في خضمّ هذه الظّروف المأساويّة التي يعيشها لبنان، يواجه النّبيذ اللّبناني الانهيار الذي يعصفنا، ويحاول بكافّة الطّرق أن يكون خشبة الخلاص للبلد.
عُرف عن لبنان أنّه أحد أقدم الدّول المنتجة للنّبيذ في العالم، ويرقى تاريخه الممتدّ عبر خمسة آلاف سنة إلى عهد الفينيقيين، نسبةً لمناخه المثاليّ، الماطر شتاءً والجاف صيفًا. وتلك خاصّية مهمّة جداً لصناعة النّبيذ، لاسيّما إن كانت مصحوبة بأنواع تربة وارتفاعات مختلفة، على غرار منحدرات جبال البترون التي يداعبها النسيم دوماً، وأراضي وادي البقاع الزّراعية الخصبة. بالاضافة إلى أنّه من أولى الدول التي انضمّت الى عضويّة المنظمة الدوليّة للكرمة والنّبيذ مما يساهم في زيادة الثّقة بالمنتج اللبناني ووضعه في المصاف العالمية.
كشفت الأثريّات في تل البراق عن بقايا محفوظة لمعصرة نبيذ مُستخدمة منذ القرن السّابع قبل الميلاد، وهي تعتبر من أقدم المعاصر التي وجدت في المناطق الفينيقيّة.
إذًا، لبنان كان محطّة مهمّة لصناعة النّبيذ وتصديره إلى روما، اليونان ومصر. ومن هُنا نُدرك فهم معنى تكريس الرّومان معبد باخوس في بعلبك إلهًا للخمر وتحويل السّيد المسيح الماء إلى الخمر في بلدة قانا الجنوبيّة.
تصدير النّبيذ الى الخارج
استردّ القطاع عافيته على الرّغم من أنّ الدّولار يلامس الـ30 ألف ليرة لبنانيّة تقريبًا. وهناك ما يُقارب الـ 56 مصنع نبيذً جديد ، بحسب الأرقام الرّسميّة الصّادرة عن وزارة الصّناعة، لتنافس بدورها السّوق العالمي من خلال تشكيلتها المنوّعة من النّبيذ العالي الجودة.
فلا يسعنا اليوم، إلّا أن نشجّع صناعتنا ونطوّرها بقدر المُستطاع، كإنتاج أنواع نبيذ جديدة ذات جودة عالية. فكيف تطوّرت صناعة النبيذ إلى التّصدير وكم قنّينة نبيذ يتم تصديرها؟ وما هي الدول التي نصدّرها إليها؟
لفت رئيس نقابة صناعة النّبيذ ظافر شاوي للدّيار، إلى أنّ صناعة النّبيذ تتراجع مع كل انتكاسة تصيب البلاد. حيث أنّ الحرب سابقًا، قد أثرت بشكل سلبي على صناعته وتطوره، كما الحال اليوم مع أزمة الّدولار. فصحيح أنّ النّبيذ اللبناني عانى، لكنّه صمد وكافح وأصبح هناك 56 مصنع نبيذ موزعة على مختلف الأراضي اللّبنانية ما بين القاع ، البترون، جبل لبنان، والجنوب.
وقال:” النبيذ هو جزء من تاريخ لبنان وعراقته، كان يُستخدم سابقًا في الأديرة وللمناولة. ومن بعدها، بدأوا بصناعة النّبيذ عام 1857 في منطقة القاع، حيث الفصول الأربعة في مناخ معتدل وبعيدًا عن سطح البحر، وصولا لليوم الذي أصبح فيه النّبيذ اللّبناني من أعلى مستويات النّبيذ في العالم، أكان من ناحية الجودة العالية والسّعر المميّز، أي ما يقارب الـ6 دولار للقنّينة الواحدة”.
وأضاف شاوي للدّيار:” لبنان ينتج 10 ملايين زجاجة نبيذ في السّنة الواحدة، ويحاول قدر المُستطاع تكثيف جهده للتّصدير وبالتّالي صناعة أنواع نبيذ جديدة”.
وفي كلامه، أكّد شاوي أنّ حوالي 55 % من الكميّة تصدّر إلى الخارج، أي 5 مليون ونصف مليون زجاجة تصدّر إلى خارج لبنان مثل فرنسا، الولايات المتحدة، ايطاليا، ألمانيا، بلجيكا، هولندا، كندا، والامارات العربية المتحدة مؤخرًا، طبعا ذلك بدعم من الجالية العربية، و4 ملايين ونصف زجاجة نبيذ تباع في كافة الأراضي اللبنانية. وبدوره، شبّه إنتاج النّبيذ وتصديره بانبوب الاوكسيجين للمريض.
كلفة الـ Habillage
يشرح شاوي للدّيار التّحدّيات الأخرى التي تعيشها هذه الصّناعة:” كل مستلزمات صناعة النّبيذ أي القنّينة والمعدن والايتيكيت والفلّينة يتمّ استيرادها من الخارج. وهذه المُستلزمات باتت كلفتها عالية بسبب إرتفاع سعر الّدولار في السّوق السّوداء. وبالتّالي، إمكانيّة المنافسة ستصعب علينا مقارنةً لها من الماضي. بالإضافة إلى العنب الذي ارتفعت أسعاره بشكل ملحوظ مقارنةً بالسّنوات السّابقة”.
صحيح أنّ لبنان واجه ولا يزال تحدّيات كبيرة، فيما يتعلّق بصناعة منتجاته، لكنّه اليوم يستنزف طاقاته الأخيرة، علّه يُنقذ إنتاج النّبيذ الّذي اعتبر من أهم وأقدم الصّناعات في لبنان.
يبقى الدّاعم الأوّل والأخير، المُغترب اللّبناني، بجهدٍ متكاملٍ مع سياحة النّبيذ داخل البلاد ودعم المزارعين حيث انّهم يعانون أيضًا من التّكاليف العالية لإنتاج محاصيلهم، وبالتّالي زيادة أسعار المحروقات وتكلفة التّنقّلات العالية.