مارديني : لبنان ليس بلدا نفطيا بل بلد يفتش عن النفط والغاز الصندوق السيادي قد يهدر الاموال بدلا من استعمالها لمصلحة الشعب

مارديني : لبنان ليس بلدا نفطيا بل بلد يفتش عن النفط والغاز  الصندوق السيادي قد يهدر الاموال بدلا من استعمالها لمصلحة الشعب

بعد إعلان لبنان الموافقة على ترسيم الحدود البحرية، انتشرت شعارات تدعي أنّ لبنان أصبح بلداً نفطياً، وكثر الحديث عن أهمية إنشاء صندوق سيادي لإدارة عائدات النفط والغاز.فهل يعد لبنان فعلاً بلداً نفطياً و ماذا يعني الصندوق السيادي ومن وكيف يجب ان تتم ادارته كي يستفيد الاقتصاد اللبناني واللبنانيون من العائدات التي قد تنتج من استخراج النفط والغاز.

في هذا الاطار ميّز مدير المعهد اللبناني لدراسات السوق الخبير الاقتصادي الدكتور باتريك مارديني في حديث للديار بين ترسيم الحدود واعتبار لبنان بلدا نفطيا من عدمه معتبراً ان ترسيم الحدود لا يعني اننا اصبحنا بلداً نفطياً وهذا الامر لن يكون الا بعد استكشاف النفط والغاز.

واذ شدد على اننا لن نصبح بلداً نفطياً الا بعد ان نكتشف الغاز بكميات تجارية تسمح باستخراجها و تصديرها وجني الارباح منها اشار الى ان هذا الامر يستغرق ثماني سنوات على الاقل وبالتالي لبنان ليس حتى الان بلداً نفطياً بل بلد يبحث عن النفط.

واوضح مارديني انه في حال اصبحنا بلداً نفطياً فهذا الامر ممكن أن يغير وجه لبنان نحو الافضل او نحو الاسوأ فالامر يعود الى كيفية ادارة هذه الثروة مشيراً الى ان هناك بلدانا تمكنت من الاستفادة من ثرواتها النفطية وقامت بتحسين اوضاعها الاقتصادية كالنروج التي وضعت نظاماً بوصول العائدات الناتجة من النفط الى الشعب لافتاً الى ان هناك بلدانا اخرى سيطر فيها على هذه العائدات المسؤولون الفاسدون.

وتخوف مارديني الا تصل عائدات النفط في لبنان الى اللبنانيين لسببين الاول عند استخراجها ان تجري التلزيمات بشكل غير شفاف مع متعهدين لبنانيين يحملون اسماء شركات اجنبية دولية لكنهم يرتبطون باحزاب سياسية او اطراف معينة وعندئذ تذهب عائدات النفط الى جيوب هولاء بدل ان تدهب الى الدولة.

وعن السبب الثاني قال مارديني ما تبقى من مداخيل ممكن ان يذهب الى صندوق سيادي الذي من المحتمل ان يهدر الاموال بدلاً من ان يستعملها لمصلحة الشعب متخوفاً ان تصرف الاموال التي قد تُجنى بعد استخراج النفط والغاز على مشاريع تشوبها شبهات الهدر والفساد تحت حجج انمائية كالمياه و الكهرباء والنقل المشترك وغيرها من الامور.

واذ شدد مارديني على ضرورة اصلاح النظام و محاربة الفساد اينما وجد رأى انه يجب التفكير بحلول من خارج الصندوق السيادي تسمح أن توزع مداخيل النفط والغاز ان وجدت على الشعب اللبناني ولا تذهب الى صندوق تديره الدولة بطريقة غير صحيحة.

وتحدث مارديني عن تقرير أعده المعهد أكد فيه أن لبنان ليس بلداً نفطيا لأنه لم يكتشف الغاز المزعوم بعد بكميات تسمح بالاستخراج وتغطي التكلفة. وحتى لو بدأ لبنان بالتنقيب فورا وتأكد وجود كمية ونوعية تجارية مناسبة، فهو لن يستطيع تصدير الغاز قبل 8 سنوات، ولكننا حينئذ يمكننا على الأقل البحث في جدوى إنشاء صندوق سيادي.

ويشير الى أن بعض الدول تمتلك صناديق سيادية وتستعملها لإنفاق عائداتها النفطية لاحقا أو لاستثمارها. وتفضل بعض الدول المصدرة للنفط والغاز حماية نفسها من تقلبات الأسعار العالمية، فتبقي المال في الصندوق السيادي عندما تكون أسعار النفط والغاز مرتفعة وتنفق منه حينما تنخفض الأسعار العالمية، وهو ما يؤمن عنصر الاستمرارية للنفقات العامة. بينما تفضل دول أخرى استثمار أموال الصندوق خارج حدودها ما يسمح بتنويع المخاطر وتلافي تضارب المصالح وإغراءات الفساد. وتشتري هذه الصناديق وسندات آمنة وأسهم شركات عالمية، كما يفعل صندوق النرويج السيادي الذي يمتلك حصة 1.4% من جميع الشركات المدرجة في العالم.

ورأى انه يمكن للحكومة من خلال الصندوق السيادي الاستحواذ على الدولارات “الفريش” بشكل مباشر دون اللجوء إلى الطرق الملتوية. فإدارة الصندوق ستعينها الحكومة وعائداته ستمول النفقات الحكومية بحجة تقليص مستوى الدين العام، أو تضييق الفجوة أو تأمين حماية اجتماعية أو تحقيق تنمية اقتصادية عبر مشاريع الكهرباء والمياه وغير ذلك من الحجج لإنفاق هذه الأموال، وهو ما يكرر احتمال حصول فجوة مالية في الصندوق السيادي تكون مشابهة لتلك التي حصلت في احتياطي مصرف لبنان. عندها ستتبخر أموال النفط والغاز (إن وُجِدت) كما تبخرت أموال المودعين، وسيحمل السياسيون، الذين أنفقوا هذه الأموال على مشاريع مكلفة وغير مجدية، المسؤولية لإدارة الصندوق (كما فعلوا مع مصرف لبنان) التي ستتنصل بدورها من المسؤولية متهمة الحكومة، فيضيع “الشنكاش” ومعه مقدرات البلاد.

وعن البديل المقترح عن الصندوق السيادي، أي إدارة الحكومة مباشرة للأموال عبر وزارة الطاقة أو المالية أو مجلس الوزراء، فرأى أنه يفتح الباب على مصراعيه للتجاذبات السياسية ويزيد من شبهات الفساد وهدر الأموال. وفي حال كان الهدر في الصندوق السيادي يتعلق بكيفية إدارة الأموال التي قد يحصلها لبنان مستقبلا، فالهدر الداهم اليوم يتعلق بكيفية تلزيم عمليات التنقيب والحفر واحتمال الاستخراج. فقد تفرض الحكومة اللبنانية شريكاً لبنانيّاً على الشركات الأجنبية يتم اختياره على أساس الفساد والمحسوبيات، فيقتطع جزءاً يسيراً من مداخيل النفط والغاز قبل وصولها إلى الصندوق السيادي.