أما وقد تكشفت الأزمة و#الانهيار المالي عن بوادر فقر مدقع وانهيار اجتماعي أكبر قد يصيب خصوصاً صغار العمّال والموظفين الذين لا مردود لهم بغير الليرة، وبما أن “الصحّة والعمر” ما عادا يسمحان للمحالين الى التقاعد بممارسة أعمال منتجة تحتاج الى قوة نشاط وحيوية شبابية، بات الحديث عن راتب تقاعدي للمضمونين أكثر من ضروري.
وإن كان تأخر بت هذا المشروع لم يكن بمشكلة قبل #17 تشرين وسقوط الليرة وضياع جنى العمر والتعويضات في المصارف، حيث كانت الفوائد المصرفية التي يتقاضاها المضمونون عن “تحويشة العمر” تكفي نسبياً حاجات ومتطلبات مرحلة التقاعد عند معظم المتقاعدين، فإن الحاجة اليوم باتت أكثر من ملحّة الى السير بمشروع تحويل تعويضات صرف الخدمة الى رواتب تقاعدية وفقاً لسنوات العمل وقيمة الاشتراكات. هذا المشروع، وإن جاء متأخراً لسنوات، فإنه يبقى أفضل الممكن في هذه الظروف الصعبة خصوصاً بعد نجاح تجربة الراتب التقاعدي في نقابات عريقة كالمحامين والمهندسين.
فمع تآكل تعويض نهاية الخدمة في الضمان بفعل انهيار الليرة، كان من البديهي التفكير في التعجيل بمشروع راتب تقاعدي يؤمن للموظفين والعمال الذين قضوا أكثر من نصف عمرهم بالعمل راتباً يعولهم في ما بقي من حياتهم، من هنا يؤكد المدير العام للضمان الدكتور محمد كركي لـ”النهار” أن الإدارة “بدأت التحضير للمشروع منذ شباط الماضي، وتم تشكيل لجنة شارك فيها خبراء اكتواريون ومديرون من الضمان وشركات التأمين، فيما أعدت منظمة العمل الدولية الدراسات الاكتوارية اللازمة له. وأرسلنا كل الملف والدراسات في تموز الماضي الى وزارة العمل، وأنجزنا أخيراً صياغة المشروع كمواد”.
توازياً، يتابع وزير العمل مصطفى بيرم التحضيرات لإنجازه ووضعه على السكة من خلال سلسلة اجتماعات يعقدها مع المعنيين ولا سيما أصحاب العمل والعمال تمهيداً لإقراره في مجلس إدارة الضمان واستصدار المراسيم اللازمة للتمويل في مجلس الوزراء.
وأكد كركي أهمية المشروع “لكونه يحقق نوعاً من الأمان الاجتماعي، لافتاً الى أن ثمة فقرة في المادة 54 من قانون الضمان تنص على أنه يمكن استبدال التعويض براتب تقاعدي مدى الحياة، ليصار بعدها إلى العمل على مشروع تعديل قانوني بالتعاون مع الهيئات الاقتصادية والاتحاد العمالي العام لجعل هذا الراتب إلزامياً. فالهيئات طرحت أن يصبح الراتب التقاعدي إلزامياً، خصوصاً أنه إذا اختار بعض المضمونين الحصول على تعويض الصرف دفعة واحدة فستتكبّد المؤسسات والشركات مبالغ تسوية كبيرة جداً وهو ما لا يمكن للبعض منها تحمّله. لذا ندرس الحلول والخيارات، لتبديد الهواجس ومنها تقسيط مبالغ التسوية. فالمشروع الذي أنجزته الإدارة لا يزال بصيغته الأولية وهو مطروح للنقاش مع أصحاب العمل والاتحاد العمالي لدرس تعديلاتهم واقتراحاتهم عليه”.
ماذا في تفاصيل المشروع؟
لطالما طالبت النقابات العمالية وممثلو القطاع الخاص الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، بتطوير دوره في الرعاية وخلق مظلة أمان مالي للعمال والموظفين بعد إحالتهم الى سن التقاعد، وجاء هذا المشروع ليرضي تطلعاتهم على أمل الإفراج عن مشروع ضمان الشيخوخة ولو بعد حين.
في التفاصيل، يفيد من مشروع الراتب التقاعدي الذي أعدّته إدارة الضمان، ولمدى الحياة، المضمونين الذين يطلبون استبدال تعويض نهاية الخدمة بمعاش شهري بعد بلوغهعم سن التقاعد (60-64) اعتباراً من تاريخ بدء العمل بالنظام لغاية نهاية عام 2025. كما يفيد منه على سبيل التسوية المضمونون الذين صفّوا تعويض نهاية خدمتهم اعتبارا من بداية عام 2022 لغاية تاريخ بدء العمل بهذا النظام شرط أن يعيدوا التعويض الذي تقاضوه الى الصندوق. يقتضي أن تتوافر في المضمون الشروط التالية مجتمعة: أن يكون قد بلغ السن القانونية للتقاعد (60-64)، أن تكون لديه مدة اشتراك في فرع نظام تعويض نهاية الخدمة لمدة 20 سنة على الأقل، أن تكون قد مرّت مدة 20 سنة على آخر تصفية لتعويض نهاية الخدمة.
