بين إعلان «الإفلاس» و«موجة» التطمينات… قراءة في كلام نائب رئيس الحكومة اللبنانية

بين إعلان «الإفلاس» و«موجة» التطمينات… قراءة في كلام نائب رئيس الحكومة اللبنانية

بيروت: آخر السجالات على الساحة اللبنانية أشعلتها تصريحات نائب رئيس مجلس الوزراء اللبناني، سعادة الشامي، الأخيرة حيث قال في مقابلة تلفزيونية إن الدولة ومصرف لبنان المركزي مفلسان، وإن الخسائر ستوزع على الأخيرين، وكذلك على المصارف التجارية والمودعين.
وأتى سجال الإفلاس هذا على وقع احتدام المعركة بين السلطة القضائية وبعض المصارف ومصرف لبنان المركزي تحديداً مترافقة مع الصراع السياسي الذي بات خبز اللبنانيين اليومي.

ورغم توضيحات الشامي اللاحقة وما رافقها من استهجان لرئاسة الحكومة لما اعتبرت أنّه كلام مجتزأ، وكذلك نفي المركزي لما أشيع، فإن حجم القلق تفاقم لدى المودعين من ضياع جنى أعمارهم، سيّما وأن خبراء اقتصاديين وجدوا في تصريح الشامي رسالة تخشى السلطتان السياسية والنقدية مصارحة اللبنانيين بها، مفادها: «نحن عاجزون».

وفي هذا الشأن، استطلعت «المجلة» أراء خبيرين اقتصاديين كان لهما قراءتهما الخاصّة بكلام نائب رئيس الحكومة اللبناني، حيث اعتبر المحلّل والخبير الاقتصادي جان طويلة أن تصريح نائب رئيس الحكومة سعادة الشامي الذي أعلن فيه أن «الدولة أفلست وكذلك مصرف لبنان والخسارة وقعت، لا يعني أنّه موقف رسمي للحكومة اللبنانية أو يلزم جميع الوزراء، وبالتالي لن يأخذ جميع الأعضاء فيها هذا الكلام بعين الاعتبار، حيث بات معروفاً في لبنان أن تصريح أحد الوزراء لا يلزم الحكومة ككلّ».

وفي حديث لـ«المجلة»، قال: «أستغرب كل ما يقال حيال هذا الموضوع، فإفلاس الدولة اقتصادياً يحصل عندما تتعثر عن دفع دينها، وهذا الأمر حصل بالفعل في مارس (آذار) 2020، فلماذا انتظرنا تصريح الشامي لنعي أن الدولة قد أفلست؟». وأضاف: «هذا أكبر دليل على حالة الإنكار التي تعيشها السلطة السياسية، ما كلّفنا غالياً”، لافتاً إلى أن ما قاله نائب رئيس الحكومة اللبناني ليس بجديد.

وتابع: «السلطة السياسية اليوم ما زالت مستمرّة في حالة الإنكار هذه، حيث يطالبها صندوق النقد الدولي بموقف رسمي وضمانات من كل الأفرقاء، إلّا أّنهم غير قادرين على إعطائها، مما يدفع باتجاه التعثر الحاصل»

وأضاف: «أموال المودعين في المصارف، والمصارف بدورها تضع أموالها إمّا في مصرف لبنان وإما لدى الدولة، وعندما يقرّ أخيرا أحد المسؤولين بإفلاس الدولة والمصرف المركزي فهذا يعني أن لا إمكانية لاسترداد أموال المودعين، مهما اختلفت طريقة الشرح والتفسير، هذا كلّه كذب ولعب بالكلام، فلسوء الحظ الخسائر كبيرة جداً وأموال المودعين تبخّرت».

حجم الخسائر
ويكشف طويلة لـ«المجلة» أن الأرقام الجديدة لصندوق النقد الدولي تظهر أن حجم الخسائر بلغ 73 مليار دولار بعد أن كانت 69 مليارا، وهذه النسبة تساوي تقريباً 5 مرات الناتج المحلي للاقتصاد اللبناني.

وأردف: «ما سيسترّده المودعون من أموال سيتقرّر على ضوء ما ستصل إليه المفاوضات مع صندوق النقد»، مشدداً على «ضرورة أنّ يتحرّك الشعب اللبناني لمحاسبة المسؤولين عن هذه الكارثة، فالحقيقة كانت منذ سنتين واضحة، وكان بإمكانهم توفير الكثير من الأعباء عن كاهل المواطن».
ويختم: «متابعة السلطة السياسية اللبنانية بحالة الإنكار هذه ستوصلنا لمزيد من دفع الأثمان».

