فجّر اجتماع بعبدا المالي، أمس السبت، قنبلة جديدة بشظايا قاتلة، وذلك بإقراره رفع الدعم على المحروقات إلى سعر 8000 ليرة لبنانية بدلاً من سعر 3900 ليرة لبنانية.
وبشكل أساسي، فإن الأمر الذي يزيد من ضبابية المشهد هو تصريح حاكم مصرف لبنان رياض سلامة لوكالة “رويترز” عقب الاجتماع، إذ أشار إلى أنّ البنك المركزي سيوفر دولارات لواردات الوقود على سعر صرف منصة “صيرفة” البالغ 16500 وهو أقل قليلاً من سعر السوق الموازي البالغ نحو 19 ألف ليرة.
ومع هذا، أوضح سلامة أن الفارق بين معدل منصة “صيرفة” وسعر الدعم 8000 ليرة سوف تتحمله الحكومة.
وفعلياً، فإن كلام سلامة وقرار الحكومة يحتاجان إلى تفسيرات واضحة نظراً للعديد من القُطب المخفية ضمنهما، خصوصاً أن هناك ثغرات قد تؤدي إلى تضخم وعجز أكبر.
وفي حديث لـ”لبنان24″، يقول الخبير الاقتصادي باتريك مارديني إن دعم المحروقات ما زال مستمراً وستغطي الحكومة اللبنانية الجزء الأكبر منه في حين أن مصرف لبنان سيدفع الجزء الأصغر.
وبحسب مارديني، فإنه عند إقرار سعر دعم على أساس 8000 ليرة للدولار الواحد، فإن مصرف لبنان سيفتح اعتماده لتاجر المحروقات وفق ذلك السعر وسيشتري الأخير الدولارات على أساسه. وعندما يحصل ذلك، فإن مصرف لبنان سيكون قد خسر 11000 ليرة عن كل دولار لأن سعر العملة الخضراء في السوق الموازية 19 ألف ليرة حالياً.
وهنا، جاءت التسوية الجديدة خلال اجتماع بعبدا المالي والتي تشير إلى أن مصرف لبنان قرر أن يبيع دولاراته على أساس سعر منصة “صيرفة” (16500)، ليقلص خسارته إلى 2500 ليرة كفارق بين سعر السوق الموازية وسعر المنصة. أما الهامش بين سعر الدعم (8000 ليرة) وسعر “صيرفة” والذي سيبلغ 8500 فستغطيه الحكومة اللبنانية.
وإزاء ذلك، فإن هناك مجموعة من الأسئلة تطرح نفسها: من أين سيمول المصرف المركزي الدعم للمحروقات؟ هل المبلغ الذي جرى اقراره للدعم وهو 225 مليون دولار هو من الاحتياطي الالزامي أو من فائض ما زال لدى المصرف المركزي؟ من أين ستقوم الحكومة بتسديد الفارق المتوجب عليها طالما أنها تعاني من عجز؟
ويقول مارديني إنّه إذ كان المصرف المركزي لم يصل إلى الاحتياطي الالزامي، فإنّ الأموال التي سيدفعها للدعم يجب أن يكون لها مصدر يغطيها وهو أمر غير معروف بعد. أما في ما خصّ الحكومة، فإنها تعاني من عجز في الموازنة، كما أنها غير قادرة على تسديد الفارق الذي تم اسناده إليها.
ما هو الحل لهذه النقطة؟
وهنا، يرى مارديني أنه لحل هذا الأمر، قد يبادر مصرف لبنان إلى فتح اعتماد للحكومة يجري من خلاله اقراضها المبلغ المطلوب لتسديد الفارق. وعملياً، فإن ذلك يعني أن الحكومة ستكون قد لجأت إلى الاستدانة من مصرف لبنان لتسديد الفارق المذكور بشأن المحروقات، ما يعني أنها راكمت على نفسها ديوناً إضافية فوق عجزها. أما مصرف لبنان فسيكون فعلياً قد دفع كل المبلغ الخاص بالدعم بشكل غير مباشر، ولكن بهذه التي أسموها “تسوية” سيتم تصوير الامر على أن الحكومة هي الخاسرة وليس مصرف لبنان.
غير أن الأمر الأخطر يكمن في التالي: هل سيكون إقراض الحكومة من الدعم الالزامي؟ وهل هذا الأمر قانوني؟ وفي الواقع، فإنه في حال حصل ذلك، فإن هذا الأمر سيكون ضرباً للودائع وإبادة لها.
ولكن في حال أرادت الحكومة أن تردّ لمصرف لبنان أمواله.. فكيف سيتم ذلك؟
كما هو معلوم، فإنّ الحكومة تعاني من عجز في الموازنة، كما أن وارادتها منعدمة ولا إيرادات قوية لها بسبب الهدر والفساد. وبسبب كل ذلك، سيقوم مصرف لبنان بإقراضها الأموال التي ستغطي من خلالها الفارق الذي تكفلت به، لكن شرط تعهدها برد الأموال فوراً.
وفعلياً، فإن هذا الأمر ألمحت إليه معلومات جرى تداولها خلال الساعات الماضية، إذ جرى الحديث عن أن مشروع موازنة العام 2022 سيلحظ اعتماداً بالليرة اللبنانية لصالح مصرف لبنان لتغطية القيمة الاجمالية الفارق الذي تكفلت به الحكومة.
وعملياً، فإن ذلك يعني بشكل مباشر هو أن الحكومة ستلتزم عبر هذا الاعتماد ردّ الأموال للمصرف المركزي اعتباراً من العام المقبل. ولكن الأمر الأخطر هو أن تمويل هذا الاعتماد يعني ضرائب إضافية على المواطنين وسط انهيار اقتصادي وغياب أي خطة للتعافي. أما السيناريو الآخر وهو الكارثي، فقد يتمثل بتمويل ذلك الاعتماد عبر طباعة الليرة، ما يعني انهياراً إضافياً للعملة الوطنية.
هل قرار اعتماد سعر الـ8000 ليرة سيُريح سوق المحروقات؟
وفي هذا الإطار، يرى مارديني أنّه كان يجدر على الحكومة اللبنانية انتهاز الفرصة لتسعير المحروقات على أساس سعر الدولار الحقيقي، إلا أن ما فعلته هو أنها مدّدت أزمة المحروقات فترة إضافية، وقد يتكرر ذلك”.
وأضافت: “الحكومة قررت الاستمرار بالأزمة لأنها أرادت الاستمرار بسياسة الدعم، ما يعني استمرار انقطاع المحروقات وبقاء الطوابير أمام المحطات”.
ومع هذا، فقد رأى مارديني أن القرار الأخير بشأن رفع سعر الدعم لم يحل أزمة التخزين والسوق السوداء للمحروقات ولم يضع حداً للتهريب.
وفي المحصلة، فإن اجتماع بعبدا الأخير يضرّ أكثر مما ينفع، والأخطر هو أن تبادر الحكومة اللبنانية إلى سدّ عجزها وتمويل الفرق المسند إليها عبر طباعة الليرة أكثر، وهو الأمر الذي سيعني تضخماً وارتفاعاً في سعر الدولار.
اضغط هنا لقراءة المقال على موقع Lebanon 24