خشية تمرير القوانين الإشكالية بمعزل عن الإصلاحات الجدّية الاتفاق مع صندوق النقد معلّق على نتائج الانتخابات

خشية تمرير القوانين الإشكالية بمعزل عن الإصلاحات الجدّية  الاتفاق مع صندوق النقد معلّق على نتائج الانتخابات
مع إغلاق صناديق الاقتراع، وبدء نتائج الانتخابات النيابية بالظهور تباعاً تنفتح السيناريوات عن مصير الاتفاق مع صندوق النقد الدولي. فاستكمال الاتفاق المبدئي الموقع مع بعثة الصندوق في السابع من نيسان الفائت يتطلب بالاضافة إلى تطبيق الشروط الثمانية المسبقة، إستقراراً سياسياً، وتوافقاً على إقرار الاصلاحات المطلوبة. أول التحديات سيتمثل في انتخاب رئيس لمجلس النواب، والانتقال من بعدها إلى تشكيل حكومة غير مكبلة بمصالح الافرقاء السياسيين. ولنسلم أن قوى التغيير الرافضة لتبوؤ الرئيس نبية بري لولاية سابعة على التوالي، لم تحصل على الأكثرية، ومر القطوع من دون تقطيع أوصال الوطن، فان تشكيل الحكومة سيكون العائق الأكبر. ولا سيما أن الأخيرة، ستقوم مقام الرئاسة الأولى بعد 31 تشرين الاول القادم، في حال الفشل في انتخاب رئيس للجمهورية.
 
 

بحسب التجارب التي أوردها رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة في كتابه “الدين العام اللبناني – التراكم والتأثيرات السلبية” يظهر أن تأليف الحكومة بعد اتفاق الدوحة يتطلب في المعدل 181 يوماً، في حين كانت هذه المدة لا تتجاوز 6.2 أيام منذ اتفاق الطائف ولغاية العام 2003، أي خلال مراحل حكومات الرئيس رفيق الحريري، و11 يوماً في مرحلة ما بعد استشهاد الرئيس الحريري وما قبل اتفاق الدوحة. هذا عدا عن تأخر رئيس الجمهورية في إجراء الاستشارات النيابية الملزمة مدة 50 يوماً في الحكومة التاسعة عشرة بعد الطائف، والتي أفضت إلى تسمية الرئيس حسان دياب.

قياساً على هذا المنوال، فان الحكومة العتيدة القادرة على اتخاذ القرارات المصيرية والبدء باجراءات الإصلاح لن تبصر النور قبل انتهاء ولاية رئيس الجمهورية في 31 تشرين الأول القادم. وهنا ندخل في تعطيل ثان ناتج عن صعوبة التوافق على رئيس جديد. حيث تظهر الأرقام أن التأخير لانتخاب رئيس بلغ 183 يوماً قبل الرئيس ميشال سليمان، و 890 يوماً قبل انتخاب الرئيس ميشال عون. “وهي الانتخابات التي تحققت بنتيجتها المقايضة بين الجنرال عون و”حزب الله”، بحيث حصل الاول على موقع رئاسة الجمهورية وحصل الثاني على الجمهورية”، بحسب الرئيس فؤاد السنيورة، “ما مكنه بالتالي من الاطباق عليها”.

إستعصاء عن الاصلاح

هذا التعطيل الممنهج الذي انعكس تردياً كبيراً على جميع المستويات السياسية والاقتصادية والمالية من المتوقع أن يستمر، وأن يضاف اليه استعصاء تنفيذ الاصلاحات، تحديداً تلك التي تتطلب مشاريع قوانين. أما تلك المحالة إلى مجلس النواب، وفي مقدمها كل من “الكابيتال كونترول”، ومشروع قانون موازنة 2022، بما تتضمنه الاخيرة من ضرائب ورسوم، “فقد تمر في المجلس الجديد”، بحسب رئيس المعهد اللبناني لدراسات السوق د. باتريك مارديني. “خصوصاً أن حكومة تصريف الأعمال ستحاول الاثبات لصندوق النقد الدولي أنها تمتلك الأغلبية البرلمانية التي تسمح لها بتمرير القوانين التي تعهدت باقرارها في الاتفاق الموقع مع بعثة الصندوق. وفي هذه الحالة ينتقل مركز الثقل إلى البرلمان الذي سيتوقف إقرار القوانين من عدمه على نوابه المنتخبين”. وبحسب مارديني فان “حكومة تصريف الاعمال التي لا تعود تملك صلاحية البت بالامور المهمة والمصيرية، تراهن على إثبات مصداقيتها تجاه الجهات الدولية”.

