مجلس النقد “حلّ مطلوب ومرفوض” في لبنان

مجلس النقد “حلّ مطلوب ومرفوض” في لبنان

مع اقتراب نهاية ولاية حاكم المصرف المركزي في لبنان رياض سلامة نهاية تموز/يوليو، ارتفع منسوب القلق من انعكسات ذلك على سعر صرف العملة الوطنية في ضوء احتدام حدة التباينات في المواقف ووجهات النظر بين القوى الرئيسية الفاعلة حيال الخيارات المتاحة لملء سدة الحاكمية، بين مؤيد ورافض لتعيين حكومة تصريف الأعمال حاكمًا جديدًا قبل انتخاب رئيس جديد للجمهورية، ومؤيد ورافض لتعيين حارس قضائي على الحاكمية إلى حين تعيين حاكم أصيل، ومؤيد ورافض لتولي نائب الحاكم الأول (الشيعي) المنصب (المسيحي)، فضلًا عن تلويح نواب الحاكم الـ4 بالاستقالة في حال شغور الموقع.

في خضم المشهد المالي والنقدي الضبابي على الساحة اللبنانية، عاد إلى الواجهة طرح إنشاء مجلس لإدارة النقد (Currency Board) في لبنان، كمخرجٍ ضروري لوقف إنهيار الليرة اللبنانية. ومجلس النقد، يُعرف أيضاً بمجلس العملات النقدية، وهو نوع من السلطة النقدية في البلاد، يتمّ إنشاؤه لإدارة سعر صرف العملة، وتتمثل وظيفته الأساس في إصدار الأوراق النقدية والحفاظ على سعر صرف ثابت للعملة، ويمكنه أن يعمل على نحو مستقل أو بالإشتراك مع البنك المركزي في البلد نفسه.

وتكمن أهمية المجلس، أنه “قادر على وقف إنهيار سعر صرف الليرة مقابل الدولار فوراً لدى تأسيسه” بحسب ما يؤكد الخبير الإقتصادي، ومدير المعهد اللبناني لدراسات السوق (LIMS) باتريك مارديني لـ“عُروبة 22”، لذا يمكن تثبيت سعر الصرف، راهنًا، على سبيل المثال عند سعر مئة ألف ليرة للدولار الواحد أو حتى أقل في حال أراد المعنيون ذلك.

يربط مارديني مسألة تأسيس المجلس بخفض نسب الفقر، على اعتبار أنّ إرتفاع سعر صرف الدولار مقابل الليرة اللبنانية هو المسبب الأول في إفقار اللبنانيين، لا سيّما أن نسبة الفقراء قد تخطّت الـ90 في المئة من السكان في لبنان، وفق آخر الأرقام الصادرة عن جهات دولية، فهل كان المجلس ليحمي اللبنانيين، ويوقف تمدد الفقر بينهم لو تمّ إيجاده سابقاً؟

لو اعتُمد سابقًا لاستقر سعر صرف الدولار عند بداية الأزمة 

“بالتأكيد. لو اعتُمد سابقًا. أيّ مع بداية الأزمة، لشهدنا على استقرار سعر صرف الدولار آنذاك عند مستوى 5 آلاف ليرة (على سبيل المثال)، وكنا كلبنانيين في غنى عن الوصول إلى مستويات فقر مرتفعة ومشكلات إجتماعية متفاقمة كما هو حاصل راهنًا” يقول مارديني.

ويضيف: “أصل المشكلة التي يعاني منها الناس في لبنان، هو أنّ العملة الوطنية خسرت قيمتها والرواتب فقدت قدرتها الشرائية، وباتت غالبية الناس غير قادرة على دفع تكاليف حياتها المعيشية والضرورية منها”، ما يعني أنه في حال تمّ تثبيت العملة ومنع إنهيارها أكثر، عندها لن ترتفع أسعار السلع والخدمات ولن تنهار القدرة الشرائية أكثر لدى الناس.

ويتميّز مجلس النقد بثلاثة ضوابط أساسية:

1- يمنع المصرف المركزي من أخذ الودائع من المصارف 

2- يمنع المصرف المركزي من إقراض الحكومة

3- يمنع طباعة النقود غير المدعومة بالعملة الإحتياطية.

وهكذا، لا تخضع طباعة العملة للمزاج الشخصي ولقرارات إعتباطية، كما هو حاصل في لبنان، وإنما تكون محكومة بقاعدة توفير إحتياطي من العملات الأجنبية، أيّ أن يتوافر مقابل كامل الكتلة النقدية، احتياطي بالدولار وفق سعر صرف ثابت.

يمكن أن يحلّ المجلس مكان المصرف المركزي أو أن يكون منفصلًا عنه

وفي حال أراد لبنان السير في تطبيق هذا الخيار، فإنه سيكون أمام خيارين وحيدين، إما أنّ يحل المجلس المذكور محل المصرف المركزي، عبر اللجوء إلى تعديل القانون، أو أن يكون منفصلاً عنه، على أنّ يتمّ نقل كافة الصلاحيات المتعلقة بتحديد السياسة النقدية إلى المجلس، فيما يبقى للمركزي صلاحيات أخرى كالرقابة على المصارف مثلاً.

السلطات السياسية لم تأخذ بخيار مجلس النقد لأنها تريد تمويل نفقاتها

وبرأي مارديني، كان من المفترض أن تكون معالجة هذه المشكلة أولوية لدى السلطات النقدية والسياسية في البلاد، ولكنها لم تأخذ بخيار مجلس النقد لانها تريد الإبقاء على الواقع القائم من أجل تمويل نفقاتها، لا سيّما أنها لم تعد قادرة على الإقتراض أكان من المصارف المحلية أو من الأسواق المالية العالمية، بعد تعثرها في سداد ديونها. وبالتالي لم يعد أمامها سوى التمويل من المصرف المركزي، عن طريق رفع معدلات التضخم، كونها ترفض إجراء أيّ إصلاحات، وتفضل تحميل الشعب اللبناني كلفة هذه النفقات المرتفعة وكلفة الأزمة ككل.

تاريخيًا، إستعانت دول عربية، بخيار مجلس النقد، لمعالجة أزماتها النقدية، مثل دولة البحرين في سبعينيات القرن الماضي. إلّا أنّ هونغ كونغ تعدّ أشهر من طبّق هذا النظام عالميًا، وكذلك، بلغاريا، ليتوانيا، البوسنا والهرسك…

أما في لبنان، فالسلطة الحاكمة تقف حاجزاً منيعاً أمام مثل هذه الحلول، ليس فقط لكونها مستفيدة من التأزم، وإنما أيضاً لأنها لا تنطلق في إدارة شؤون البلاد من منطلق دولة قانون ومؤسسات، بل من ذهنية تحاصصية طائفية تعتاش من تقاسم “جبنة اللادولة” وتتعايش مع خراب بيوت اللبنانيين.


اضغط هنا لقراءة المقال على موقع عروبة 22