أكد النائب الاول لحاكم مصرف لبنان وسيم منصوري أن تشريع الصرف من التوظيفات الإلزامية سيسمح بدفع الرواتب بالدولار وفق منصة “صيرفة. وبذلك تستمر منصة صيرفة في التوالد من رحم “هرطقة” دعم العملة الوطنية لتأمين استمرار قطاع عام مترهل وغير منتج. وقد رُفع الدعم في لبنان بشكل شبه كلي في نهاية العام الثالث من الانهيار، إلا أن “شياطينه” لا تزال حاضرة بقوة من خلال SAYRAFA. فهذه “المنصة”، التي ابتدعها حاكم المصرف المركزي رياض سلامة في نيسان 2020 للتدخل في سوق القطع والتداول بالعملات الأجنبية النقدية بالدولار وفقاً لسعر السوق، مثّلت الوجه الثاني لعملية الدعم المباشر على السلع. وكما أدى الدعم إلى استنزاف احتياطي النقد الصعب وتدهور سعر الصرف ونشوء طبقة من الأغنياء الجدد استفادت من الاحتكار والتهريب، تفعل صيرفة الأمر نفسه. فهي تفسح المجال أمام قلة معروفة “معماة” الأسماء بتحقيق ملايين الدولارات على حساب ما تبقى من عملات أجنبية في النظام.
منصة SAYRAFA من سعر صرف ثابت الى متحرك
صيرفة هي منصة افتراضية أنشأها مصرف لبنان بموجب التعميم 149 في نيسان 2020 وطورها على مراحل. وتقوم “صيرفة” بشكلها الأخير على تسجيل مختلف المؤسسات المالية من مصارف وصيارفة كل عمليات القطع (بيع الدولار وشرائه) عليها. وهي تهدف من الناحية النظرية إلى إيجاد سعر صرف بديل ومنطقي وأكثر شفافية من ذلك الذي تحدده المنصات الإلكترونية، والذي يعرف بسعر السوق الموازي. وقد عُرفت “صيرفة” باسم “الوحدة” في نشأتها، وكان تبادل العملات عليها يتم اختيارياً من صرافي الفئة (أ) وبسعر صرف محدد من المصرف المركزي بـ 2600 ليرة. ولم تصمد “الوحدة” طويلاً أمام ارتفاعات سعر الصرف في السوق الموازية، إذ توقف العمل بها بعد نحو شهرين على إطلاقها. عندها أعاد مصرف لبنان تدخله في سوق القطع بالآلية نفسها، وكان ذلك هذه المرة تحت اسم “صيرفة 1″، حيث عمد إلى ارتكاب الخطأ القاتل نفسه المتمثل في تثبيت سعر الصرف عليها على 3900 ليرة للدولار. وبما أن سعر السوق كان في مختلف المراحل أعلى بأضعاف من السعر المحدد على المنصة، فقد كان المصرف المركزي هو العارض الوحيد للدولار فيما كان بقية الأفراد والمؤسسات هي الجهات الطالبة. إذ يستحيل على أي عاقل بيع الدولار على منصة يقل سعر صرفها بأشواط عن سعر الصرف في السوق الموازية. وقد استمرت “صيرفة” على هذه الحال حتى نيسان 2021 بائعةً للدولار بخسارة فادحة لمحظيين من أفراد وتجار يحققون أرباحا طائلة من خلال المراجحة بين سعر المنصة وسعر السوق الذي يفوقها بأشواط. وفي النسخة الثانية من “صيرفة”، حرر المركزي سعر الصرف وقرر أنه متحرك يهدف إلى اللحاق بسعر السوق وسحبه نزولاً، فبدأت صيرفة 2 عملها المتقطع في نيسان 2021 على سعر صرف 10 آلاف ليرة للدولار إلى أن أصبحت اليوم 86200 ليرة. وقد توج مصرف لبنان بدعة العمل بـ”صيرفة” بإصدار التعميم 161 في 16 كانون الأول 2021 الذي يسمح لموظفي القطاع العام بتحويل رواتبهم إلى الدولار على سعر منصة صيرفة ليكون ذلك دعماً مباشراً من جيب كل المواطنين كما سيتبين لاحقا بالتفصيل في سياق التحقيق. ويعود النائب الاول لحاكم مصرف لبنان اليوم الى الحديث عن سعر صرف ثابت لصيرفة بتكرار للتجارب السابقة التي اثبتت فشلها.
مصرف لبنان: العارض الوحيد للدولار على المنصة في مختلف المراحل
لم يكن العمل على المنصة ينشط إلا عندما يقرر مصرف لبنان التدخل في السوق بائعا للدولار ومشتريا لليرات بأسقف متفاوتة يحددها للأفراد والشركات، فيرتفع في هذه المرحلة التداول على صيرفة إلى عشرات (إن لم نقل مئات) الملايين من الدولارات، فيما يخمد التداول عليها عندما يحجم المركزي عن التدخل، فتتراجع أرقام التداول اليومي إلى ما بين 10 و20 مليون دولار بالحد الأقصى. وفي هذه الحالة، يرتفع سعر الصرف في السوق الموازي نتيجةً لزيادة الطلب على الدولار مقابل تراجع عرضه، فيعود مصرف لبنان للتدخل من جديد وهكذا دواليك.
وقد بدأ آخر تدخل للمركزي على صيرفة في 20 آذار 2023 عندما تجاوز سعر الصرف في السوق الموازي عتبة 140 ألف ليرة، فسمح للأفراد ببيع ما يصل إلى مليار ليرة وللمؤسسات ببيع ما يصل إلى 10 مليارات ليرة على المنصة. وقد عمد المركزي في المقابل إلى رفع سعر صرف الدولار على المنصة من 45400 ليرة في الأول من آذار 2023 إلى 90 ألفاً في الحادي والعشرين منه قبل أن يعود ويخفضه إلى 85500 ليرة راهناً. وعلى عكس الفترات الماضية التي كان ينتهي فيها مفعول مثل هذه القرارات في غضون أيام قليلة، فقد استمر العمل بالتحويل على صيرفة بالوتيرة نفسها وبمتوسط تداول يبلغ قرابة 170 مليون دولار يوميا خلال الفترة الممتدة من 20 آذار إلى 17 تموز الماضي.
خالد أبو شقرا
باحث زميل في المعهد اللبناني لدراسات السوق