كلُّ صلواتنا وأفكارنا وقلوبنا، تذهب إلى أرواح ضحايا الزلزال الكارثي والمخيف الذي أصاب كلّاً من تركيا وسوريا، وإلى ذويهم. وعُرف بأنه «زلزال القرن»، ويزداد عدد الضحايا يوماً بعد يوم. كما نفرح بكل أعجوبة وبقلب ينبض، حين يخرجون أحياء من تحت الأنقاض حتى اليوم. أما نحن كلبنانيين، فقد عشنا نحو 40 ثانية من الرعب، وكدنا أن نكون كلّنا اليوم لا نزال تحت الركام.
رغم كل مشاكلنا الإقتصادية، والإجتماعية، والمالية، والنقدية والأمنية والسياسية، كان يُمكن أن يُدمّر ما تبقى من لبنان، وحيث لا يوجد جرّافة قد تحاول أن تسحبنا وتنقذنا من تحت الحجارة، ولا وقود يُملي الجرّافات لإنقاذنا، لأنه لا يوجد وقود لمحركاتها ولا صيانة لمعدّاتها.
لقد أيقظتنا هذه الكارثة الطبيعية، لأنه مهما كانت مصائبنا الهائلة في لبنان، كان يُمكن أن نُدمّر كلياً، ولا أحد يستطيع أن يُنقذنا من هذا التدمير الجديد.
فالرسالة الأولى، أنه مهما كانت الزلازل التي تصيب لبنان، من نواح عدة، لا أحد يستطيع أن ينقذنا إلاّ أيادينا.
الرسالة الثانية، أنه مهما كبرت مصيبتنا، فإنّ وحدتنا ووطنيتنا هي التي ستنقذنا.
أما الرسالة الثالثة والأهم، أننا نشكر الله ليلاً ونهاراً أنه بعد الـ 40 ثانية من الرعب، لم تقع حجرة في لبنان، لكن تذكّرنا أننا نواجه زلازل متلاحقة، منذ ثلاث سنوات، مع خضّات يومية، ومالية، ونقدية، واقتصادية، وسياسية، وأمنية، واجتماعية، التي دمّرت وتدمّر بيوتنا وشركاتنا، وعائلاتنا، وأحلامنا، وأهدافنا.
هذه الزلازل ليست من صنع الأرض، لكن من صنع البشر، ومن صنع حكّامنا وسياسيينا والمسؤولين.
إن زلزالنا الأكبر وقع أيضاً في 4 آب 2020، والحقيقة لا تزال مطمورة تحت الركام.
إن التدمير الذي نواجهه هو تدمير الذات، وتدمير مُعتمد.
إن الزلازل المتعدّدة التي ضربت شعبنا وأرضنا، ودمّرت أُسسنا، لم نقدر حتى اليوم، أن ندحر حجرة واحدة مما دُمّر منها، وما يتهدم حتى تاريخه. فاليد الإلهية حمت لبنان من هذا الزلزال الطبيعي، وارتعاد الأرض، لكننا نُواجه يومياً زلازل عدة وخضات متلاحقة، وكوارث إقتصادية وإجتماعية، تدمّر حجرة حجرة كل ما صنعناه منذ عقود، ولا أحد يجرؤ لوقف الإنهيار والتدمير الذاتي.
في الخلاصة، نحن كلبنانيين، ولبنان لا يزال تحت أنقاض الزلازل الإقتصادية والإجتماعية والسياسية، التي لا تزال ترعبنا يوماً بعد يوم، ولم نتعلم حتى الساعة، أن كل ما يُدمَّر لن تُعيد إعماره إلاّ أيادينا. إننا جميعاً تحت أنقاض ما دُمّر داخلياً، وحتى الساعة لن تُزال حجرة واحدة مما وقع على رؤوسنا.