خاص www.limslb.com : مناقصة المعاينة الميكانيكية التزمت “شكلا” قانون الشراء العام.. وخالفت “ضمناً” الحاجة إلى تفكيك الاحتكارات

المعاينة الميكانيكية

الملخص التنفيذي

“كحّلت” وزارة الداخلية والبلديات #مناقصة المعاينة الميكانيكية بالالتزام بقانون الشراء العام، بعد أن “أعمتها” المناقصات السابقة على مدار السنوات الطوال. فاستراتيجية “الدفاع النشط” التي خاضتها “الهيئة” في وجه الشركة المحتكرة ل المعاينة الميكانيكية، والممد لها زوراً منذ العام 2013 ولغاية العام 2022، أسفرت عن وضع مناقصة راعت من حيث الشكل الظروف التنافسية وحفزت مشاركة المؤسسات المتوسطة والصغيرة الحجم، إلا أنها في المضمون حصرت عملية المعاينة الميكانيكية بالمراكز الأربعة القائمة أساساً.  وبغض النظر عمّا إذا تمّ تلزيم المراكز في أسوأ الأحوال لشركة واحدة أو لأربع شركات بأحسنها، فهي لا تزال قاصرة عن مجاراة الحداثة والتطورات العالمية الحاصلة في مجال الكشف الميكانيكي، ولا تلبي حاجات اللبنانيين ولا الاقتصاد، ولا سيما في الظروف التي تمر بها البلاد. فمن جهة، لم يعد انتشار مراكز المعاينة محصورة في الكثير من الدول المجاورة، بل باتت تتواجد في المجمعات التجارية ومراكز التسوق ومواقف الشواطئ والأماكن الترفيهية. وبينما ينتهي المواطن من التسوق، تكون المعاينة على سيارته قد تمت في الموقف.

ومن الجهة الأخرى، يكبد حصر مراكز المعاينة بالمحافظات الأربع (جبل لبنان، الجنوب، البقاع، الشمال) طالب المعاينة يوما كاملاً لأجراء الفحص على سيارته، وصفيحة بنزين لرحلة الذهاب والإياب على أقل تقدير، ما يعني خسارة أضعاف مضاعفة من كلفة المعاينة دون الإشارة أصلاً إلى الزحمة الخانقة الناجمة عن قلة عدد المراكز، وهو ما يدفع الكثيرين إلى تأجيل إجراء المعاينة أو حتى عدم إتمامها. وقد انتبهت المناقصة إلى هذا الواقع “التعطيلي” الذي لا يخدم المواطن والاقتصاد بل تقذفه لسنوات إلى الأمام. إذ اعتبرت أن “تنظيم عملية الكشف من خلال المراكز الأربعة لا يمنع مستقبلا اعتماد كراجات تعطى رخصاً بذلك بناء على شروط محددة”. فلماذا لم يوضع دفتر شروط بشكل يسمح لأي مَشغَل إصلاح سيارات يمتلك المواصفات المطلوبة والتجهيزات الضرورية بأن يصبح مركزاً للمعاينة الميكانيكية وأن يُحَلَّف صاحبه على غرار الخبراء المحلفين في العديد من القطاعات. فمن شأن مثل هذه الخطوة أن ترفع عدد المراكز إلى المئات وتلغي الاحتكار وتحفز الاستثمار ولا سيما في الأرياف ومناطق الأطراف وتؤمن المنافسة السليمة وتسهل أمور المواطنين وتخفض التكاليف التي يتكبدونها وتزيد إيرادات الدولة.

