أثارت تصريحات «مسيئة» أطلقها وزير الإعلام اللبناني جورج قرداحي حول اليمن، أزمة سياسية للبنان مع غالبية الدول الخليجية، استدعت وقف العلاقات الدبلوماسية بين لبنان وكل من الكويت والسعودية والبحرين والإمارات واليمن. كما أن الرياض اتخذت خطوة إضافية تمثلت في وقف كافة الصادرات اللبنانية إلى المملكة، مما سيؤدي إلى خسائر اقتصادية كبيرة لبلد يُعاني أساساً من أزمة اقتصادية ومالية خانقة صنفها البنك الدولي بأنها من بين 3 أسوأ أزمات اقتصادية في العالم.
وفي التفاصيل، أعلنت الحكومة السعودية استدعاء سفيرها لدى لبنان للتشاور، وإمهال السفير اللبناني 48 ساعة لمغادرة أراضيها، ووقف جميع الواردات اللبنانية إليها.
وسرعان ما أعلنت وزارة الخارجية البحرينية أنها طلبت من السفير اللبناني لدى المنامة «مغادرة أراضي المملكة خلال الـ48 ساعة القادمة، وذلك على خلفية سلسلة التصريحات والمواقف المرفوضة والمسيئة التي صدرت عن مسؤولين لبنانيين في الآونة الأخيرة». وأوضحت الوزارة أن «هذا القرار لا يمس بالأشقاء اللبنانيين المقيمين» في البحرين.
كما انضمت الكويت إلى السعودية والبحرين، وطالبت القائم بأعمال السفارة اللبنانية المغادرة خلال 48 ساعة، واستدعت سفيرها في بيروت.
وكذلك أعلنت دولة الإمارات سحب دبلوماسييها من الجمهورية اللبنانية. وقال خليفة شاهين المرر، وزير دولة، إن «قرار سحب الدبلوماسيين جاء تضامناً مع المملكة العربية السعودية، في ظل النهج غير المقبول من قبل بعض المسؤولين اللبنانيين تجاه المملكة».
واستدعى اليمن سفيره في لبنان للتشاور على خلفية هذه التصريحات. وقالت وزارة الخارجية اليمنية في بيان إنها استدعت السفير اليمني لدى لبنان عبد الله الدعيس، و«ذلك للتشاور حول التصريحات المستهجنة من وزير الإعلام اللبناني»، وكان السفير اليمني قد سلم السلطات اللبنانية في 27 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي رسالة احتجاج بشأن تصريحات قرداحي، والتي وصفتها الخارجية اليمنية بأنها «انحراف عن الموقف العربي الداعم للقضية اليمنية العادلة في مواجهة ميليشيات انقلابية».
ردود فعل دولية
وأثارت تصريحات قرداحي، ردود فعل واسعة، إذ أعرب الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي الدكتور يوسف العثيمين عن استنكاره ورفضه لهذه التصريحات.
بدوره، عبّر الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية نايف فلاح الحجرف، عن رفضه التام جملة وتفصيلاً لهذه التصريحات التي «تعكس فهماً قاصراً وقراءة سطحية للأحداث في اليمن». وطالب وزير الإعلام اللبناني بـ«الرجوع إلى الحقائق التاريخية وقراءة تسلسلها ليتضح له حجم الدعم الكبير الذي تقدمه دول التحالف العربي لدعم الشرعية، بقيادة السعودية، للشعب اليمني في المجالات والميادين كافة». كما طالب بالاعتذار عما صدر من قرداحي من تصريحات مرفوضة، مؤكداً أن على الدولة اللبنانية أن توضح موقفها تجاه تلك التصريحات.
ومن ناحيته، حاول رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي احتواء الموقف، فأعلن رفضه لما تحدث به وزير الإعلام، مشدداً على أن تلك التصريحات لا تعبر عن موقف الحكومة اللبنانية «الحريصة على أطيب العلاقات مع الدول العربية والخليجية، وإدانة أي تدخل في شؤونها»، حسب بيان أصدره.
حظر استيراد المنتجات الزراعية اللبنانية
وفي أبريل (نيسان) الماضي أعلنت السعودية حظراً على استيراد المنتجات الزراعية اللبنانية، بسبب تهريب المخدرات، مما أدى إلى إغلاق سوق كبيرة للمزارعين اللبنانيين. وتصدير الخضراوات والفواكه اللبنانية إلى دول الخليج، وخاصة إلى المملكة، أحد الأبواب القليلة التي كانت لا تزال مفتوحة لجلب الدولارات إلى البلاد التي تُعاني من شح كبير في العملات الصعبة وانهيار لليرة اللبنانية بشكل غير مسبوق.