المشكلة أن بعض الشروط المسبقة الأساسية التي على لبنان تنفيذها في إطار “الإتفاق الموقع على مستوى الموظفين” تتطلب إعداد مشاريع قوانين على صعيد الحكومة. وذلك مثل إعادة هيكلة القطاع المصرفي، الإتفاق مع الدائنين، الشروع في تقييم مدعوم خارجياً لأكبر 14 مصرفاً على حدة، تعديل قانون السرّية المصرفية، إعادة هيكلة المالية العامة والديون، توحيد سعر الصرف والتدقيق في أصول “المركزي” الخارجية. هذه الخطوات لا تمثل الاصلاحات من وجهة نظر مارديني إنما “القواعد التي على أساسها ستبنى الاصلاحات”. تتطلب حكومة أصيلة وفي حال الفشل في تأليف حكومة سريعاً فانها ستبقى معلقة.

تمرير القوانين الاشكالية منفردة

في المقابل قد يمرر مجلس النواب ما بين يديه من مشاريع ومقترحات قوانين مثل: قانون “الكابيتال كونترول” الذي اعتبرته لجنة حماية حقوق المودعين في نقابة المحامين في بيروت بأنه “يمثل بصيغته الحالية المخالفة للدستور إبادة جماعية بحق المودعين، وتدمير ممنهج للاقتصاد اللبناني”. وعليه فان إقراره “سيبرئ ذمة من استولى على أموال المودعين والدولة بشكل مطلق، ويشرع عملية تهريب الاموال التي حصلت خلال السنوات الثلاث المنصرمة، ويسقط مفاعيل الدعاوى القضائية، ويضرب القدرة على النهوض بالاقتصاد من خلال إبعاد الاستثمارات وتكريس الاقتصاد النقدي، وعدم القدرة على فتح حسابات جديدة أو اعتبار الاموال النقدية في المنازل كأموال طازجة”. أما الكارثة فستكون بتمرير مشروع قانون موازنة 2022 بما تتضمنه من رسوم وضرائب هائلة، وفي مقدمها رفع الدولار الجمركي إلى رقم يتراوح بين 20 ألف ليرة والسعر المحدد على منصة صيرفة (هذا إن بقيت تعمل)، وزيادة تسعيرة مختلف الخدمات وأهمها الكهرباء والاتصالات.

كما قدمت المنظومة “رشوة” سلسلة الرتب والرواتب قبل انتخابات 2018 وحشت القطاع العام بالتوظيفات، وأرهقت المواطنين والاقتصاد بالضرائب، “عمدت إلى شبه تثبيت سعر صرف الدولار قبل نحو 5 أشهر من انتخابات 2022 من خلال التعميم 161، وعلقت إقرار “الكابيتال كونترول” والموازنة وبقية الاجراءات المشكوك بفعاليتها بعد تأخرها لسنوات”، بحسب المحلل الاقتصادي طالب سعد. و”الخوف أن يعود المجلس الجديد إلى تفعيل هذه القوانين في حال نيل المنظومة الاكثرية، أو العمل على التعطيل في حال العكس. وفي الحالتين سيدفع المواطن الثمن”.

