استقبال المرحلة الأخيرة من الخطة المفترَض تنفيذها على 3 سنوات، يسبقه إجراء قطع حساب مع السنة الفائتة. وبحسب الخطّة، ستبدأ المؤسسة في العام 2023 “تحقيق الاستدامة المالية والخروج من تحت المياه الغارقة فيها”.
انقضى العام 2023 ولا تزال المؤسسة غارقة في مياهها، وأغرقَت معها المواطنين بفواتير ضخمة لم تؤدِّ الغرض من تعرفتها المرتفعة. واليوم، لا تملك الوزارة سبيلاً لتفسير العجز سوى استحضار شعار الحصار الخارجي، بعد استنفاد شعار العرقلة الداخلية. والثابت الوحيد هو التفكير داخل الصندوق وباستعمال الخطط نفسها. علماً أن هناك احتمالات أخرى يمكن الركون إليها لتحسين التغذية.
بين الداخل والخارج
تدرّجَت ذرائع عدم تحسين خدمات كهرباء لبنان، من العراقيل الداخلية إلى الخارجية. وانقسمت العراقيل الداخلية إلى مرحلتين، الأولى قبل العام 2019 والثانية بعده.
قبل الأزمة الاقتصادية وانهيار سعر صرف الليرة، كانت الذرائع عدم إقرار سلفات الخزينة التي تحتاجها كهرباء لبنان لشراء الفيول. علماً أن الوازرة حصلت على كل الموافقات المطلوبة قانونياً عبر مجلسيّ النواب والوزارء وجرت الموافقة على كل الخطط منذ العام 2010 حتى العام 2022. وجرى إقرار سلفات الخزينة. وبقي العجز على حاله.
بعد العام 2019 ظهرت نغمة البحث عن دولارات. حتى وافقَ مصرف لبنان على استبدال ليرات المؤسسة بالدولارات مع زيادة 20 بالمئة. الأمر الذي رتَّبَ أعباءً إضافية على فواتير اللبنانيين. وعجزت الوزارة والمؤسسة عن تحقيق الخطة الثلاثية، لأسباب جوهرية تتعلّق ببنية قطاع الكهرباء المهترئة، على المستويات المالية والإدارية والفنّية والتقنية. ومع ذلك، جرى القفز نحو خطط جديدة بمعطيات قديمة.
عادت الوزارة إلى إلقاء اللوم على الخارج بحجة وجود حصار على لبنان يمنعه من استجرار الكهرباء الأردنية والغاز المصري لزيادة ساعات التغذية. وهذه النغمة تعود جذورها إلى آذار 2022، إذ ينتظر البنك الدولي، قبل إعطاء قرض التمويل للبنان، حسم مسألة إعفاء الاستجرار من عقوبات قانون قيصر، إذ أن الكهرباء والغاز سيمرّان عبر سوريا. وحينها، اعتبرت وزارة الطاقة أن انتظار القرار الأميركي المتعلّق بالاعفاء، هو عرقلة لمسار حصول لبنان على قرض بقيمة 270 مليون دولار لتمويل الاستجرار. علماً أن لبنان لم يُنجِز شروط الإصلاح المطلوبة في القطاع، ومنها إجراء تدقيق مالي في مؤسسة الكهرباء، وتخفيض الهدر الفني ورفع التعديات على الشبكة وتحسين الجباية. وعلى العكس، لم تتخلّص كهرباء لبنان من التعديات، رغم إزالة بعضها عملاً بالخطة الأخيرة. كما أن الفوترة ما زالت متأخّرة، ما يقلِّص حجم الجباية.
ولا تجد مؤسسة كهرباء لبنان ما يُقال أمام هذا الواقع سوى ربطه بـ”الأزمة التي تمنع تطوير عمل المؤسسة. كما أن انهيار سعر الليرة أفقَدَ الجباية قيمتها أمام الدولار”، وفق ما تقوله مصادر في المؤسسة لـ”المدن”. أما أفق الحل، فهو “غير واضح حالياً في ظل استمرار الأزمة. والمؤسسة شأنها شأن باقي المؤسسات العامة التي تعاني في ظل هذا الظرف الصعب”. ومع ذلك “تحاول المؤسسة فعل ما بوسعها لتحسين أوضاعها. لكن إن لم يحصل تغيير شامل على مستوى الدولة، فلا تستطيع المؤسسة وحدها انتشال قطاع الكهرباء من أزمته”.