ثار الأزمة على الاقتصاد اللبناني
يرى رئيس المعهد اللبناني لدراسات السوق، باتريك مارديني، في حديث لـ«المجلة»، أن «لبنان سيتأثر سلباً جراء هذه الأزمة، خصوصاً في حال وقف الصادرات اللبنانية إلى الخليج. وفي وقت سابق توقفت الصادرات الزراعية إلى السعودية، وفي حال توقفت جميع الصادرات اللبنانية إلى جميع الدول التي سحبت سفراءها فإن ذلك سيؤدي إلى مشكلة كبيرة للبنان، إذ إنه يُصدر نحو 550 مليون دولار للإمارات ونحو 250 مليون دولار للسعودية» . وأضاف: «كما أن القطاعات الإنتاجية، مثل الصناعة والزراعية، والتي لم تعد تستطيع الاعتماد على السوق اللبنانية بسبب انهيار القدرة الشرائية، هي أساساً تُعاني من أزمة اقتصادية خانقة بعد زيادة التكلفة من محروقات وغيرها من المواد الأولية».
ولفت مارديني إلى أن «هذه الأزمة ترتبط بثلاث قنوات اقتصادية، الأولى أن بيع المنتجات اللبنانية إلى الخارج يؤدي إلى دخول العملة الصعبة إلى البلاد، وبالتالي في حال انخفض دخول هذه العملة الصعبة فستزداد مشكلة شح الدولار التي أساساً تُعاني البلاد منها. أما القناة الثانية فهي عامل الثقة، فاللبناني ما زال يتأمل بالتوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي وأن تعود علاقتنا مع المجتمع الدولي مما يُعيد المساعدات للبنان، إلا أن هذه الأزمة تُقلل من هذه الثقة، وهذا ما سيدفع اللبناني إلى تحويل العملة المحلية التي بحوزته إلى الدولار خوفاً من انهيار الليرة أكثر. أما القناة الثالثة فتتعلق بالتحويلات الخليجية إلى لبنان، إذ إن الكثير من المستثمرين الخليجيين كان لديهم تاريخيا استثمارات في لبنان، وهي تراجعت كثيراً بعد الأزمة الاقتصادية ومن الطبيعي أن تتراجع أكثر أو حتى تنعدم بعد هذه الأزمة».
كما أشار مارديني إلى أنه «في حال شعرت القطاعات الإنتاجية في لبنان بأن هذه الأزمة ستطول ولن يتم ترميمها، فمن المرجح أن تنتقل من لبنان إلى دول أخرى مما يمكن أصحاب هذه القطاعات من التصدير لدول الخليج. ففي حال طالت هذه الأزمة يمكن أن تكون لها آثار مدمرة للاقتصاد اللبناني لأنها ستؤدي إلى هروب ما تبقى من القطاعات الإنتاجية».
وفي سياق متصل، أكد الخبير الاقتصادي وليد أبو سليمان في حديث لـ«المجلة» أن «هذه الأزمة ستؤثر على الزراعة والصناعة بشكل خاص، مما سوف يؤدي إلى انخفاض التصدير وهذا ما سيرتد سلباً على الصناعة اللبنانية وقد تؤدي إلى إقفال بعض المصانع، فضلا عن هجرة بعض المصانع للخارج».
وأضاف: «القطاع الزراعي سيتضرر كذلك، لأن الأزمة ستؤدي إلى تخمة في المحصول الزراعي مما يؤدي بدوره إلى تلف وكساد ويمكن أن يصل إلى انخفاض للأسعار لأن العرض سيصبح أكثر من الطلب». وتابع: «كما أن هذه الأزمة ستؤثر على الوضع الاقتصادي، إذ إن إقفال المصانع سيؤدي إلى تسريح الموظفين، بالإضافة إلى أنه سيؤثر على سعر الصرف، حيث سيقلل من دخول العملة الصعبة إلى البلاد».
بالأرقام.. التبادل التجاري بين لبنان ودول الخليج
لا شك أن اللبنانيين يتخوفون من الارتدادات التي قد تحملها هذه الأزمة، خصوصاً فيما بتعلّق بالجانب الاقتصادي. ويعتبر الميزان التجاري خاسراً دائماً بين الطرفين لصالح دول مجلس التعاون منذ سنوات طويلة.
وتشير دراسة لغرفة التجارة والصناعة والزراعة في لبنان إلى أن حجم الصادرات اللبنانية إلى مجلس التعاون وصل إلى 891 مليون دولار عام 2012، ووصل عام 2020 إلى 931 مليون دولار، فيما سجل منذ مطلع عام 2021 حتى فبراير (شباط) الماضي 140 مليون دولار.
بموازاة ذلك، سجلت واردات لبنان من دول مجلس التعاون 1.5 مليار دولار عام 2012، لتصل العام الماضي إلى مليار دولار، فيما سجلت منذ مطلع 2021 حتى فبراير الماضي 211 مليون دولار.
وارتفعت الصادرات اللبنانية إلى السعودية من نحو 286 مليون دولار إلى نحو 289 مليون دولار بين 2018 و2019، لتصل إلى 247 مليون دولار في 2020. وتصدرت الفواكه والخضراوات لائحة الصادرات عام 2020 بنحو 36 مليون دولار. وبلغ مجموع الصادرات الإجمالية في العام الماضي 3.8 مليار دولار.
أما واردات لبنان من السعودية، فقد تراجعت خلال 2018 و2019 و2020، من 506 ملايين دولار إلى 344 مليوناً وصولاً إلى 183 مليوناً على التوالي. وكانت البلاستيكات على رأس لائحة الواردات بقيمة 62 مليون دولار.