وعلى أية حال، وخلافاً للمناقصة “التنفيعية” التي أقرها مجلس الوزراء في العام ٢٠١٥، والمفصلة على قياس شركة واحدة والمحشوة بالمخالفات القانونية، فقد أتت مناقصة ٣ آب ٢٠٢٣ منسجمة مع مبادئ الشراء العام وعناوينه العريضة. وبعد طول تمديد للشركة المشغلة لمراكز المعاينة “فال” التي تعاقدت معها الدولة اللبنانية من العام ٢٠٠٢ ولمدة عشر سنوات والممدد لها سنة تلو أخرى بضغوط سياسية، أبصرت مناقصة سليمة النور؛ حيث اقتصرت المعاينة الجديدة على إدارة مراكز المعاينة الميكانيكية الأربعة القائمة وصيانتها وتشغيلها لمدة ثلاث سنوات قابلة للتمديد بمدة سنتين دون استحداث المراكز الـ ١٣ التي نصت عليها مناقصة ٢٠١٥.  وقد تركت المناقصة المجال مفتوحاً أمام اعتماد كراجات للكشف تعطي رخصاً بذلك بناء على شروط محددة. ولعل أهم ما تضمنته المناقصة الجديدة إتاحة المجال أمام الشركات الصغيرة للمشاركة من خلال إجراء المناقصة على أساس السعر الأدنى لكل مركز وعدم تكبير حجم الملاءة المالية المطلوبة للشركات المشاركة، بالإضافة إلى استيفاء الشركات مستحقاتها من الدولة لا من المواطنين.  انتهت تجربة المعاينة الميكانيكية المرة التي ولدت “قيصريا” في العام ٢٠٠٢ واستمرت بحماية المصالح السياسية رغم رفضها من ديوان المحاسبة أخيراً بعد ٢٠ عاما. وكانت هذه المناقصة لتكون كاملة لو أنها وسعت المنافسة وسمحت لكل راغب أو مستثمر يمتلك الشروط الفنية والمؤهلات الأخلاقية أن يصبح فاحصا أينما كان على امتداد الجمهورية.

“التنفيعة” الميكانيكية بدأت في العام ٢٠٠٢

في العام ٢٠٠٢ كانت بداية القصة المسماة المعاينة الميكانيكية وهي بالفعل «التنفيعة» الميكانيكية، أعقبتها تنفيعات الاطفائيات الإلزامية التي سرعان ما ظهرت لاحقاً.

ولان التنفيعات في لبنان تخلق فكرة في ذهن المسؤولين النافذين، ثم تشرعها القوانين، أو المراسيم، أو الاثنين معاً، صدر المرسوم رقم ٧٥٧٧ تاريخ ٨/٣/٢٠٠٢ الذي نص على اقامة مراكز يتم فيها اجراء المعاينة والكشف الميكانيكي، كما أجاز في مادته الرابعة لوزارة الداخلية والبلديات إجراء مناقصة عمومية لاختيار المؤسسة الخاصة التي تتولى اجراء المعاينة والكشف الميكانيكي، وذلك على أساس دفتر شروط يوضع لهذه الغاية تحدد فيه الشروط الإدارية والفنية والمالية للالتزام.

 ويكون من بين عناصر المفاضلة بين العارضين مقدار الجعالة المقترحة عن كل معاينه، والمدة المقترحة لإعادة المشروع مع سائر التجهيزات الى الدولة، على ان لا تزيد هذه المدة عن 10 سنوات من تاريخ المباشرة بالتشغيل.

ونصت المادة السابعة من المرسوم رقم ٧٥٧٧ تاريخ ٨/٣/٢٠٠٢ المشار اليه سابقا، على أن تحدد وزاره الداخلية والبلديات الشروط الفنية والتقنية المفروضة لدى اقامه الانشاءات والتجهيزات في المراكز التي تتم فيها اجراءات الكشف والمعاينة.

 من الواضح أن الأمر لا يتعلق بمقتضيات السلامة المرورية. حيث كان بالإمكان ايجاد آليه أكثر بساطة، وأقل تعقيداً لإخضاع السيارات والشاحنات وسائر المركبات الاليه للمعاينة والكشف الميكانيكي، وجوباً قبل السماح لها بالسير سنويا. لكن الامر يتعلق بمشروع أكبر لبناء مراكز واقامة انشاءات وتجهيزات وتكليف شركه خاصة بها على قاعده الـ  BOT (بناء، تشغيل، إعادة) لمده عشر سنوات. يتم من خلال هذه المراكز والانشاءات اجراء المعاينة والفحص الميكانيكي الدوري للمركبات الالية لقاء جعالة تدفع للشركة عن كل معاينه ولمده محدده لا تزيد عن عشر سنوات.

 مما لا شك ان المرسوم رقم ٧٥٧٧ يقع في موقعه القانوني الصحيح فهو أجاز ما لا يمكن إجازته الا بقانون، سنداً لنص المادة ٨٩ من الدستور اللبناني: «لا يجوز منح أي التزام او إمتياز لاستغلال مورد من موارد ثروة البلاد الطبيعية، او مصلحة ذات منفعة عامه، او أي احتكار الا بموجب قانون والى زمن محدود».

