لوحت السلطات النقدية اللبنانية بإمكانية اللجوء إلى أموال المودعين في إطار احتواء أزمتها المالية، رغم أن لبنان أول دولة عربية تقوم بإنشاء نظام قانوني لحماية المودعين.
لم يعد يربط أصحاب الودائع أي علاقة مع البنوك العاملة في لبنان باستثناء أموالهم التي احتجزتها المصارف ووضعت يدها عليها منذ نهاية عام 2019 وفرضت إجراءات أفقدتها نسباً كبيرة من قيمتها وأعدمت الثقة تماماً بين الطرفَيْن ووضعت قيودا على عمليات السحب النقدي.
لبنان أول دولة عربية تقوم بإنشاء نظام قانوني لحماية المودعين
وفي وقتٍ هدأت هجمة المدخرين على البنوك في الشارع ارتفعت وتيرة الدعاوى القضائية من المودعين بوجه المصارف، فيما يواصل البنك المركزي والحكومة اتخاذ قرارات وإصدار قرارات تقضم فيها الأموال بدل حمايتها.
هذه الممارسات تعيد إلى الضوء نظام حماية المودعين الذي كان لبنان من أول الدول العربية التي قامت بإنشائه.
وهنا يوضح عضو رابطة المودعين المحامي، رفيق غريزي، لـ”العربي الجديد” أن حماية المودعين تأتي من بوابتين الأولى المؤسسة الوطنية لضمان الودائع والثانية الاحتياطي الإلزامي لدى مصرف لبنان المركزي.
ويشير إلى أن “غاية المؤسسة أن تضمن لدى المصارف العاملة في لبنان حسابات الودائع بالعملة اللبنانية وفقاً لقانون ضمان الودائع، قبل إجراء تعديلات تضيف ضمان الودائع بما يعادلها بالعملات الأجنبية، وأصبحت الضمانة تشمل لغاية مبلغ 75 مليون ليرة لبنانية، بعدما كانت تقتصر على 5 ملايين ليرة رأسمالاً وفائدةً، وهنا يطرح السؤال الأهم، كيف يتم تحديد هذه الضمانة بالعملة الوطنية أو ما يعادلها بالعملات الأجنبية، في ظلّ خلق مصرف لبنان بفضل تعاميمه أكثر من سعر صرف في السوق؟”.
من جهة ثانية، يتوقف غريزي أيضاً عند الاحتياطي الإلزامي، وهو حديث الساعة دائماً والأنظار تتجه إليه لصرفه من قبل المسؤولين.
الرئيس السابق للجنة الرقابة على المصارف، سمير حمود، لـ”العربي الجديد”: كل مودع يتعامل مع أي مصرف عليه أن يتحمّل مخاطر هذا المصرف
ويشير إلى أن “المادة 76 من قانون النقد والتسليف منحت مصرف لبنان صلاحية اتخاذ التدابير التي يراها ملائمة في سبيل الإبقاء على الانسجام بين السيولة المصرفية وحجم التسليف من جهة، ومهمته المحددة في المادة 70 بالمحافظة على سلامة النقد وسلامة أوضاع النظام المصرفي، كما أن المادة 76 تلزم المصارف بأن تودع لدى مصرف لبنان أموالاً حتى نسبة معينة من التزاماتها الناجمة عن الودائع، كذلك أن تودي المصارف لدى مصرف لبنان أموالاً حتى نسبة معينة”.
ويضيف “كذلك تحدثت المادة 134 عن إعادة تكوين رأسمال المصارف في حال أصيبت بخسائر، لذلك رأينا في بعض تعاميم مصرف لبنان طلبا إلى المصارف إعادة تكوين رأسمالها.
من جهته، يوضح الرئيس السابق للجنة الرقابة على المصارف، سمير حمود، لـ”العربي الجديد” أن “كل مودع يتعامل مع أي مصرف عليه في المقابل أن يتحمّل مخاطر هذا المصرف”.
ويشرح حمود “صحيح قد لا يستطيع المودع أن يجري تحليلا ماليا أو يعلم بوضع البنك المالي، ولكن هناك سلطة رقابية أو ناظمة عليها أن تنظر بوضع المصرف، وما إذا كان سليماً من حيث الملاءة والحوكمة والسيولة والامتثال”.