بشكل غير مباشر، تعيد المصادر توجيه النقاش إلى مساره الصحيح، أي نحو الدولة وإرادة التغيير داخلها، وهو أمر مفقود منذ ما قبل الأزمة وقبل الحاجة لاستجرار الكهرباء والغاز وانتظار التمويل الخارجي والاعفاءات الأميركية، أي قبل ما يُصَوَّر اليوم على أنه ضغوط خارجية.
مبادرات المغتربين
تحليل مسار قطاع الكهرباء والخطط المنسوخة بعضها عن بعض والموافقات القانونية والسلف المُقَرَّة على مدى سنوات، يُفضي برأي مدير عام الاستثمار السابق في وزارة الطاقة والمياه، ومحلّل سياسات الشراكة بين القطاعين العام والخاص في المركز اللبناني لدراسات السوق LIMS، غسان بيضون، إلى “استمرار البحث داخل الصندوق نفسه. في حين أن الظروف تغيَّرَت على المستوى الداخلي والخارجي. وذلك يستدعي تغيير آلية التفكير بحلٍّ لهذا القطاع”.
انتظار الحل من الخارج وسط التعقيدات السياسية والأمنية والاقتصادية التي تحيط بالمنطقة، هو “تكرار للأخطاء السابقة وإصرار على عدم تغيير طريقة التفكير داخل وزارة الطاقة ومؤسسة الكهرباء”، وهو ما يرفضه بيضون الذي يدعو في حديث لـ”المدن” إلى “التحرُّر من آلية التفكير القديمة والبحث في البدائل المتاحة ووفق المعطيات الموجودة، إذا كان هناك حصار أو أي عائق آخر. فلماذا يجب انتظار الكهرباء من الأردن أو الغاز من مصر أو قرارات البنك الدولي والسياسات الخارجية؟”.
ومن البدائل المتاحة “إعطاء البلديات حق إنتاج الكهرباء بالتعاون مع القطاع الخاص”. أما التمويل، فيكشف بيضون أن “هناك محاولات حالية لتشجيع متموّلين لبنانيين مغتربين للاستثمار في قطاع الكهرباء، عبر الشراكة مع القطاع الخاص”.
وهذا الملف وُضِعَ على طاولة البحث من خلال “النقاش مع عدد من المغتربين. وأبدى هؤلاء استعدادهم للدخول في استثمارات لانتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية، تحت سقف البلديات، لكن بشرط وجود أيادٍ نظيفة وأمينة تدير الملف”.
ما زال الملف عند نقطة البداية. لكنه بداية إيجابية طالما أن المغتربين يبدون استعداداً للاستثمار. وهنا، تأتي الخطوة الأساس في إعداد الأرضية القانونية والإدارية، وهي خطوة من مسؤولية الدولة اللبنانية، تحت وصاية وزارة الطاقة ومؤسسة كهرباء لبنان. فإقرار القوانين المطلوبة ووضع الآليات القانونية واستعمال شبكة مؤسسة الكهرباء لنقل الإنتاج من المولّدات إلى المستهلكين، هو جزء أساسي لا غنى عنه.
طالما أن المستثمرين يبحثون عن طريقة جديدة، على الدولة ملاقاتهم في منتصف الطريق وإيلاء الأهمية للتمويل والإمكانات الداخلية. وبهذا الطرح، تنتفي الحاجة إلى المشاريع المبهمة التي أطلقتها وزارة الطاقة سابقاً، ومنها التعاقد مع 11 شركة خاصة لانتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية، قبل إيجاد التمويل الذي تعترف الشركات بأنه مستحيل في ظل الظروف اللبنانية والإقليمية الراهنة.