تعديل قرار رفع تعرفة الكهرباء بين المكابرة والمناورة

الكهرباء

د. غسان بيضون (مدير عام الاستثمار السابق في وزارة الطاقة والمياه، ومحلّل سياسات الشراكة بين القطاعين العام والخاص في معهد LIMS):
بعد ربط النزاع حول قرار رفع تعرفة الكهرباء رقم 420 – 26/ 2022، تاريخ 2022/11/3، الذي طلبنا فيه إلغاء القرار الصادر عن مجلس إدارة مؤسسة كهرباء لبنان والمتعلق برفع تعرفة مبيع الكهرباء لتجاوز حد السلطة، ولمخالفته العديدة للقوانين والأنظمة المرعية الإجراء، وعلى رأسها مخالفه المادة ٥٧ من نظام مجلس شورى الدولة، التي توجب عرض هذه الفئة من مشاريع القرارات التنظيمية عليه لأخذ موافقته قبل إقرارها بصيغتها النهائية، وكذلك لبنائه على خطة طوارئ وقرارات لمجلس الوزراء ووزير الطاقة والمياه، ولعدم قانونية كل من بدل التأهيل والعشرين بالمئة المضافة على سعر صرف المنصة، ها هي كهرباء لبنان تلجأ إلى تعديل القرار المذكور، وعرض مشروع القرار التعديلي على مجلس شورى الدولة تحت عنوان “تعديل بعض القيم في الفاتورة الكهربائية”، فيما جاء البند الأول من مشروع الفرار بصيغة “الموافقة على تعديل التعرفة والبدلات والرسوم في فاتورة الطاقة الكهربائية، ….”، المحددة بموجب القرار رقم ٣٠٠ – ١٩/ ٢٠٢٢، تاريخ 2022/8/5، وفق الأسس المحددة في القرار رقم 420 – 26/ 2022، تاريخ 2022/11/3؛
وفيما شمل ربط النزاع استحداث بدل التأهيل غير المبرر والمخالف للقانون، ووجوب التمييز بين تعديل مكونات التعرفة، كإضافة بدل التأهيل على ثمن المقطوعية، وبين تعديل قيمة هذه المكونات؛ لم يتضمن التعديل المطروح إلغاء بدل التأهيل غير القانوني من أصله، بشكل مباشر وصريح، فقد استخدمت عبارة “يحسـم بدل التأهيل لكافة الاشتراكات…”، ليبدو وكأن هذا “البدل التأهيل” ما زال قائماً وإنما بقيمة صفر.
وبدلاً من إلغاء نسبة الـ 20 % التي كان أضافها قرار رفع التعرفة الأساسي على سعر المنصة، وأدى ذلك إلى أن يتجاوز سعر دولار الكهرباء سعر صرف الدولار في السوق، فقد تجنب قرار التعديل الإلغاء الصريح لهذه النسبة فاستخدم عبارة “على أن تحتسب هذه التعرفة والرسوم والبدلات بالليرة اللبنانية بحسب سعر الصرف د.أ / ل.ل الذي يحده مصرف لبنان، مبقيةً عبارة “البدلات” التي لا تعني سوى بدل التأهيل غير القانوني؛ وأغلب الظن ان تكون الغاية من عرض تعديل قرار التعرفة الأساسي على مجلس شورى الدولة أنه محاولة لاعتبار موافقة هذا الأخير على التعديل بمثابة موافقة ضمنية على القرار الأساسي موضوع التعديل؛
والملفت للنظر هو أنّ رأي مجلس شورى الدولة رقم ٢٧/ ٢٠٢٣ – ٢٠٢٤ تاريخ 2023/11/21، الصادر جواباً على طلب كهرباء لبنان قد جاء حاسماً بشأن عدم جواز تدخل مجلس الوزراء وأي لجنة وزارية قد تنبثق عنه، ولا أي سلطة أخرى، في فرض قرارات على مؤسسة كهرباء لبنان تكون واقعةً ضمن صلاحية مجلس إدارتها، بحيث ورد في ما استند إليه الرأي المذكور الفقرة التالية: ” وبما أن أهمية وقيمة المناقصة لا تؤثر على الصلاحيات المحددة بموجب النصوص القانونية والتنظيمية النافذة ولا تشكل مبرراً لتولي سلطة أعلى أخرى من السلطة صاحبة الاختصاص للصلاحيات المذكورة، لأنه إذا كان الأشخاص الذين يتولون إدارة المرافق العامة غير مؤهلين للقيام بأعمال ذات أهمية كبيرة فإن بالإمكان استبدالهم، ولكن ليس بإمكان مجلس الوزراء، بالنظر لأهمية العقد، أن يحلّ نفسه محل الجهة المختصة”. (راجع بهذا المعنى شورى لبنان، مجلس القضايا، القرار رقم 1046/ 2017 – 2018 تاريخ 2018/7/9 مجموعة شركات جودة لبنان / هيئة إدارة السير والآليات والمركبات)”.