ويردف حمود “هناك ما يعرف بالمؤسسة الوطنية لضمان الودائع المصرفية كما في لبنان كذلك في دول العالم، بيد أنها تأتي ضمن مبالغ معينة، مثلاً في الولايات المتحدة الأميركية هي بحدود 200 ألف دولار، أما في لبنان فكانت 5 ملايين ليرة، وأصبحت 75 مليون ليرة لبنانية، بمعنى أن الضمانة تأخذ بالسقف المذكور عندما يتعرض المصرف للإفلاس”.
وفقاً لذلك، يلخص حمود أن “المودع لا حماية لودائعه إلا ضمن سقف معيّن، وهي تحمي أكثر صغار المودعين، وعند حصول إفلاس أو أزمة بعددٍ قليل من البنوك، وليس بحالة أزمة على صعيد القطاع المصرفي، من هنا على المودع أن يدركَ أنه في حال كانت ودائعه كبيرة، أي بمئات ملايين الدولارات، فلا ضمان لودائعه غير الوضع السليم للبنك، وأن يكون على ثقة بالسلطة الرقابية بأنها لن تسمح لأي مصرف بأن يتعثر، وستجد له الحلول لمنع ذلك أو تدفعه للإعلان عن تعثره وإفلاسه وبهذه الحالة يخسر طبعاً الودائع”.
مصرف لبنان اعتمد منذ 1993 على قانون الدمج المصرفي، ويلجأ من خلاله إلى التصفية الذاتية أو الدمج، كي لا يخسر الناس ودائعهم، ومفعول القانون لم يتوقف
ويشير حمود إلى أن “مصرف لبنان اعتمد منذ عام 1993 على قانون الدمج المصرفي وما يسمى بالإصلاح المصرفي، ويلجأ من خلاله إلى التصفية الذاتية أو الدمج، كي لا يخسر الناس ودائعهم، ومفعول القانون لم يتوقف، من هنا يحمل المودع مخاطر المصرف”.
وحول ما يحدث اليوم، يقول حمود: “لا حماية للودائع ولا حتى لرساميل المصارف أو مصرف لبنان، والأزمة تصيب بالدرجة الأولى المالية العامة للدولة وخزينتها والمصرف المركزي، ومكانته بالدرجة الثانية، والقطاع المصرفي ثالثاً”.
ويضيف: “المؤسسة الوطنية لضمان الودائع تملكها المصارف وتعود للدولة بحصة معينة، وبالتالي عندما تكون الأزمة على مستوى القطاع ككلّ والدولة، فأي ضمان للودائع وأي مؤسسة وطنية لضمان الودائع المصرفية؟”.
بدوره، يشير الخبير الاقتصادي، باتريك مارديني، لـ”العربي الجديد” إلى أن “لا مصرف لبنان أو الحكومة أو أي جهة اتخذت قرارات أو تعاميم تحمي المودعين، بل الجميع يتسابق على هدر وصرف ما تبقى من أموال المودعين على سياسة دعم فاشلة، سواء المحروقات أو تغطية خسارة شركة كهرباء لبنان”.
ويضيف: “بالتالي تركض الحكومة للهدر الإضافي، وكذلك المصرف المركزي يستخدمها بغير موضعها، ويمول سياسات الدعم ويقرض أموال المودعين بغالبيتها إلى القطاع العام، ويستعملها في بعض التحويلات إلى الخارج. بالتالي الجميع يخطط ويبحث عن وسيلة للسطو على ما تبقى من أموال المودعين، لا بل يفتشون عن كيفية حماية المصارف من دعاوى المودعين”.
الخبير الاقتصادي، باتريك مارديني، لـ”العربي الجديد” : لا مصرف لبنان أو الحكومة أو أي جهة اتخذت قرارات أو تعاميم تحمي المودعين
ويلفت إلى أن “البحث ما يزال يتمحور حول صرف ما تبقى من احتياطي مصرف لبنان بالعملات الأجنبية، إذ إن حجم الودائع تقريباً بالقطاع المصرفي مئة مليار دولار تبقى منها 14 مليار دولار في مصرف لبنان، وبدل زيادتها لمئة مليار لرد الأموال البحث جارٍ لصرف المتبقي من 14 مليار، في حين ضغطت الحكومة لتمويل سياسة الدعم، سواء على المحروقات والكهرباء، وسابقاً ضغطت لتمويل البطاقة التمويلية”.
اضغط هنا لقراءة المقال على موقع العربي الجديد