فعلاً موسم «الزيتون كان غير شكل» هذا العام بسبب وفرة الإنتاج الذي يُعرف بجودته العالية. ولا يعني ذلك أن الموسم انتهى بعد أن نشط من أوّل «شَتوة» شهدناها في تشرين الأول ولا يزال مستمراً، لذلك لا يمكن تحديد الكميات المنتجة بعد والعملة الخضراء التي ستتأتى منه ليس من السوق المحلّية بل الخارجية على وجه الخصوص. وللزيتون وزيته اللبناني باع طويل في تاريخ لبنان، فشجرة الزيتون تعود إلى أكثر من 6000 سنة، والفينيقيون كما يُقال أدخلوا تلك الزراعة إلى البلاد التي وصلوا إليها عند سيطرتهم على حوض البحر الأبيض المتوسط في أواخر الألفية الثانية الميلاد. ولم يكن تأثير الفينيقيين ملحوظاً في بادئ الأمر، لكن في أواخر القرن الثامن قبل الميلاد ازدهرت حضارتهم ازدهاراً عظيماً بما في ذلك زراعة شجر الزيتون في المناطق ذات المناخ الملائم واستخراج الزيت.
في لبنان امتدّت مساحات أشجار الزيتون في مدينتي صيدا وصور، فعرفت ثمرة تلك الشجرة بالزيتون «الصوري» نسبة الى مدينة صور حيث يتّسم زيت تلك المنطقة بطعم لذيذ وحاد.
ومنذ ذلك الوقت تطوّرت زراعة الزيتون واستخراج الزيت في لبنان فصنّفت نوعيته بالممتازة ما جعله مصدر دخل لعدد كبير من المزارعين والعاملين في القطاع بعد أن تخطّى حدود الوطن ليصل الى الدول الأوروبية وأميركا ودول الخليج العربي.
تمتدّ أشجار الزيتون البالغ عددها 12 مليوناً على مساحة 54 ألف هكتار على الأراضي الزراعية اللبنانية، مسجّلة 23% من المساحات الزراعية المستغلة في لبنان والبالغة 230 ألف هكتار. ما يجعل لهذا القطاع دور بارز على الصعيد الإقتصادي اذ يشغّل نحو 450 معصرة و100 وحدة توضيب زيت ونحو 60 وحدة زيتون للمائدة. ويشير مدير عام وزارة الزراعة لويس لحّود لـ»نداء الوطن» الى أن «عدد الحائزين على الأراضي المزروعة بالزيتون يبلغ 110 آلاف حائز من اصل 169 ألف حائز زراعي في لبنان.
ويستهلك الفرد سنوياً بحسب لحّود «نحو 5 كيلوغرامات من الزيت و5 كيلوغرامات من الزيتون أي ما يساوي نحو 20 ألف طن من الزيت لـ 4 ملايين نسمة في البلاد، ويرتفع الى 8 كيلوغرامات من الزيت للعائلات المنتجة له».
ومن المعلوم أن موسم الزيتون عندما يكون وفيراً في سنة يكون في السنة التالية أقلّ إنتاجية. وانطلاقاً من هنا يعتبر هذا العام كما أكّد لحود «جيّداً ولا توجد إحصاءات دقيقة حول الكميات المنتجة طالماً أن موسم القطاف لم ينته بعد، لكن بشكل عام إن متوسّط الإنتاج الزراعي السنوي استناداً اليه «يتراوح بين 80 و 180 ألف طن زيتوناً وتتوزّع المنتجات بين 20 ألف طن من الزيت و25 ألف طن من زيتون المائدة».
وخلال السنوات العشر الأخيرة ارتفعت حصّة الزيت البكر الممتاز والنوعية العالية من نسبة 10 الى 25% من إنتاج الزيت، ويعود السبب بحسب لحّود الى «حملات التوعية التي قامت بها وزارة الزراعة مع المنظمات الدولية والمجتمع الأهلي (غرف تجارة ونقابات وتعاونيات وبلديات ومدارس وجمعيات…) لتحسين الزراعات على مستوى الحقل ومرحلة ما بعد القطاف الى المعصرة ومرحلة تخزين الزيت».
مشاكل القطاع
لكن ما هي المشاكل التي يواجهها قطاع زراعة الزيتون؟
عدّد لحّود العقبات التي يواجهها القطاع كما يلي:
– وجود ظاهرة المعاومة أي عدم ثبات كمية الإنتاج، اذ إن نسبة الأشجار المعمّرة التي يتعدّى عمرها الـ50 سنة تشكّل نسبة 50% من المساحة المزروعة بأشجار الزيتون.
