تعود جذور مشكلة الكهرباء في لبنان إلى عقود مضت. يعاني لبنان، رغم تقدمه النسبي، من انقطاع شبه دائم للكهرباء، بينما تتمتع دول أقل تطوراً بخدمة كهربائية مستمرة. بدأت المشكلة خلال الحرب الأهلية اللبنانية عام 1975، حيث تضررت البنية التحتية للكهرباء بشكل كبير.
وضعت الحكومة بعد انتهاء الحرب خطة لإعادة تأهيل قطاع الكهرباء. شملت الخطة بناء معملين للإنتاج في دير عمار والزهراني بقدرة 900 ميغاواط. رفعت الحكومة التعرفة وحققت توازناً مالياً للمؤسسة، مما أدى إلى تحسن في التغذية الكهربائية. أهملت السلطات تعيين الهيئة الناظمة للقطاع، التي كان من المفترض أن تضع الخطط والمعايير لتطوير القطاع وتنظيم الشراكة مع القطاع الخاص.
استشرى الفساد وساءت إدارة قطاع الكهرباء. أنفقت الدولة ما يقارب 40-45 مليار دولار على مدى العقدين الماضيين دون تحقيق نتائج ملموسة. كلفت قضية البواخر الدولة اللبنانية مليارات الدولارات دون حل المشكلة بشكل جذري.
فشلت الحكومات المتعاقبة والوزارات المعنية في معالجة الأزمة بشكل فعال. غابت المحاسبة والرقابة الفعالة. تضاربت الصلاحيات بين وزارة الطاقة ومؤسسة كهرباء لبنان، مما عقد عملية اتخاذ القرار وتنفيذ الإصلاحات.
تعاني الدولة من مشكلة الجباية والفوترة. تفقد الدولة حوالي 60% من الكهرباء المنتجة بسبب السرقات والتعديات على الشبكة. انتقد المواطنون التعرفة الجديدة التي فرضت مؤخراً، معتبرين أنها غير مدروسة وتثقل كاهلهم في ظل الأزمة الاقتصادية الحالية.
أثارت مبادرة استيراد الفيول من العراق الجدل. بدت في البداية كهبة، لكن تبين لاحقاً أنها صفقة تجارية مع بعض التسهيلات. تساءل المراقبون عن آلية الدفع وإمكانية وجود فساد في هذه العملية، خاصة مع وجود اعتراضات من هيئة الشراء العام.
تتطلب معالجة المشكلة إرادة سياسية حقيقية للإصلاح ومحاسبة المسؤولين عن الفساد وسوء الإدارة. يحتاج الحل إلى رؤية شاملة وخطة متكاملة لإصلاح القطاع، تشمل تحديث البنية التحتية، تحسين الجباية، مكافحة السرقات، وتنظيم الشراكة مع القطاع الخاص.
تعكس أزمة الكهرباء في لبنان أزمة أعمق في النظام السياسي والإداري للبلد. تتطلب معالجة الأزمة إصلاحات جذرية تشمل تعزيز الشفافية والمساءلة، وتفعيل دور الأجهزة الرقابية، وتعزيز استقلالية القضاء لمحاسبة المتورطين في قضايا الفساد.
يتطلب حل أزمة الكهرباء في لبنان عملية إصلاح شاملة للدولة اللبنانية. تحتاج هذه العملية إلى تضافر جهود جميع الأطراف المعنية، من حكومة ومجلس نيابي ومجتمع مدني، للخروج من هذه الأزمة المستعصية التي تؤثر بشكل مباشر على حياة المواطنين وعلى الاقتصاد اللبناني ككل.