هل من دور للبلديات في تلبية حاجة المواطنين من الكهرباء النظيفة؟

الكهرباء

بعد سقوط الدولة المتمثلة بوزارة الطاقة والمياه ومؤسسة كهرباء لبنان، في تجارب معالجة أزمة الكهرباء العديدة، وفشل مسلسل خططهما التي انتهت برفع التعرفة دون تأمين التغذية الموعودة على ضآلتها، والتي زادت أعباء المواطن العاجز عن تحمل أية أعباء تضاف إلى أعبائه الثقيلة، وظهور بوادر عجز موازنات إدارات الدولة ومؤسساتها عن توفير الاعتمادات غير المتوقعة اللازمة لتغطية فواتير الكهرباء اعتباراً من تشرين الثاني 2022 . 

تتجه الأنظار اليوم نحو البلديات بحثاً عن دور ممكن لها في تلبية حاجة المواطنين من الكهرباء. وبالعودة إلى مراحل تطور الإطار القانوني لقطاع إنتاج وتوزيع الطاقة في لبنان، ولقانون البلديات، نجد فيهما مؤشرات حول دور للبلديات والأهالي في مطالبة السلطات بتأمين الكهرباء للساكنين ضمن نطاقها والبلدات المجاورة، لا سيما أيام الحكم العثماني والانتداب الفرنسي، الذي سبق مرحلة الاستقلال، وبعده حتى اليوم، حيث وجد اللبنانيون حلولاً لمشكلة الكهرباء بمبادرات فردية، بدأت مكلفةً من خلال المولدات الخاصة، وتحّولت باتجاه الطاقة الشمسية الأقل تكلفة وحاجة للتمويل والأسرع تنفيذاً، 

مرّ الإطار القانوني لقطاع إنتاج وتوزيع الكهرباء في لبنان بثلاث مراحل، بدأت بنظام الامتيازات، الذي كرسته المادة 89 من الدستور، وقضت بعدم جواز منح أي التزام أو امتياز لاستغلال مورد من موارد ثروة البلاد الطبيعية أو مصلحة ذات منفعة عامة أو أي احتكار إلا بموجب قانون والى زمن محدود. وقد انتهت هذه المرحلة بإنشاء مؤسسة كهرباء بموجب قانون احتكاري حصر بها استثمار إنتاج ونقل وتوزيع الطاقة الكهربائية. أما المرحلة الثالثة فقد انطلقت بعد إعادة النهوض بقطاع الكهرباء أواخر التسعينات، وإقرار الحكومة التوجه نحو التعاون مع القطاع الخاص في تأمين استمرارية المرافق العامة.

وقد تكرّس هذا التوجه في قطاع الكهرباء بإقرار قانون تنظيم قطاع الكهرباء رقم 462/ 2002، بهدف تأمين تغطية الزيادة المرتقبة على طلب الطاقة الكهربائية بالتعاون مع القطاع الخاص، مع انتهاء تنفيذ مرحلة إعادة الإعمار، والذي بقي معلقاً على تعيين الهيئة الناظمة، التي تخلى لها المشترع عن صلاحيته الدستورية في منح التراخيص وأذونات إنتاج وتوزيع الطاقة.

قبل إنشاء مؤسسة كهرباء لبنان عام 1964، كان يتم تأمين إنتاج وتوزيع الكهرباء من خلال نظام “امتيازات الكهرباء”. وكان ذلك لأول مرة عام 1910، بموجب فرمان سلطاني عثماني منح الأرشمندريت يعقوب الرياشي ويوسف بك البريدي امتيازاً لإنتاج الطاقة الكهربائية وتوزيعها في مدينة زحلة والجوار، بعدما جهَّز عدد من أهالي زحلة مولداً كهربائياً داخل طاحونة في وادي العرايش، مستعملين مياه نبع البردوني، فأناروا مدينة زحلة بتيار كهربائي قوة 220 فولت.  ثم أُلغيَ هذا الامتياز من قبل المفوَّض السامي الفرنسي الجنرال ويغان وجرى وضع عقد جديد عام 1923، وتم تحديد القرى المجاورة لزحلة، الداخلة ضمن نطاق الامتياز، ومدِّها بالطاقة الكهربائية. وقد تلا ذلك منح خمسة امتيازات كهربائية تحت إسم “القاديشا”، في تواريخ متتالية.

مرحلة إنشاء مؤسسة كهرباء لبنان:

بتاريخ 10 تموز 1964، صدر قانون إنشاء مؤسسة كهرباء لبنان بالمرسوم 16878، وعهد إلى مصلحة كهرباء لبنان بإنتاج وتوزيع ونقل الطاقة الكهربائية في جميع الأراضي اللبنانية، وحوّل إليها أملاك وحقوق وموجبات المصالح المستقلة الأخرى التي تتعاطى استثمار وتوزيع الطاقة على العموم، والأملاك العائدة للامتيازات أو رخص إنتاج ونقل وتوزيع الطاقة الكهربائية عند انتهاء مدتها أو استردادها أو إلغائها، وأملاك الإدارات البلدية الخاصة بتوزيع الطاقة الكهربائية التي يتقرر إلغاؤها، والمنشآت إنتاج ونقل وتوزيع الطاقة الكهربائية المنفذة أو التي يتنفذ من المديرية المختصة لدى وزارة الأشغال ومجلس تنفيذ المشاريع الإنشائية.  وقد أوجب هذا القانون على مصلحة كهرباء لبنان أن تأخذ على عاتقها الإنشاءات المحوّلة وتؤمن سير العمل فيها منذ تاريخ التحويل

