يحاول حاكم مصرف لبنان بالإنابة سليم منصوري أن يطوي صفحة رياض سلامة إلى غير رجعة، عبر قرارات وإجراءات تُشعر الجميع بنهج جديد سيُتّبع، كان من أوّلها الإعلان عن التوقف نهائيًا عن تمويل الدولة عبر طبع المزيد من العملة المحلّية، التوقّف عن التدخّل في السوق عبر ضخّ الدولارات، ومن ثم الإعلان عن التحضير لمنصّة “بلومبرغ” الجديدة.
أثارت الأخبار عن هذه المنصة الجديدة العديد من الأسئلة، خاصة لجهة الفروقات بينها وبين منصّة صيرفة التي ابتدعها سلامة ليبقى مصرف لبنان لاعباً في السوق ومؤثّرًا في سعر الصرف.
“الأفضل نيوز” تواصل مع الخبيرين الاقتصاديين البرفسور بسّام همدر والدكتور باتريك مارديني، للوقوف على أهمّ مميّزات هذه المنصة وأهم الآثار التي ستتركها على حياة اللبنانيين.
يوضح همدر أنّ “بلومبرغ” هي عبارة عن مخزن للداتا العالمية، فيها صفحات للتداول، وسيقوم المصرف المركزي اللبناني فعليًا باستئجار صفحة من هذه الصفحات كما تفعل جهات عالميّة عديدة، من الشركات الكبرى وصولًا إلى الملوك، على أن تُخصَّص هذه الصفحة للتداول بين الليرة اللبنانية والدولار.
وعلى صفحة “بلومبرغ”، ستتم عملية عرض الدولار مقابلة الليرة اللبنانية دقيقةً بدقيقة، وهنا تبرز الحاجة لما يُسمّى Market Medium، الذي سيكون في هذه الحال البنك، وبذلك يكون هذا الأخير هو صانع للسوق.
هنا يلفت همدر، إلى أنه صحيح أنّ المقاصّة ستحصل عبر بنك لبنانيّ، لكنّ العالم كلّه يراها ويراقبها، حيث أنّ العرض والطلب أصبحا أمام الجميع، والليرة اللبنانية باتت تعوم بحرّيّة كاملة. هكذا، فإنّ العرض والطلب هما من سيحدّدان سعر صرف الدولار مقابل الليرة.
يُبرز همدر الفرق أكثر فأكثر بين “بلومبرغ” و”صيرفة”، منوّهًا إلى أنه في السابق، كانت المقاصّة تتمّ فقط بين المصرف المركزي والبنك، وكان المصرف المركزي يتدخّل في السوق عبر ضخّ الدولارات، ويطبع العملة اللبنانية، كما تدخل على الخط المحسوبيات والمضاربات، مع كل ما يرافق ذلك من هدر وفساد.
ويقول البرفسّور في علم الاقتصاد أنّ حسنة “بلومبرغ” الكبرى هي الشفافيّة التي تقدمها، مما يسمح للجميع بالمراقبة، ويخفّف من الاقتصاد النقدي المُعتمد تقريبًا اليوم في لبنان، وبالتالي يساهم ذلك بالدخول في الشرعية النقدية العالمية، ويخفّف من إمكانية تبييض الأموال، لأنّ طالب الدولار يجب أن يكون مسجّلًا ومعرّفًا بشكل واضح.
هكذا تصبح “بلومبرغ” نوعًا بديلًا عن نظام “سويفت” العالمي، مما يجنًب لبنان أن يصبح في وقت ما على اللائحة الرمادية، أو اللائحة السوداء، ومن ثم العقوبات.
فضلًا عن ذلك، يذكّر همدر بأنّ منصّة صيرفة كانت تسمح لبعض كبار التجّار بالتهرّب من الضرائب، وهو ما لن يكون ممكنًا مع “بلومبرغ”، حيث سيظهر بشكل واضح على موقع المنصة العالمي قيمة المال المطلوب من كل تاجر، وبالتالي يصبح من السهل على الدولة تقدير حجم تجارته وحجم أرباحه.
لكنّ همدر يخشى أن تفتح منصة “بلومبرغ” مجالاً أحيانًا للمضاربة من قبل جهات سياسية متموّلة، قادرة على طلب مبالغ مالية كبيرة بالعملة الصعبة، مما قد يرفع سعر الصرف إلى 200 أو 300 ألف ليرة مقابل الدولار الواحد، لكنّه يعود فيُطمئن إلى أنّ هامش المضاربة هذا يبقى بشكل عام مع “بلومبرغ” أقلّ بكثير مما كان عليه مع صيرفة.
بدوره يوافق الدكتور باتريك مارديني على أنّ الشفافية هي أبرز ميزة لمنصة “بلومبرغ”، خاصة لجهة من يحقّ له بالوصول إليها، من يحق له باستخدامها، وكيفيّة تحديد سعر الصرف.
ويرى مارديني أنّ المنصَة الجديدة بحد ذاتها لن يكون لها تأثير على سعر الصرف؛ إنما السياسيّة النقدية التي سترافق إطلاق واستخدام “بلومبرغ”، خاصةً لجهة توقّف المصرف المركزي عن طبع الليرة من عدمه، مشيرًا إلى أنه إذا حصل ذلك فعلًا فسيكون للمنصة الجديدة تأثير إيجابيً.
وبرأي مارديني، فإنّ “بلومبرغ” كمنصّة وُجدت لتبقى، ولتصبح مرجعًا للسوق في سعر الصرف، وبالتالي الوصول لنظام عائم كلّيًا.
اضغط هنا لقراءة المقال على موقع الأفضل نيوز