المشكلة من وجهة نظر سعد أن “المنظومة سعت إلى إيهام المجتمع الدولي بالاصلاحات لكسب المزيد من الوقت وتقطيع الانتخابات. وذلك على حساب ما بقي من احتياطيات عملات صعبة في “المركزي” لا تعوض، وإقرار موازنة “تبنيجية” من دون خطة. حيث هربت الحكومة في الموازنة دفعات مستحقة وسلفاً، منها للكهرباء، وتقسيط ديون للضمان، ولم تضمنها مستحقات الديون الخارجية، من أجل أن تأتي متوازنة وبعجز مقبول. فيما الحقيقة أن نسب العجز فيها هائلة ولم تبن من منطلق صحيح لكيفية تقدير الايرادات”.

النتائج ستكون سلبية كيفما أتت

نتائج الانتخابات التي ستؤكَّد بعد ساعات “لن تكون مريحة على الوضع الاقتصادي كيفما أتت”، برأي سعد، “فان نجح فريق السلطة في نيل الاغلبية، سيكرس حكومة ورئيس جمهورية على النهج نفسه، الذي أبعد لبنان عن محيطه العربي وسبب قطيعة مع كل دول العالم، وفشل في تقديم تجربة ناجحة في الاقتصاد والادارة. وفي حال خسر هذا الفريق لن يدع الاغلبية تحكم وسيمارس سياسة التعطيل. وهذا النهج أيضاً مجرب مع أفرقاء هذه السلطة في السنوات الماضية”. وعليه فان الاصلاحات المطلوبة من صندوق النقد تتطلب سلطة قادرة وغير فاسدة. خصوصاً في ما يتعلق بتعزيز الشفافية المالية ورفع السرية المصرفية واعادة هيكلة المصارف، وترشيق القطاع العام والانطلاق بالحوكمة. وهي إجراءات على لبنان تنفيذها بغض النظر إن وقع أو لم يوقع اتفاقاً مع صندوق النقد الدولي.

عقبة ترشيق الدولة

أفضل الاحتمالات التي تنحو جهة هيكلة القطاع المصرفي وتوزيع عادل للخسائر ستصطدم بـ”إعادة صياغة المؤسسات المملوكة للدولة، وخاصة في قطاع الطاقة، لتقديم خدمات عالية الجودة دون استنزاف الموارد العامة”، التي يشترطها صندوق النقد، وتعتبر المنطلق الحقيقي لاي إصلاح. فهل يتصور عاقل إمكانية إقصاء موظفين وتصغير الاجهزة الامنية والادارة المحشوة بالتوظيفات الزبائنية؟! أو هل سيقتنع “التيار الوطني الحر” الممسك بالطاقة بانشاء هيئة ناظمة حقيقية وقادرة على العمل بحرية من دون تدخلات الوزير المنفعية؟!

أسئلة كثيرة تؤكد خوف الخبير الاقتصادي د. إيلي يشوعي الذي لا يفكر بـ15 أيّار بقدر تفكيره الدائم بـ16 أيار. حيث “سينتشي من فاز بالانتخابات دون الشّعور بخطورة الآتي، ستضيع أسابيع وربما أشهر بين استشارات لتسمية رئيس جديد للحكومة وتشكيلها، سيُمرر المجلس النيابي الجديد الموازنة المُجمّدة موقتاً، سيرتفع الجمرك والإتصالات وسيُرفع الدعم عن الطحين، وستُشطب ودائع الناس بشحطة قلم، وستُعنتر المصارف من جديد بعد أن ضُغطت 3 أعوام، ربما تعود الطوابير في حال تخلى رياض عن تأمين دولارات البنزين”. فالفرق الوحيد برأيه بين ما قبل 16 أيار وما بعده هو أن “السلطة الجديدة في حينها لن تخشى أي ردة فعل شعبية وستفعل كل شيء دون أن يرف لها جفن، كيف لا وهي المُنتخبة ديمقراطياً وشعبياً من خلال أسوأ قانون”.

الأمر الوحيد الذي يقلب هذه المعادلة المتشائمة هو تحقيق القوى السيادية والتغييرية الحقيقية الاكثرية المطلقة، وانتقالها جدياً إلى بناء الدولة. فهل من أمل؟

اضغط هنا لقراءة المقال على موقع نداء الوطن