقة، كما أن الفوترة من قبل شركات مقدّمي الخدمات، وعددها أربع، متأخرة في مناطق كثيرة لمدة سنة”.
ومن الأسباب أيضاً أنّ “خطة الطوارئ الطاقوية التي وضعتها وزارة الطاقة والمياه كانت تشترط ضمن بنودها على أن تدفع الدولة اللبنانية نحو 200 مليون دولار عن المؤسسات والإدارات العامة التي تستهلك الكهرباء، وهذا الرقم يُعدّ كبيراً، وقد تخلّفت الدولة عن تنفيذ هذا الموجب”.
ويضيف أبو شقرا: “1% من مشتركي الكهرباء أي حوالي 25 إلى 30 ألف مشترك عمدوا إلى إلغاء اشتراكاتهم نهائياً، وهذا الرقم كبير، وبالتالي فإنّ تقريباً ثلث الشعب اللبناني ينتج الكهرباء الخاصة به بالطاقة الشمسية، بدليل تركيب بقدرة ألف ميغاواط من أصل حاجة لبنان التي تتراوح بين 3500 و4000 ميغاواط، أي أنّ الكثير من الناس لا يستهلكون الكهرباء”.
وحول خطة استيراد الكهرباء من الأردن والغاز من مصر، يقول أبو شقرا إنّ “أهمية الاقتراح تتمثل بأن الغاز يُعتبر أرخص من الفيول أويل الذي يستورده لبنان، وهو بيئي وأخف تلوثاً، وهناك إمكانية، كما أن ضمن الاقتراح أن نستورد الكهرباء من الأردن بمقدار تقريباً 250 إلى 300 ميغاواط، إلّا أنّ الحلّين ووجِها بقانون قيصر وخوف الأردن ومصر من تعرّضها للعقوبات الأميركية، علماً أنّ المدة القانونية لسريان القانون انتهت بيد أن الولايات المتحدة لم تعلن رفع الحظر”.