وبعد الإشارة إلى موقف مؤسسة كهرباء لبنان من خطة طوارئ الكهرباء ورفع التعرفة المنبثق عنها، التي، بدلاً من الاعتراض على الخطة، وضعت شروطاً عديدة صعبة التحقيق لكي تكون مسؤولة عن نتائج تنفيذها؛ وكذلك الإشارة إلى مناقصات شراء المحروقات التي تجريها وزارة الطاقة والمياه لمصلحة مؤسسة كهرباء لبنان، دون إشراك هذه المؤسسة في مراحلها التنفيذية، ويتدخل وزير الطاقة شخصياً في هذه الإجراءات ويصرّ في كل مرة على تقصير مهلها، ويمتنع عن عرض نتائجها على رقابة ديوان المحاسبة المسبقة، ويحصل على موافقة مجلس الوزراء أو اللجنة الوزارية المختصة بالكهرباء على مخالفة رأي هيئة الشراء العام تحت التهديد بالعتمة، ويتسبب بهدر المال العام بنتيجة وصول البواخر قبل فتح الاعتمادات وتوجّب غرامات التأخير وتكبيد الدولة أعباء هدر ملايين الدولارات .
إن هذا الموقف الملفت الذي يثيره مجلس شورى الدولة في رأيه أعلاه يجيز التساؤل حول قانونية قرارات عديدة سبق لمجلس الوزراء أن اتخذها، على سبيل المثال، بشأن استئجار بواخر الكهرباء سنة ٢٠١٢، لصالح كهرباء لبنان وتفويض وزير الطاقة توقيع العقد الناتج عنه، الأمر الذي حدا بمؤسسة كهرباء لبنان، في حينه، إلى الإعلان عن التزامها بتنفيذ القرار لصدوره عن مجلس الوزراء، وكأنها في ذلك تعفي نفسها من المسؤولية عن نتائج تنفيذه، لا سيما لناحية الأعباء والنتائج المالية المترتبة عن تنفيذ هذا العقد؛ وهو الأمر نفسه الذي تكرر مع خطة طوارئ الكهرباء التي أسقطت عليها؛
فليقرأ ويسمع هذا الموقف جيداً ويتعظ منه مجلس الوزراء واللجان الوزارية المنبثقة عنه، وكذلك مجلس إدارة مؤسسة كهرباء لبنان ووزير الطاقة والمياه ومن خلفه، أن أهمية وقيمة المناقصة لا تشكل مبرراً لتولي سلطة أعلى أخرى من السلطة صاحبة الاختصاص للصلاحيات المذكورة، ووجوب استبدال غير المؤهلين للقيام بأعمال ذات أهمية كبيرة، ممن يتولون إدارة المرافق العامة.
ويبقى أن نتساءل عن سبب العودة إلى مجلس شورى الدولة عند تعديل قرار لم يعرض أصله على هذا المجلس، ومخالفته بذلك للمادة 57 من نظامه، وكذلك عن خلفية استخدام عبارة “تعديل بعض القيم في الفاتورة الكهربائية” في كتاب طلب الرأي بدلاً من “تعديل التعرفة والبدلات والرسوم في فاتورة الطاقة الكهربائية”، وما إذا جاء نتيجة تدخل جهة من خارج المؤسسة في صياغة كتاب طلب الرأي، وعن خلفية استخدام عبارة “يحسم بدل التأهيل لكافة الاشتراكات ” بدلاً من “إلغاء بدل التأهيل” لعدم قانونيته، أهي من باب سوء النية بغاية إبقاء بدل التأهيل قائماً لإعادة إحيائه ذات يوم، وهل أن هذا التفاوت في التعبير هو من باب المناورة والحنكة والدهاء، أم من باب المكابرة لعدم الاعتراف بالأخطاء والمخالفات المرتكبة في أصل قرار رفع التعرفة؟!

اضغط هنا لقراءة المقال على موقع محكمة