سياسة النقد تحت مجهر الظروف الداخلية والضغوط الدولية.. فهل تصمد؟

بعد مرور عام على توّلي وسيم منصوري مهام حاكمية مصرف لبنان، تمّكن من تحقيق بعض الاستقرار للليرة اللبنانية. فقد نجح في خفض كمية النقد المتداول من ثمانين تريليون إلى ستين تريليون ليرة. وساعد هذا التخفيض في استقرار سعر صرف الليرة مقابل الدولار الأمريكي.

كما جرّب منصوري التحكّم بالكتلة النقدية عن طريق رفض إقراض الحكومة اللبنانية سواء بالليرة اللبنانية أو بالدولار الأمريكي. ويُعتبر هذا الأمر استراتيجية حكيمة لضبط الكتلة النقدية والحفاظ على احتياطي العملات الأجنبية. ومن شأن هذه الخطوات أن تساعد على الحفاظ على استقرار سعر الصرف.

ومع ذلك، لا يمكن فصل موضوع الودائع عن موضوع الاستقرار النقدي. فالودائع في المصارف اللبنانية انخفضت إلى حوالي 90 مليار دولار أمريكي، بينما لا تتجاوز احتياطيات المصارف 10 مليارات دولار أمريكي. وهذا الفارق الكبير بين الودائع والاحتياطيات يشكل تحدياً كبيراً للقطاع المصرفي.

وبالتالي، لا بد من معالجة جذرية لمشكلة القطاع المصرفي وموضوع ودائع المواطنين. ويُطرح الحديث عن إعادة هيكلة القطاع المصرفي، ودمج بعض المصارف، والحديث عن إمكانية إجراء “هيركات” على الودائع. ولكن هذه الخطوات تواجه معارضة من قبل المصارف والمودعين على حد سواء.

كما أن غياب السلطة التنفيذية الفاعلة يُعرقل تنفيذ الإصلاحات اللازمة. فوجود حكومة قادرة على اتخاذ القرارات الصعبة والحصول على موافقة مجلس النواب عليها أمر ضروري لإنجاز الإصلاحات الاقتصادية. وكذلك دور رئاسة الجمهورية في وضع رؤية واضحة لمستقبل البلاد وامتلاك الجرأة اللازمة لتنفيذ الإصلاحات الضرورية.

وبالإضافة إلى ذلك، يتوجب على لبنان الالتزام بمعايير مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب الصادرة عن مجموعة العمل المالي الدولية. فعدم التعاون مع هذه الجهات الدولية، سواء من قبل القضاء أو الجمارك أو السياسيين، قد يؤدي إلى وضع لبنان على القائمة الرمادية. وهذا الأمر سيؤثر سلباً على التحويلات المالية والاستثمارات الأجنبية في لبنان، إضافة إلى ارتفاع تكلفة التعامل مع المؤسسات المالية الدولية.

ومن أجل استعادة عافية النظام المالي في لبنان، لا بد من اتخاذ خطوات جذرية. أولاً، فصل الدولار القديم عن الدولار الجديد وإعادة ضخ السيولة في القطاع المصرفي من خلال السماح للمصارف باستقطاب ودائع بالدولار الجديد وتقديم قروض بالعملة نفسها. ثانياً، فتح باب المنافسة في القطاع المصرفي من خلال السماح لمصارف جديدة بالدخول إلى السوق اللبنانية. وأخيراً، معالجة مشكلة الدولار القديم بطريقة عادلة تراعي مصالح المودعين والمصارف على حد سواء. وإذا نُفذت هذه الإصلاحات بشكل جدي، سيكون بإمكان النظام المالي اللبناني أن يستعيد عافيته وينطلق من جديد.

اضغط هنا لمشاهدة المقابلة على موقع راديو اهدن