“على مشارف التحلل الكلي”. بهذا التعليق “الفجّ” تختصر مصادر مالية واقتصادية، “الواقع المأسوي الذي يعيشه لبنان”، معربة عن تخوفها من أننا “مقبلون على أسوأ أدراك الانهيار بشكل لم نشهد مثيلاً له”. وتقول، إنه “من الصعب والمؤلم الاعتراف بهذا الواقع الأسود، والأصعب عدم وجود أي بصيص أمل يمكن إضاءته للّبنانيين المسحوقين بفعل طبقة التماسيح الحاكمة، وما ينتظرنا لا يقاس بما نعيشه اليوم بل يتخطاه إلى مدى لا يمكن تصوُّره”.
وترى المصادر ذاتها، عبر موقع القوات اللبنانية الإلكتروني، أن “كل الحلول لأزمات البنزين والمازوت والدواء والطحين وغيرها، آنية ومرحلية وترقيعية ليس أكثر”، لافتة إلى “ما نُقل عن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة بأنه لم يتبقَّ لديه سوى 240 مليون دولار للدعم على أنواعه. بالإضافة إلى تصريح المديرة العامة لمنشآت النفط في وزارة الطاقة أورور فغالي أنه بعد شهر تموز لن يعود هناك أموال للكهرباء وسيرفع الدعم كلياً، وخفض الدعم على المحروقات يتجه من 3900 ل. ل إلى رقم جديد وبعده رفع الدعم بشكلٍ كامل”.
وتسأل، “هل يمكن لأحد تخيُّل السعر الذي سيبلغه الدولار في السوق السوداء على ضوء نفاد احتياطي مصرف لبنان من العملات الصعبة؟”، معربة عن أسفها، لأن “الأفق مسدود وتسارع الانهيار بات يقاس بالساعات لا بالأيام أو الأسابيع أو الأشهر. ويبدو أننا سنترحَّم قريباً على سعر الـ20.000 ليرة لبنانية للدولار”.
وفي السياق، يقدِّم الخبير الاقتصادي باتريك مارديني، في حديث إلى موقع “القوات”، رؤيته المتميزة للمسألة طارحاً الحل. ويشدد على “ضرورة التمييز بين تأمين مصرف لبنان للدولار والعملات الصعبة لدعم السلع، وبين توفُّرها”، لافتاً إلى أنها “المرة الأولى التي تتاح فيها الفرصة لتوضيح الفرق بين المسألتين”.
ويوضح، أن “انقطاع السلع من السوق سببها الدعم، لا أن الحل لذلك يكون بالدعم. بمعنى أن صرف مصرف لبنان للـ400 مليون دولار المتبقية لديه على استمرار الدعم، لن يؤمِّن الأدوية والمشتقات النفطية والطحين وغيرها بل سيقطعها من السوق”، مشدداً على أن “توفُّر السلع مرتبط بوقف الدعم”.
ويؤكد، أنه “طالما لا نزال نعتمد سياسة الدعم، سواء بمليار أو بـ10 أو بـ400 مليون دولار، فِإن دعم أي سلعة يؤدي تلقائياً في النهاية إلى انقطاعها لأن سعرها في لبنان يصبح أدنى من سعرها الحقيقي، وبالتالي إما يستغل البعض الوضع لبيعها في السوق السوداء أو يتم تهريبها إلى بلدان أخرى حيث تباع بسعرها الطبيعي. وهذه ثابتة في كل بلدان العالم، الدعم يسبِّب انقطاع السلع. وبالتالي رفع الدعم وتسعير السلع على سعرها الحقيقي يجعلها متوافرة في السوق”.
ويلفت مارديني، إلى أن “هذا الأمر ينسحب على كل السلع والمواد والخدمات المدعومة مثل الكهرباء. فاستمرار انقطاع الكهرباء والنقص في ساعات التغذية منذ عقود، سببه أنها تباع بسعر مدعوم من الدولة بأقل من كلفة الإنتاج، وحين تباع الكهرباء للمستهلك بسعرها الحقيقي ستتوفر 24/24 من دون الحاجة لمصرف لبنان أو لغيره. والحل لتأمين الكهرباء بشكل دائم هو وقف الدعم بشقيه: دعم الدولة لمؤسسة كهرباء لبنان عبر سلفات الخزينة ودعم مصرف لبنان لشراء المحروقات على السعر المدعوم”، معتبراً أن “الحل لكل المواد المقطوعة في البلد من أدوية ومحروقات وكهرباء وغيرها، هو وقف الدعم لوقف البهدلة التي يتعرض لها المواطن”.
