اللبنانيون يعترفون سرا وعلانية بعجزهم عن تحجيم «حزب الله»

اللبنانيون يعترفون سرا وعلانية بعجزهم عن تحجيم «حزب الله»

كلام فارغ
ولا تزال ارتدادات الأزمة التي أحدثها وزير إعلام لبنان في أوجها داخل لبنان والتجاذبات السياسية تزداد حدة، وذلك أظهر مدى التباعد والتناقض في سياسة السلطة اللبنانية، فما بين الحلفاء والخصوم تباينات حول الأزمة الدبلوماسية، فمن يخشى «حزب الله» أو يعمل وفق قراراته لم يحرك ساكنا أو اكتفى بـ«كلام فارغ»، أما خصوم «حزب الله» والذين كانوا ينبهون إلى هكذا أزمة يواصلون تصعيدهم ضد سياسته الإيرانية التي كبدت لبنان واللبنانيين جملة من الخسائر الفادحة، وفي أولويتها الامتداد العربي الذي يشكل هوية لبنان وثقافته وولاءه، بحسب مراقبين لـ«اليوم».

وفي هذا الإطار، علمت «اليوم» أن رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي «غاضب من حزب الله، وهو يلمح بشكل واضح إلى استقالته، أو استقالة المكون السني من الحكومة إذا لم يستقِل وزير الإعلام جورج قرداحي خلال ساعات».

اعتراف بالعجز

ومن بين المواقف المتناقضة لوزراء حكومة ميقاتي، اعتراف وزير الخارجية اللبناني عبدالله بوحبيب لوكالة «رويترز»، بأن «الحكومة غير قادرة على تحجيم دور حزب الله وهذه مسألة إقليمية».

الانهيار يتسع

وعلى خط الأزمة الاقتصادية والنقدية التي يمر بها لبنان، حذر الخبير الاقتصادي باتريك مارديني من أن «المقاطعة العربية للبنان وحظر الصادرات اللبنانية إلى دول الخليج سيلحق أذى كبيرا بالاقتصاد اللبناني، خاصة أن صادراتنا إلى دول الخليج كبيرة، ونحن نتكلم هنا عن صادرات بقيمة 550 مليون دولار إلى الإمارات، وحوالي 250 مليون دولار إلى السعودية، وبالتالي دول الخليج هي شريك تجاري مهم جدا للبنان»، وأعلن أن «جميع القطاعات الإنتاجية في لبنان ستتضرر بسبب الإجراءات الخليجية، وخاصة القطاعين الزراعي والصناعي».

الأزمة الدبلوماسية

وبخصوص تأثير الأزمة الدبلوماسية الحاصلة على سعر صرف الليرة اللبنانية، أشار مارديني في حديث صحفي إلى أنه «بالأساس لبنان يعاني من مشكلة للطلب المرتفع على الدولار نتيجة الضخ الكثيف لليرة اللبنانية من قبل المصرف المركزي، فقد زاد حجم الكتلة النقدية بالليرة اللبنانية أكثر من 800% وبالتالي الطلب على الدولار حتما سيرتفع أكثر فأكثر»، مشيرا إلى أن «الأزمة المستجدة مع دول الخليج ستسهم في تقليل عرض الدولار في لبنان مقابل الليرة اللبنانية نتيجة توقف الصادرات». وأكد أن «الاتجاه العام للدولار هو تصاعدي، وقد يشهد بعض التقلبات، لكن لا سقف لارتفاعه في المرحلة الراهنة».

لبنان مخطوف

ويجزم الخبير الإستراتيجي سامي نادر، في تصريح لـ«اليوم»، بأنه «كان يتوجب على الحكومة ولو بالحد الأدنى الاستقالة، وحتى لو أتت هذه الاستقالة متأخرة، يجب أن تحصل»، موضحا أنه «لم يعد سرا أن لبنان بلد مخطوف ولأنه كذلك وهو يذهب بالاتجاه المعاكس، لهذا فقدت دول الخليج الأمل في إمكانية المعالجة». ويقول: «في المقابل، هنالك حكومة تؤمن الغطاء أو إنها متواطئة وراضية بسطوة «حزب الله» على لبنان، لهذا آن الأوان لأنه تقول الحكومة، فلتعلن أنني لا أملك أي قرار وتعلن استقالتها».