– إستخدام الطرق التقليدية في الزراعة والتسويق. علماً أن وزارة الزراعة تسعى الى رفع الإنتاجية للشجرة الواحدة من 10 الى 25 كيلوغراماً من الزيتون بهدف زيادة الربحية للمزارع من خلال المراكز الإرشادية الزراعية الـ32 المنتشرة على الأراضي اللبنانية، التي توجّه المزارع لتحسين ممارسات الإنتاج.
– كما تسعى وزارة الزراعة الى توجيه الفرد لزيادة إستهلاكه من 5 الى 15 كيلو من الزيت نظراً الى فوائده الصحيّة. لذلك نقوم بحملات تسويق محليا وخارجياً. محلياً من خلال «الأيام الوطنية» التي ستقوم بها وزارة الزراعة في كل المناطق اللبنانية على غرار ايام التفاح والمونة والمطبخ اللبناني والعسل والنبيذ والعرق بالتنسيق مع الجامعات والتعاونيات والنقابات والبلديات وغرف التجارة والصناعة والزراعة بهدف تشجيع المستهلك على استهلاك الزيت اللبناني وتوعية الأسواق الخارجية من خلال البعثات والملحقين الإقتصاديين في السفارات المنتشرة في كل دول العالم».
الى ذلك تسعى وزارة الزراعة من خلال دورها الداعم للقطاع الى تحديث وسائل الحصاد والمعاصر ومواكبة التقنيات الحديثة في الخارج. وأكّد حرص وزير الزراعة عبّاس الحاج حسن على تطوير سلسلة إنتاج زيت الزيتون واحترام النوعية والمواصفات.
وقال لحوّد حول مواكبة التقنيات الحديثة في الحصاد والصناعة، «نتعاون مع المجلس الدولي لزيت الزيتون في مدريد لمساعدتنا على تسويق الزيتون وزيت الزيتون، وخلال العامين الماضيين عملنا على تعزيز عمل مختبر التحاليل الكيماوية والحسّية التابع لوزارة الزراعة في كفرشيما بمراقبة زيت الزيتون ما يخدم أيضاً المزارعين في البحث العلمي». مناشداً الإنتشار اللبناني التسويق للمنتج الوطني من زيت الزيتون والزيتون في البلدان التي يقطن فيها، بهدف زيادة الصادرات وتعريف الدول بالمنتج وإدخال العملة الصعبة الى لبنان ودعم المستفيدين من ذلك القطاع والمساهمة في تحريك الإقتصاد وإبقاء المزارعين في قراهم.
الإستيراد ممنوع وباب التصدير على مصراعيه
وفي ما يتعلق بالإستيراد قال لحود إن استيراد الزيتون وزيت الزيتون غير متاح للمستوردين وذلك لحماية المنتج المحلي، في حين أن باب تصدير زيت الزيتون وجزئياته ناشط، إذ بلغت صادرات الزيت للسنوات العشر الماضية نحو 6717 طناً نظراً الى جودته العالية. وتمّ في الأشهر الـ7 الأولى من العام الجاري تصدير نحو1613 طناً. فعلى صعيد سنوي بلغت صادرات الزيتون 4731 طناً في العام 2021 مقارنة مع 6.972 طناً في سنة 2020 و 6.931 طنا في 2019 . وكانت سنة 2016 الأكثر تصديراً اذ سجّلت الصادرات 10.013 طناً.
في الخلاصة، تعتبر زراعة الزيتون مصدر رزق لكثير من العائلات اللبنانية عبر بيع الإنتاج من الثمار والزيت، بينما يعتمد العديد من العائلات عليها لتأمين حاجتهم كمؤونة منزلية من الزيت والزيتون. ولمناسبة اليوم العالمي للزيتون الذي احتفل به في 26 تشرين الثاني تبقى «شجرة الزيتون الصامدة في وجه العواصف والمتشبثة بالارض والمتأقلمة مع التغير المناخي، تعطينا الزيتون وزيت الزيتون والصابون والدفء وتساهم في تعزيز الأمن العذائي ودعم الاقتصاد الوطني. فالزيتون من أرضنا ومن تاريخ لبنان، وزيت الزيتون سفير من لبنان يتألق في أصقاع العالم». كما غرّد مدير عام وزارة الزراعة على «تويتر».
كلفة العصر والمازوت
بعد القطاف مباشرة، يتوجه المزارعون إلى معاصر الزيتون لاستخراج الزيت، إلا أن كلفة العصر ارتفعت أيضاً لتبلغ 400 ألف ليرة أي نحو 10 دولارات مقابل كل صفيحة زيت، كما أوضح أحد أصحاب المعاصر.
