يُعتبر إطلاق منصة بلومبرغ الشفافة لتسجيل عمليات العرض والطلب على الليرة اللبنانية مقابل الدولار الأمريكي خطوة إيجابية، حيث ستُمكّن من عكس سعر الصرف الحقيقي للعملة الوطنية بناءً على حركة قوى السوق الطبيعية. يجب أن تُرافق هذه المنصة إصلاحات هيكلية شاملة وخطة اقتصادية واضحة المعالم تستهدف استعادة الاستقرار المالي والنقدي وإعادة بناء الاحتياطيات من العملات الأجنبية.
ينبغي فصل السياسة النقدية التي يديرها مصرف لبنان المركزي عن السياسة المالية للحكومة بشكل قاطع. تتمثل المهمة الرئيسية للمصرف المركزي في الحفاظ على استقرار العملة الوطنية وزيادة احتياطي العملات الصعبة، وليس في تمويل النفقات العامة للدولة. تُغطى النفقات الحكومية كرواتب الموظفين وإعادة إعمار المناطق المتضررة عبر زيادة الإيرادات الضريبية وترشيد الإنفاق وجذب المساعدات والمنح الخارجية.
تؤدي ممارسة مصرف لبنان لضخ الليرات الجديدة لتمويل عجز الموازنة حتماً إلى مزيد من انهيار قيمة العملة الوطنية وتآكل ما تبقى من احتياطيات العملة الصعبة، وهو ما ستعكسه منصة بلومبرغ بشفافية. يضر هذا الأمر بشكل كبير بالمودعين في المصارف اللبنانية الذين لا يزالون يأملون في استرداد جزء من أموالهم المجمدة. يتعين على الحكومة اللبنانية اتخاذ الإجراءات الإصلاحية الجادة المطلوبة لاستعادة الثقة الدولية، والاستفادة من المساعدات الخارجية، وتنفيذ برنامج تقشفي صارم لإعادة التوازن إلى المالية العامة.
تشكل الاعتماد على مصرف لبنان لتمويل العجز بطباعة المزيد من الليرات خطأً فادحاً، بدلاً من اللجوء إلى هذه الممارسة الخطيرة التي ستتجلى آثارها السلبية على منصة بلومبرغ. يجب أن تركز الحكومة جهودها على تحصيل الإيرادات الضريبية المستحقة وتقليص الهدر والفساد في الإنفاق العام لسد العجز الحكومي. تعتبر هذه الخطوات ضرورية لإصلاح الوضع الاقتصادي والمالي المتردي في لبنان، وإعادة بناء الثقة لدى المواطنين والمستثمرين والمجتمع الدولي.
سيساعد تنفيذ إصلاحات جذرية وشفافة على استعادة الاستقرار وإطلاق العنان لإمكانات الاقتصاد اللبناني الكامنة. يجب على الحكومة العمل بجدية وعزم لمعالجة أسباب الأزمة المتعددة والمعقدة، بدلاً من اللجوء إلى الحلول القصيرة الأجل مثل طباعة المزيد من العملة الليرة. يتطلب ذلك الشجاعة السياسية والإرادة القوية للتغلب على المصالح الخاصة والضغوط الداخلية المعارضة للإصلاح.