ويرى نادر أن «الطريقة التي لجأت إليها السلطة اللبنانية لمعالجة الأزمة مع السعودية ودول الخليج، غير مجدية ولن توصل القنوات الأوروبية والأمريكية إلى حل هذا الموضوع الذي يجب أن يتم داخل العائلة العربية»، لافتا إلى أن «الخطوة الأولى كانت باستقالة الوزير قرداحي، وبما أنها لم تحصل يجب على حكومة ميقاتي أن تستقيل، إلا أنه من الواضح أن رئيس الحكومة لن يتمكن من ذلك، مستذكرا مقولته حينما دخل المازوت الإيراني «أنا حزين»، اليوم الأزمة كبيرة هنالك علاقات ومصالح تنهار نتيجة إلى القرار، والأسوأ قادم».

حكومة فاشلة

ويعلن الخبير الإستراتيجي أن «لبنان تحت الهيمنة الإيرانية والسلطة اللبنانية مغلوب على أمرها»، مشيرا إلى أن «ما يحصل يشكل ضربة للمبادرة الفرنسية، لأن التسوية الفرنسية ـ الإيرانية التي أنتجت حكومة ظهر مدى هشاشتها وكان من الأفضل عدم تشكيلها لما كنا وقعنا في هذه الورطة والقطيعة مع الخليج العربي». ويعتبر أن «جل ما قامت به الحكومة هو مفاقمة الأزمة بدلا من وقف الانهيار، وهي اليوم فاشلة فلم تستطع ضبط ارتفاع الدولار مقابل الليرة اللبنانية وكما أن الانتخابات النيابية المقبلة هي في مهب الريح، خاصة بعد التشنج السياسي الحاصل، وهذا يعني الغرق أكثر في المشروع الإيراني». ويختم: «لذلك على ميقاتي مسؤولية في هذا الاتجاه لأنه يشكل غطاء سياسيا لما يحصل».

البحث عن حل

من جهتها، طالبت السفيرة ترايسي شمعون باجتماع الحكومة في جلسات متتالية وماراثونية، بحثا عن حلول سريعة، في حين نجد أن البعض ما يزال يتمترس وراء شروط للموافقة على عقد جلسات لمجلس الوزراء، غير آبه بما أصاب البلد والناس، خاصة في الأيام الأخيرة.

وقالت في بيان: «على الحكومة أن تعمل على خطين: الأول، البحث عن سبل لإعادة ترتيب العلاقة مع بعض الدول الخليجية، وهذا أمر قد يستغرق وقتا. والثاني، المباشرة بخطط تخفف من حجم الأضرار الناتجة عن الإجراءات المتخذة بحق لبنان، والبداية تكون بعقد جلسات وزارية، بدل الاستمرار في التعنت الذي بلغ مرتبة الإجرام بحق الشعب اللبناني.

عزل لبنان

وتشير الخبيرة في الشؤون الإيرانية د. سمية عسلة، إلى أن تصريحات قرداحي جاءت في مرحلة بالغة الحساسية بالنسبة للبنان الذي يمر بظروف سياسية واقتصادية صعبة، وأدت هذه التصريحات التي تدعم الميليشيات الحوثية وتهاجم دول الخليج إلى عزل لبنان وفقد الدعم العربي في وقت يحتاج فيه إلى مساندة الأشقاء لعبور هذه المرحلة الصعبة.

وترى عسلة أن قرداحي كشف بتصريحاته المستفزة التغول الإيراني في السياسة الإيرانية ودور ميليشيا حزب الله في الهيمنة على القرار في إيران، إذ إنه لم يكن التجاوز الأول لمسؤول لبناني على علاقة بإيران؛ فقد سبق قرداحي وزير الخارجية اللبناني شربل وهبة، في حكومة حسان دياب، في مايو الماضي، المسيئة للمملكة ودول مجلس التعاون الخليجي

وشددت عسلة على أن قرداحي واحد من ضمن آلاف العملاء المجندين في شبكات وخلايا نائمة داخل الإعلام العربي ويجب تفكيكها سريعا، مؤكدة أن هؤلاء متآمرون لتنفيذ أجندات خارجية تستهدف استقرار وأمن وحدة الشعوب العربية والأمن القومي العربي، وهناك شخصيات أخرى كثيرة أخرى يجب كشفها وإقصاؤها.