وتعود ارتفاع كلفة العصر الى كلفة تأمين المازوت لتشغيل المولّدات الخاصة لتأمين الكهرباء والطاقة في ظل شبه انعدام الكهرباء من المحطات الحكومية.
فضلاً عن الزيت، فإن المواد المتبقية من الزيتون بعد عصره، تقوم المعاصر بتحويلها إلى «جفت» ما يشبه الحطب لاستخدامه وقوداً للتدفئة، في ظل غلاء المازوت والغاز.
سعر صفيحة الزيت
كان سعر صفيحة (16 كلغ) من زيت الزيتون 500 ألف ليرة عام 2020 مقارنة مع مليوني ليرة العام 2021 حينما كان سعر صرف الدولار في السوق السوداء بحدود 20 ألف ليرة. أما في موسم 2022 فارتفع السعر الى نحو 4 أو 5 ملايين ليرة ما يعادل 100 أو 120 دولاراً، تأثراً باستمرار هبوط قيمة العملة المحلية الى أكثر من 40 ألف ليرة، فيما كان يبلغ سعرها قبيل اندلاع الأزمة الاقتصادية والمالية 150 ألف ليرة.
كيف تعرف إذا كان الزيت مغشوشاً؟
يتم سكب الزيت في كوب، ويوضع في الثلاجة لمدة ساعتين، وفي حال ملاحظة وجود طبقتين يكون الزيت مغشوشاً، أما في حال تجمّد الزيت وبقي قوامه موحداً، فعندها يتم التأكد من جودته».
مسلّم: تراجعت القدرة الشرائية محلّياً والتعويل على التصدير
أكّد صاحب شركة Msallem Food Tech للزيت والكبيس وسام مسلم، لـ»نداء الوطن» أن «موسم هذا العام كان جيداً بل أفضل من السنة الماضية بنسبة تتراوح بين 60 أو 70%. إلا أن تراجع القدرة الشرائية خفّض من الإقبال على الشراء بكمّيات كبيرة بهدف التخزين كما كان يحصل في السنوات السابقة فتراجعت كمية تصريف المنتج محلياً. ويوضح «بدل شراء غالون الـ 3 ليتر أو 500 ملليتر، بات يشتري المستهلك زجاجة الـ250 ملليتر، حتى أن ربّ الأسرة الواحدة كان يعمد الى شراء 4 أو 5 صفائح من الزيت، اليوم أمسى بالكاد يشتري صفيحة واحدة أو حتى نصف «تَنكة».
ويلفت سلّوم الى أن «اعتماد شركتهم التي لديها حقول من الزيتون في الكورة وتقوم بعصر تلك الثمرة المنتجة، يقوم على التصدير خصوصاً اليوم مع تراجع الإستهلاك المحلّي، إلا أن الصادرات كانت تتركّز بالدرجة الأولى على السعودية (1000 مستوعب أو كونتينر سنوياً) مشكّلة نسبة 80% من إجمالي صادرات الشركة، مقارنة مع نحو 200 مستوعب سنوياً لكل دولة نصدّر اليها، ما جعلنا نبحث عن اسواق جديدة». معتبراً أن «فقدان السوق السعودية كان له تأثير على تصريف الإنتاج فترك تداعيات على مردود الشركة آملاً من المسؤولين تحريك الموضوع من جديد بغية التوصّل الى مرحلة رفع حظر دخول المنتج اللبناني اليها».
وحول الأسواق التي يتمّ التصدير اليها قال إن «شركة مسلّم تصدّر الى أستراليا ودول الخليج واميركا وأوروبا». ويقدّر مسلّم أن «يسجّل محصول إنتاج العام الجاري عموماً نحو 45 أو 50 ألف طن من الزيت، 70% منه يتمّ تصديره الى الخارج و 30% تخصّص للسوق المحلية». مشدّداً على نوعية الزيتون والزيت اللبناني الفاخر لأن زراعتنا بعل ونوعية الأشجار تختلف عن الأوروبية منها، لناحية الشجر والحبوب.
لماذا القطاع مدولر ؟
وحول دولرة القطاع ، يقول مازوت الجرّارات نشتريه بالدولار والمبيدات أيضاً، أما اليد العاملة وإن كانت بالليرة اللبنانية إلا أنها ارتفعت كثيراً. لافتاً الى أن طن المازوت زاد سعره كما هو معروف اذ كان بقيمة 400 دولار وبات اليوم بـ1200 دولار. والمواد الكيماوية كان سعرها 300 دولار باتت بـ1000 دولار. أما اسعار المبيع فـ»تنكة» الزيت بالجملة تباع بقيمة 80 او 85 دولاراً فيما بالمفرق يتراوح سعرها بين 100 و120 دولاراً.