مناقصات غب الطلب وتمديد لسبع سنوات

استناداً إلى المرسوم رقم ٧٥٧٧/٢٠٠٢ والى النفوذ السياسي لوزير الداخلية في حينه جرى التلزيم في العام ٢٠٠٢ بالاستناد الى دفتر شروط خاص وضع خصيصا لهذه الغاية تضمن مخالفات دستورية هامة لناحيه إيلاء الشركة الفائزة تحصيل بدل المعاينة للشاحنة أو السيارة أو الدراجة أو المركبة الالية من المواطن مع تحديد المده بـ 10 سنوات، يتم بعدها تسليم المراكز المستحدثة مع تجهيزاتها الى الدولة اللبنانية. رفض ديوان المحاسبة الموافقة على التلزيم الذي عرض عليه بموجب قراره رقم ٨٠٥/ر.م بتاريخ ١٥/٧/٢٠٠٢  بالنظر الى العيوب الجوهرية التي شابته.

لكن هذا الموقف لديوان المحاسبة بعدم الموافقة على هذا التلزيم اللامشروع، لم يحل دون تنفيذ المشروع بمشيئة سياسية فرضتها موافقه مجلس الوزراء في جلسته المنعقدة بتاريخ ٨/٨/٢٠٠٢ على عقده بالتراضي بالاستناد الى الصلاحيات المعطاة له بمقتضى المادة ١٤٧ فقره (١٢) من قانون المحاسبة العمومية.

 انتهت مده العقد في العام 2013 وكان من المفترض أن تسلم الشركة المشغلة مراكز المعاينة الميكانيكية الأربعة الى الدولة اللبنانية، لتتولى هي بنفسها ادارتها وتنظيم هذا المرفق العام وكانت اللحظة مناسبة لالتقاط الفرصة وتنظيم هذا المرفق العمومي واجراءات المعاينة وتوسيع نطاقها لتشمل كراجات متخصصة تعمل بشروط تضعها الدولة وتراقب أدائها. الا أن هذا الامر لم يحصل، وشهية السلطة السياسية لم تشبع من المراكز الأربعة وتشغيلها لعشر سنوات، فمددت من خارج الاصول والقواعد القانونية مده العقد سنة فسنة لاحقاً.

 بموجب قراريه رقم ٢٠/٢٠١٤ ورقم ٨٣/٢٠١٥ قرر مجلس الوزراء اجراء مناقصه جديده موضوعها تشغيل وصيانة المراكز الأربعة القائمة واستحداث 13 مركز جديداً. المراكز الجديدة الـ ١٣، موزعة كما يلي: جبيل (جبل لبنان)، الشوف (جبل لبنان)، الكويخات (عكار)، طرابلس (لبنان الشمالي)، النبطية (النبطية)، صور (لبنان الجنوبي)، بعلبك (بعلبك الهرمل)، راشيا (البقاع)، مركز حرم مرفأ بيروت، مركز حرم مرفأ طرابلس، مركز حرم مرفأ صور، مركز حرم الحدود البرية في المصنع، مركز حرم الحدود البرية في العريضة.

قرارا مجلس الوزراء كانا الغطاء السياسي لتنفيعة ميكانيكية جديدة من العيار الثقيل، تعطى لشركه واحدة تتولى عمليه التشغيل والصيانة والتحديث والبناء على مدى 10 سنوات قادمة، القراران رقم ٢٠/٢٠١٤ ورقم ٨٣/٢٠١٥ يخالفان كما يستفاد من تقارير إدارة المناقصات السابقة بشكل فادح أحكام المادة 89 من الدستور اللبناني لناحيه وجوب صدور قانون يجيز هذا التلزيم، ولناحيه وجوب أن الدولة لا الشركة  هي التي تحدد السعر وفقا لأحكام المادتين 81 و82  من الدستور اللبناني كما يخالفا المرسوم رقم  ٧٥٧٧/٢٠٠٢ نفسه الذي فرض اجراء التلزيم على اساس الجعالة الأدنى لا التعرفة الأدنى.  كما تدخل مجلس الوزراء من خلال هذين القرارين بشكل سافر في عمل إدارة المناقصات لناحيه إعطاء وزير الداخلية سلطة تعيين اعضاء في لجنه التلزيم والتقييم الامر المناط بمقتضى نظام المناقصات المحال اليه بموجب قانون المحاسبة العمومية برئيس إدارة المناقصات.

