ان الحل الذي أقره مجلس الوزراء اليوم على عجل لتأمين المحروقات لكهرباء لبنان من “السوق المحلي” ليس مستداماً، ولن يحول دون تكرار الوصول إلى هذا الوضع من نفاذ مخزون المحروقات لدى كهرباء لبنان، والذي سوف يبقى المستدام الأكيد والوحيد، ما دام النهج هو نفسه الذي يحكم ويدير المؤسسة والوزارة والقطاع.
إن تأمين المحروقات لـ كهرباء لبنان بصيغة مستقرة ومستدامة مشكلة مزمنة، برغم أهميته والفائدة منه. وكانت هناك محاولة مع الجزائر لتأمين هذي الاستدامة والاستقرار، وقد نجحت لسنوات ولكن سرعان ما تسلل إليها الفساد من ثغرة أتاحها العقد ويسمح بتأمين المحروقات من خارج موانئ الجزائر في بعض الحالات، وقد شهدنا ما شهدناه من فصول الفيول المغشوش وملفاته القضائية التي لم نعرف نهايتها؛
بات أكيداً أن القيمين على وزارة الطاقة والمؤسسة فد أساءوا الإدارة وفشلوا، وثبتت عدم جديتهم في وضع أسس وآلية واضحة لمعالجة المشكلة، أقله من خلال التنسيق بين جميع الأطراف المعنية بأية عملية استيراد؛ لذلك يتكرر الوقوع في المأزق نفسه؛ ونرى ان الحلول تكون دائماً ارتجالية وترقيعية، ولأيام معدودة نعود بعدها إلى حيث كنا قريباً من العتمة الشاملة؛ هذه النغمة التي اعتدنا سماعها والتهديد بها في بيانات المؤسسة وتصاريح وزير الطاقة، وسئمنا من التذرع بقيود مصرف لبنان وبحصار وهمي يشعون به، وبالعرقلة لتمرير معالجات مخالفة للقانون تحت التهويل بوقف سير المرافق العامة؛
لفتني استخدام وزير الإعلام في تصريحه اليوم عبارة “الفيول” وشركة كهرباء لبنان” بينما هي مؤسسة، وما تحتاج إليه اليوم هو الـ “غاز أويل” لتشغيل معملي دير عمار والزهراني، للعودة إلى تغذية لا تغني ولا تنقذ من عتمة، وهناك معلومات تؤكد أن الفيول متوفر في معملي الذوق والجية الجديدين المتوقفين عن العمل حالياً، وبناءً عليه أخشى ان يتعذر علي إعطاء تعليق يكون أكيداً نظراً لعدم دقة التصريح؛
يثير جواب وزير الإعلام حول مصير الكهرباء ملاحظتين هما:
أولاً ان المعالجة تقتصر على جزء من حاجة المؤسسة إلى محروقات ولا يشمل كامل حاجة معامل المؤسسة؛
والثانية هي ان تكون المعالجة من خلال شراء “الفيول” من السوق اللبناني، وليس من الخارج؛
المعلومات المتاحة تفيد بأن معالجة إشكالية استئناف شحنات النفط العراقي الخام المستبدل بغاز اويل جاهز مؤجلة إلى آخر آب الجاري، برغم أو بفضل مساعي دولة رئيس الحكومة التي قام بها في زيارته الأخيرة إلى بغداد في محاولة لإعادة ترتيب العلاقة مع دولة العراق وبرمجة الشحنات والدفع بالمقابل؛
يفهم بالسوق المحلي منشآت النفط أو الشركات الخاصة التي تؤمن حاجة الصناعيين وبالدولار الفريش الذي يفترض ان يكون توفر لدى المؤسسة من حصيلة الجباية بالدولار؛ أما سبب أن تكون المعالجة جزئية ومن السوق المحلي فيمكن ان يعود إلى ضيق الوقت و/ أو عدم كفاية المخزون المتوفر حالياً في السوق المحلي أو الظروف الأمنية الراهنة وحالة الطوارئ الناتجة عنها، وتوجب تعزيز مخزون المحروقات على اختلاف أنواعها وليس التوسع في تلبية حاجة المؤسسة التي لا يمكن إشباعها منها، وبالتأكيد سوف يكون لتخصيص جزء من هذا المخزون لكهرباء لبنان في الظروف الحالية أثر سلبي واضح على جهود الحكومة وتدابيرها المتخذة في سبيل تأمين سير المرافق العامة الحيوية الأساسية في حال حصول حرب، وبالتالي سوف يكون هناك تأثير على كميات ومستوى الاحتياطي المفترض توفره في هذا السبيل.
كهرباء لبنان تحرم المواطن من أبسط حقوقه وحاجاته إلى الإنارة والتبريد في الصيف الحارّ كما في الشتاء البارد، وهي ما زالت تستنزف الخزينة من خلال مناورات الحكومة وتفاهماتها غير المعلنة مع الوزير المقاطع لجلساتها، وما زالت تعيق الاقتصاد بمختلف قطاعاته في السلم وفي الحرب. وقد لمسنا تأثيرها السلبي على الموسم السياحي “العابر مختصراً”؛ وربما يكون بات من الأفضل إقفال هذه المؤسسة بالشمع الأحمر مثل سد المسيلحة، رحمة بالعالمين بانتظار الفرج!