رأس الفتنة

وتؤكد الخبيرة في الشؤون الإيرانية د. سمية عسلة أن الداعمين لتصريحات قرادحي والتي تحمل بهتانا وزورا يرتبطون بتمويلات مالية مباشرة بنظام الملالي الإرهابي، واستنكرت صمت وزير الإعلام اللبناني على تجاوزات وانتهاكات ميليشيا «حزب الله» بقيادة رأس الفتنة حسن نصر الله المدعومة من إيران، والتي تمثل نموذجا للإرهاب في المنطقة، كما أنه يسهل مهمة ميليشيات حزب الله في الاستمرار بالهيمنة على مفاصل الدولة اللبنانية.

واتهمت عسلة قرداحي في قضيتين، الأولى ازدراء الدين الإسلامي لهجومه على المملكة القلب النابض للأمة الإسلامية، والثانية تهديد الأمن القومي العربي

مؤكدة أن قرداحي دعم ميليشيات إرهابية توجه صواريخ إيران صوب الأراضي المقدسة في المملكة والمتمثلة في الحرم المكي والمسجد النبوي.

طمع بالمنصب

من جهته، قال الحقوقي اليمني هاني الأسودي: يبدو جليا الغزل الذي تمارسه بعض من الشخصيات العربية لإيران وأذرعها الميليشاوية في المنطقة العربية طمعا في الحصول على منصب ما في الدول التي باتت إيران تسيطر فيها على النخب الحاكمة، وهذا ما فعله جورج قرداحي تماما في سبيل الوصول لمنصب وزير الإعلام، لم يذكر قرداحي يوما الحروب والنزاعات التي تشنها إيران في المنطقة العربية في العراق وسوريا ولبنان واليمن، ولكنه بدلا من ذلك يحاول مهاجمة اليمن وشعبه وجيرانه الداعمين له ضد ميليشيا الحوثي تزلفا لميليشيا حزب الله.

وأضاف الأسودي الذي يرأس مركز «حقي» في جنيف: نعلم نحن كيمنيين ويعلم العالم أن الحوثي فعلا هو من يخوض هذه الحرب التي أطلق عليها قرداحي «عبيثة» بعد تملصه من الكثير من الاتفاقات التي تمت برعاية أممية، وكذلك رفضه المتكرر لمبادرة السلام السعودية وغيرها من مبادرات التهدئة للوصول لطاولة مفاوضات حقيقية تجمع اليمنيين دون سيطرة لفصيل ميليشياوي إيراني.

وأوضح الحقوقي اليمني هاني الأسودي أن قرداحي تغافل عن أن كل القتلى من ضحايا جرائم الحوثيين هم من اليمنيين عبر صواريخهم الباليستية وقصفهم المدفعي للمدن والقرى ومحاصرتهم المستمرة لمدينة تعز وغيرها، واستهداف الأطفال بالقناصة، كما أغلق الوزير اللبناني عينيه عن انتهاكات الحوثيين الممنهجة لقانون حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، والتي يصل الكثير منها لجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، بل تمادى في ذلك في وصف الحوثيين بأنهم المدافعون عن اليمن واليمنيين.

تقف السلطة اللبنانية عاجزة أمام الإساءات الكلامية والفعلية التي يقوم بها «حزب الله» تجاه المملكة العربية السعودية، فبعدما ظهر للملأ أن حكومة الرئيس نجيب ميقاتي «هشة» و«ضعيفة» في طريقة معالجتها للأزمة مع المملكة، لا يسع رئيسها إلا أن يخرج ليقول للشعب اللبناني أن لا قرار له، وأن مهمته الحقيقية ليست حماية أمن الشعب اللبناني واستقراره، لا بل تأمين الغطاء الأمني والسياسي لـ«حزب الله» الذي يحكم بأمره الدولة ومؤسساتها كافة. ويرفض معظم اللبنانيين تصريحات قرداحي تجاه المملكة وكذلك موقف الحكومة اللبنانية العاجزة عن اتخاذ قرارات حازمة تجاه مطالبات المملكة بوقف تصدير المخدرات من حزب الله الإرهابي الذي يسيطر على حدود البلد ومنافذه، وإضافة إلى عدم معاقبة المتورطين في التهريب.

اضغط هنا لقراءة المقال على موقع اليوم