هذه المناقصة التي تدخلت فيها السلطة بشكل يجسد حالة الفساد السياسي بكامل اوجهها، أسقطتها ادارة المناقصات في الاعلام وأبطلها القضاء الإداري فيما بعد.

عادت الامور مجددا الى نقطه الصفر واستمرت الشركة المشغلة في عملها بدون انقطاع حتى ايار من العام 2022 حين اتخذ وزير الداخلية والبلديات قرارا بإلغاء المعاينة الميكانيكية حتى اشعار اخر.

مناقصة جديدة نموذجية تفتح آفاقا جديدة

بتاريخ 31 اب 2023 أطلقت وزاره الداخلية والبلديات مناقصة جديدة موضوعها ادارة وصيانة وتشغيل مراكز المعاينة الميكانيكية الأربعة القائمة من دون استحداث المراكز ال 13 موضوع قراري مجلس الوزراء رقم ٢٠/٢٠١٤ ورقم ٨٣/٢٠١٥، لمده ثلاث سنوات قابله للتمديد سنتين.

مراكز المعاينة الميكانيكية القائمة الأربعة هي:

مركز المعاينة في الحدث في محافظة جبل لبنان.

مركز المعاينة في الغازية في محافظة لبنان الجنوبي.

مركز المعاينة في زحلة في محافظة البقاع.

مركز المعاينة في زغرتا في محافظة لبنان الشمالي.

لأول مرة، تجري مناقصة مراكز المعاينة الميكانيكية، بظروف تنافسية بما يتلاءم مع متطلبات تحريك عجلة الاقتصاد، وتشجيع مشاركة المؤسسات المتوسطة والصغيرة الحجم وتوزيع المخاطر:

يتجلى ما تقدم بما يلي:

  • الاكتفاء بطلب خبرة مماثلة بموضوع الصفقة.
  • الاكتفاء بطلب الحد الأدنى المكن من الملاءة المالية لانطلاق المشروع (٥٠٠ ألف دولار لكل مركز، مليوني دولار لمركز الحدث…..).
  • اجراء المناقصة على أساس السعر الأدنى لكل مركز بما يسهل مشاركة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة الحجم ويوزع المخاطر بالنسبة لهيئة إدارة السير.
  • فصل مناقصة التشغيل والصيانة عن مناقصة البناء والتشغيل والصيانة بالنسبة للمراكز ال ١٣ المستحدثة.
  • استيفاء الشركات لمستحقاتها من الدولة واستيفاء الدولة من المواطن مباشرة بدل المعاينة في خطة تشكل استعادة تدريجية للقطاع الى كنف الدولة. فهي التي تضع دون سواها شروط المعاينة وتحدد بدلاتها والشركة تقدم خبرة فنية في اجرائها.
  • وضع الية تقوم على الكفاءة لاستيعاب ما أمكن من عمال المشغل الحالي انسجاما مع مبادئ قانون العمل وحقوق العمال واستفادة الى الحد الأقصى من خبرات العمال.

باختصار ان المناقصة الجديدة تنطوي على إيجابيات، لا تنحصر بمزاياها مقارنة مع مناقصتي عام 2002 و2016 المفصلتين على قياس شركه واحدة، تتمثل بالآتي:

  • اعاده القطاع الى كنف الدولة اللبنانية ولو تدريجياً من خلال حصر علاقة المواطن بالدولة وعلاقة الدولة بالشركة.
  • تنظيم عمليه الكشف من خلال المراكز الأربعة، لا يمنع مستقبلا اعتماد كراجات تعطى رخصا بذلك بناء على شروط محددة.
  • الغاء المرسوم رقم ٧٥٧٧/٢٠٠٢ واصدار مرسوم جديد يلحظ آلية جديدة مرنة لإجراء الكشف من خلال المراكز التي تملكها الدولة والكراجات المعتمدة.
  • الغاء قراري مجلس الوزراء رقم ٢٠/٢٠١٤ ورقم ٨٣/٢٠١٥ وصرف النظر نهائيا عن استحداث المراكز الثلاثة عشرة التي لم تنشأ بعد.
  •  

فريق المعهد اللبناني لدراسات السوق