بالنسبة لقيمة الراتب الشهري، يجب أن لا يقل عن 80% من الحد الأدنى الرسمي المعمول به في بداية الشهر الذي يستحق عنه المعاش، أو عن نسبة 1,33% من متوسط الأجور في السنة التي تسبق السنة التي يستحق خلالها الراتب لغاية 40% كحد أقصى من آخر راتب مصرّح عنه للأجير قبل تصفية التعويض، على أن تُحتسب النسبة المشار إليها أعلاه عن كل سنة اشتراك لم يصف عنها تعويض نهاية الخدمة. ويحوّل الراتب الى حساب المضمون المصرفي في الأيام الخمسة الأولى من الشهر الذي يلي شهر استحقاق الراتب أو الى حساب الشريك بصفته صاحب حق بالراتب والى حساب الأولاد دون الـ18 سنة.
هذا الراتب ينقطع في حال وفاة المضمون المتقاعد دون شريك أو أولاد تحت سن الثامنة عشرة سنة، أو بلوغ أولاد المضمون المتقاعد سن الثامنة عشرة سنة مكتملة، أو زواج شريك المضمون المتقاعد المتوفى، أو في حال وفاة شريك المضمون المتقاعد المتوفى، علماً بأنه لدى وفاة المضمون المتقاعد ينتقل الحق بالراتب الى شريك المضمون المتقاعد وأولاده دون 18 سنة بنسبة 50% للشريك و50% للأولاد يوزع بينهم بالتساوي. أما عند بلوغ أي من الأولاد سن الثامنة عشرة متكاملة فيعاد توزيع الراتب على الأولاد الباقين. ولدى بلوغ الأولاد جميعاً سن الثامنة عشرة سنة تحوّل حصتهم بالراتب الى الشريك، وفي حال عدم وجود شريك تحوّل حصّة الشريك بالراتب الى الأولاد.
يموّل النظام من الحسابات الفردية للمضمونين الذين يختارون الحصول على معاش مدى الحياة، ومن اشتراكات أصحاب العمل التي تخصّص بموجب مرسوم لتمويل هذا النظام، كذلك من تعويضات نهاية الخدمة التي أعادها الى الصندوق الاشخاص الذين توافرت فيهم الشروط والذين صفوا تعويضاتهم اعتباراً من بداية عام 2022.
ووفق المشروع فإنه يجب تكوين مال احتياطي للنظام لا يقل عن 10% من قيمة الرواتب المدفوعة في السنة السابقة وذلك تدريجاً خلال السنوات الثلاث الأولى من بدء العمل به، علماً بأنه يخضع لدراسات اكتوارية سنوية يحدد فيها نسبة العجز الذي يجب تغطيته من خلال زيادة الاشتراكات.
ويلحظ المشروع إعادة النظر سنوياً في متوسط الأجور الذي يحتسب على أساسه المعاش، إن كان الوضع المالي للنظام يسمح بذلك على ضوء الدراسة الاكتوارية، وفي مطلق الأحوال لا يجب أن يقل الراتب الشهري عن 80% من الحد الأدنى الرسمي للأجور المعمول به في بداية الشهر الذي يستحق عنه المعاش.
أما الآلية المعتمدة للإفادة من الراتب التقاعدي، فتقضي بأنه عند تصفية التعويض، على المضمون الذي تتوافر فيه شروط الافادة أن يتقدّم بطلب استبدال تعويض نهاية الخدمة براتب مدى الحياة يتنازل فيه عن حقه بمبلغ التسوية الذي يجب أن يسدده صاحب العمل استناداً الى الفقرة 4 من المادة 55 من قانون #الضمان الاجتماعي، وبعدها يدرس الطلب في المديرية الفنية، وبعد موافقة المدير الفني، يصفي الحساب الفردي للمضمون ويحال الى مصلحة المحاسبة لتسجيله في الحساب الخاص المحدد في المادة السابعة من المشروع، على أن يحدد المصفي قيمة الراتب الشهري وفقاً للمادة الثالثة أعلاه ويحال الملف الى المديرية المالية، ثم يسدد الراتب شهرياً عبر تحويله الى الحساب المصرفي لمستحق المعاش.
أما إذا طرأت تغيّرات في وضعية المضمون، فعلى المضمون أو خلفائه إبلاغ الصندوق بكل تغيير من شأنه أن يؤثر على الراتب الشهري (وفاة المضمون، وفاة الشريك، بلوغ الأولاد مستحقي الراتب سن الـ18 سنة)، كما عليه أن يعيد أي مبالغ تقاضاها دون وجه حق تحت طائلة الملاحقة القانونية.
ولحظ المشروع تدابير خاصة بالمضمونين الذين صفّوا تعويض نهاية خدمتهم اعتباراً من 1/1/2022، إذ يمكن لهؤلاء أن يعيدوا كامل التعويض الذي تقاضوه وأن يطلبوا تحويل هذا التعويض الى معاش مدى الحياة وفقاً لأحكام هذا النظام وذلك خلال مهلة ستة أشهر من تاريخ بدء العمل بهذا النظام.
بالنسبة لتاريخ العمل بالنظام، يكون بعد نشر المراسيم المتعلقة بزيادة الاشتراكات لفرع نهاية الخدمة ورفع مقدار تعويض نهاية الخدمة.