التسلسل الإصلاحي للحكومة
من جهته، يقول الخبير الاقتصادي باتريك مارديني لـ«المجلة»: «يجب أن نتذكر أن الدولة اللبنانية متوقفة عن دفع خدمات سندات اليورو بوندز منذ مارس (آذار) 2020 أي منذ عامين، ولو أن لبنان شركة، لكان حتماً أعلن إفلاسه، ولكن في حالة الدول لا نستخدم مصطلح إفلاس، فمصطلح الدولة المفلسة يستخدم في سياق صحافي، فالدولة لا تفلس بل تتخلّف عن الدفع و(حتى الله يفرجها)».

وأضاف: «اللغط الذي حصل لغوي وليس أبعد من ذلك، إذ كان من الأفضل استخدام تعبير أن الدولة غير قادرة على الدفع أو متعثّرة مالياً وبالتالي مصطلح إفلاس ليس في مكانه شكلياً. أمّا في المضمون، فحديث الشامي كان في معرض الردّ على سؤال حول توزيع الخسائر، والهدف من هذا الكلام كان أن الحكومة اللبنانية والمصرف المركزي غير قادرين على تحمّل جزء كبير من الخسائر».

وتابع: «هذا يعني تلقائياً أن الخسائر ستتحملّها المصارف والمودعون، فالتسلسل الإصلاحي للحكومة في غير مكانه»، مستشهداً بحديث المدير العام الأسبق لصندوق النقد الدولي جاك دو لاروزيير الذي قال إن «خطة الحكومة اللبنانية بالمقلوب إذ تبدأ بتوزيع الخسائر والتي هي الخطوة الأخيرة».
وقال: «توزيع الخسائر الآن يظلم المودع ويأكل حقّه ويكبّده خسارة كبيرة، أماّ إذا تركنا توزيع الخسائر إلى ما بعد تأمين الاستقرار النقدي وخطة التعافي فيمكن للمودع أن يسترجع جزءاً من ودائعه».

يصف مارديني ما يحصل بـ«سرقة أموال ومقدرات الشعب اللبناني»، قائلاً: «هذا ما قاله دو لاروزيير. واليوم، أي خطة لتوزيع الخسائر إن كان عبر تليير الودائع أو عن طريق وضع الكابيتال كونترول وإعفاء الحكومة والمصرف المركزي منه، سيؤدي إلى تبديد ما تبقى من دولارات للمودعين في المصارف. والأولوية يجب أن تكون لتأمين الاستقرار النقدي عن طريق إنشاء مجلس نقد الذي يحافظ بدوره على احتياطي العملات الأجنبية، لا بل يزيده أيضاً، ويؤمن ثبات واستقرار سعر الصرف ووقف التضخم المفرط الذي يعيشه لبنان، ووقف نهب ثروات الشعب اللبناني».

وأردف: «هذا الاستقرار يحرّر الليرة من القيود ويؤمن أرضية لإعادة الحركة الاقتصادية في البلد، ومن ثم يأتي التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي الذي يسمح بإصلاح القطاع العام عن طريق وقف عجز الموازنة العامة وعجز ميزان المدفوعات وبعدها نمضي بخطة التعافي التي تسمح بتخفيض عجز الموازنة العامة وتحويله إلى فائض، وهذا الفائض يجعلنا نقّيم قدرة الدولة على تحمّل الخسائر وخدمة الدين العام».

إلى ذلك، أشار مارديني إلى أنّه «بعد كل هذا الخطوات، يمكنّنا البدء بالحديث عن التفاوض مع الدائنين، واستناداً إلى ذلك، تتحدّد خسارة المصارف على القطاع العام. الحكومة اليوم غير قادرة على ردّ أموال الناس، إلّا في حال عودة الحركة الاقتصادية والنمو. لبنان بأسوأ ظرف اقتصادي والحكومة غير قادرة على إغلاق الفجوة».

وعن تداعيات تصريحات الشامي الأخيرة على سعر الصرف، قال: «المركزي يتدخل على سوق الصرف عبر ضخ الدولار من خلال التعميم 161 ومن هذا المنطلق، صعب جداً قياس تأثيره المباشر على سوق الصرف، إلّا أن التأثير الأكبر سيكون على احتياطي مصرف لبنان من العملات الأجنبية».

وأضاف: «الحديث المكثّف الذي تحاول الحكومة اللبنانية بثّه حول إمكانية التوصل إلى اتفاق إطاري مع صندوق النقد الدولي قريباً، قد يخلق نوعاً من التوازن مع كلام نائب رئيس الحكومة الذي أثار قلقاً في الأسواق، حيث يسهم بنوع من الطمأنة، ولكن الحديث بحد ذاته الذي قاله الشامي كونه المولج بالتفاوض مع صندوق النقد يعطي الأسواق ذريعة التخوّف من المزيد من انهيار الليرة وارتفاع سعر صرف الدولار وهذا حقّها، ولهذا السبب بدأت الحكومة بموجة التطمينات».

اضغط هنا لقراءة المقال على موقع المجلة