       قانون تنظيم قطاع الكهرباء رقم 462 تاريخ 2/9/2002

في المادة الثانية منه،حدد القواعد والمبادىء والأسس التي ترعى قطاع الكهرباء وقواعد تحويله أو تحويل إدارته كلياً أو جزئياً إلى القطاع الخاص. وفي المادة الثالثة، أقرّ مبدأ إستقلالية كل من نشاطات إنتاج ونقل وتوزيع الكهرباء. وفي المادة الخامسة، حدد أصول الخصخصة بالنسبة إلى التجهيزات والمنشآت الموجودة، وصلاحيات المجلس في اقتراح خصخصة كل أو بعض النشاطات أو تجهيزات الإنتاج والتوزيع، عن طريق مزايدة أو مناقصة عمومية وفق أصول معينىة وفي إعطاء التراخيص لمدة أقصاها خمسون سنة عن طريق إجراء مناقصات عامة واستدراجات عروض للإنتاج بحسب القدرة وللتوزيع في مناطق يتجاوز فيها عدد مستهلكي الطاقة الخمسين ألفاً.

قانون إنتاج الطاقة المتجددة الموزعة

    بعد سنوات من انتظار تحقيق “حلم” الشراكة مع القطاع الخاص وإصلاح نظام الكهرباء الذي لطالما طالبت به المؤسسات الدولية ووضعته شرطاً أساسياً لتعاونها، واعتبرت تعيين الهيئة الناظمة لقطاع الكهرباء أولوية بعد فشل تنفيذ مسلسل خطط الكهرباء التي أقرتها الحكومات المتعاقبة، والتي انتهت بانهيار مالية الدولة وإفلاس الخزينة نتيجة النزف الذي تسبب به دعم الكهرباء المتمادي بسلفات الخزينة،

وبعد تلزيم إنتاج الطاقة من الرياح خلال العام 2017، وبقاء تنفيذه معلّقاً على العثور على تمويل خارجي بات مستحيلاً اليوم، وبعدما منحت الحكومة، خلال العام 2022، تراخيص إنتاج لعدد من تجمع الشركات لإنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية، بناءً على استدراج نوايا كان أجراه وزير الطاقة خلال العام 2017 أيضاً، وبقي تنفيذها هي أيضاً معلقاً على إيجاد تمويل خارجي وباشر بعض أصحاب هذه التراخيص بعرضها للبيع.

أقرّ مجلس النواب مؤخراً قانون إنتاج الطاقة المتجددة الموزعة رقم 318/ 2023، وذلك بعد “مساومات” بين اللجان النيابية والحكومة انتهت بإسقاط المادة من المشروع التي تولي وزير الطاقة صلاحيات “الهيئة الناظمة” لحين تعيينها، وأدت إلى تعليق تطبيقه على تحقيق شروط شبه مستحيلة هي: تعيين الهيئة الناظمة، التي تعذر تعيينها على مدى 22 سنة، واستحداث مديرية للطاقة المتجددة في مؤسسة كهرباء لبنان المفلسة والعاجزة منذ سنوات عن تعيين مدراء مديرياتها بالأصالة، واشتراط ربط الاستثمارات الجديدة في الإنتاج بشبكة كهرباء لبنان وانتظار المستثمر استرداد أمواله الموظفة من المؤسسة العاجزة عن حماية شبكاتها والمفلسة مالياً،

ها نحن اليوم بصدد البحث عن دور للبلديات في إنتاج الطاقة الشمسية، وإطلاق حملة في هذا السبيل، ضمن واقع هذا الإطار القانوني، أو من خلال تطويره في ضوء الوقائع المستجدة وثبوت عجز الدولة ووزارة الطاقة ومؤسسة كهرباء لبنان وتعليق إمكانية تطوير قطاع الطاقة المتجددة وتطبيق قانون لإنتاج الطاقة المتجددة رقم ٣١٨/ ٢٠٢3،

 وفي ضوء تجارب الأمر الواقع، القديمة والحديثة، التي لطالما فرضت نفسها تحت تأثير الضغط الشعبي ومطالبة الأهالي، حتى الأمس القريب، حيث  صدر قانون كهرباء زحلة رقم 107/ 2018، الذي بنيت أسبابه الموجبة على “ضرورة الحفاظ على الوضع القائم” برغم عدم مشروعيته، وأدى تطبيقه إلى استمرار الشركة المذكورة، بإنتاج الكهرباء من مولداتها الخاصة، دون غيرها من أصحاب المولدات المنتشرة على جميع الأراضي اللبنانية، لسد عجز كهرباء لبنان والدولة ووزارة الطاقة عن تامين الكهرباء للمواطنين، نسأل:  ما الذي يمنع تحرك المجتمع المدني وأهالي البلدات والمدن وتحرير العرائض لمطالبة بلدياتهم ونوابهم والحكومة وغيرهم من المعنيين بشؤون المواطن، بتأمين حقهم بالكهرباء بسعر معقول يتناسب مع قدراتهم الاقتصادية المتآكلة، وبالتحديد من الطاقة الشمسية بالتعاون مع القطاع الخاص، الذي يمكن أن يكون بينه أصحاب المولدات كمستثمرين يستعينون بأعمدة المؤسسة في مدّ شبكات توزيعهم الخاصة لإيصال الكهرباء إلى مشتركيهم بالملايين؟!

مدير عام الاستثمار السابق في وزارة الطاقة والمياه.خبير في المعهد اللبناني لدراسات السوق

اضغط هنا لقراءة المقال على موقع الحوار نيوز