ويشير، إلى أنه “من الطبيعي ارتفاع سعر السلع بعد وقف الدعم لأنها ستُسعَّر بحسب سعر الدولار في السوق، وهنا الجزء التالي من الإصلاح يكون بضبط سعر الدولار وحتى خفضه، بالتوازي مع رفع الدعم. إذ بذلك، ما يخسره المواطن من انخفاض قدرته الشرائية برفع الدعم، يكسبه من ناحية أخرى بانخفاض سعر سائر السلع غير المدعومة مع انخفاض سعر الدولار”.
وبرأي مارديني، أن “خفض سعر الدولار بالتوازي مع رفع الدعم يكون عبر إنشاء مجلس النقد أو ما يعرف بـCurrency board، الذي يحافظ على ما تبقى من الاحتياطي النقدي بدل إهداره على سياسة دعم فاشلة تقطع السلع من الأسواق وتُخسِّر المودعين ودائعهم”.
ويضيف، أن “مجلس النقد يحافظ على الدولارات المتبقية ويخفِّض سعر صرف الدولار ويدعم الليرة، وبالتالي يسمح للمواطن باستعادة جزء من قدرته الشرائية. فبعد استعادة الليرة لعافيتها يقوم المجلس بتثبيتها على مستوى أقل بكثير من 19 أو 20 ألف ليرة للدولار كما هو اليوم. وبذلك نحلّ مشكلة انقطاع السلع من جهة والغلاء المتواصل من جهة ثانية، إذ يتثبَّت سعر الصرف من جديد وتعود الثقة بالليرة لدى المواطنين لأن سعرها لن يعود متغيّراً كل يوم تجاه الدولار. وهذا هو الحل للأزمة النقدية وأزمة انقطاع السلع في لبنان”.
ويوافق مارديني، على أن “هناك ضح لكميات من الدولار في السوق عن طريق المغتربين الذين يقضون فترة من الصيف في لبنان، وهو مرشح للارتفاع”، لكنه يشير إلى أنه “في المقابل، الطلب على الدولار ارتفع بشكل كبير وهو اليوم أعلى من العرض، ولذلك سعر الدولار سيواصل ارتفاعه حكماً على الرغم من دولارات المغتربين”.
ويوضح، أن “هناك سببين لارتفاع الطلب على الدولار: طبع وضخ الليرة في السوق التي تستخدم لشراء الدولار، وهي تتم اليوم بشكل كثيف وبوتيرة متسارعة لتسحيب اللبنانيين أموالهم من المصارف إما بالليرة أو بالدولار، أو لتمويل نفقات الحكومة وعجز الموازنة العامة. والسبب الثاني، أن لا ثقة للناس بالليرة إذ يخافون من انخفاض قيمتها كل يوم وبالتالي يهرعون لتحويلها إلى دولار أياً كان سعره في السوق”.
ويشدد، على أنه “حتى ولو لم يكن هناك طباعة لليرة فالطلب على الدولار مرتفع جداً اليوم لفقدان الثقة بالليرة، وانحدار الثقة يتسبب بارتفاع سعر صرف الدولار لأنه يجعل الطلب عليه أعلى من العرض مهما كانت نسبة العرض”، مجدداً التأكيد على أن “الأولوية اليوم يجب أن تكون لإعادة الثقة بالليرة عن طريقة تثبيت سعر صرفها من خلال إنشاء مجلس النقد، الذي يؤمِّن الاستقرار النقدي والذي يفتح الطريق للاستقرار المالي والاقتصادي”، محذراً من أنه “طالما لا نعتمد هذا الحل، الأمور إلى الأسوأ”
اضغط هنا لقراءة المقال على موقع القوات اللبنانية