رفع الدعم أم خسارة الاحتياطي الأجنبي.. أيهما سيختار لبنان لحل أزمته؟

رفع الدعم أم خسارة الاحتياطي الأجنبي.. أيهما سيختار لبنان لحل أزمته؟

تتزايد المشكلات الاقتصادية تعقيدا في لبنان، في وقت يشهد فيه الاقتصاد انهيارا نتيجة الأزمات المتعاقبة، خاصة في القطاع المصرفي والمالي، فأصبح صانع القرار الآن يفاضل بين رفع الدعم أو خسارة الاحتياطي الأجنبي.

يظهر هذا جليا في التصريح الأخير لوزير المالية، غازي وزني، 2 أبريل/نيسان2021، بقوله إن المال المخصص لتمويل الواردات الأساسية سينفد بحلول نهاية مايو/أيار. وإن التأخر في إطلاق خطة لخفض الدعم يكبد البلاد 500 مليون دولار شهريا.

وأضاف الوزير أن المصرف المركزي طلب من حكومة تصريف الأعمال البت في كيفية الرفع التدريجي للدعم لترشيد استخدام احتياطيات النقد الأجنبي المتبقية.

وقال وزني إن احتياطيات النقد الأجنبي عند نحو 15.8 مليار دولار. ويعني ذلك أن الدعم باق لشهرين على أفضل تقدير قبل بلوغ مستوى الاحتياطي الإلزامي، وهو ما تودعه البنوك المحلية بالعملة الأجنبية بالبنك المركزي، والذي يقدره وزني بنحو 15 مليار دولار.

وتهدف خطة رفع الدعم تقليص قائمة المواد الغذائية المدعومة من 300 سلعة إلى 100، وتقليل دعم الوقود والأدوية، مع استحداث بطاقات تموينية تحصل عليها 800 ألف أسرة فقيرة، بهدف خفض الإنفاق السنوي على الدعم البالغ 6 مليارات دولار إلى النصف.

لكن حكومة تصريف الأعمال قدمت خطتها لرفع الدعم تدريجيا للبرلمان ورئيس البلاد ميشال عون، في مساع للحفاظ على ما تبقى من الاحتياطي الأجنبي.

إلا أنه في ظل التوترات السياسية بين الحكومة المزمع تشكيلها ورئيس البلاد، بالإضافة إلى تأجج الحراك في الشارع نتيجة المصاعب المعيشية التي يواجهها المواطن اللبناني فإن اتخاذ قرار رفع الدعم أو تخفيضه قد يواجه “رد فعل قاس”، وفق تصريح وزير المالية، ما يثير تساؤلات حول ماذا لو نفد الاحتياطي الأجنبي؟.

الانهيار التام

لا يوجد خيار أمام لبنان لإنقاذ الاحتياطي الأجنبي سواء عن طريق الاقتراض أو طرح سندات في الأسواق المالية العالمية، سوى صندوق النقد الدولي، فيما يوصف بأسوأ وضع اقتصادي في تاريخ لبنان منذ الحرب الأهلية.

وحسب رئيس المعهد اللبناني لدراسات السوق، باتريك مارديني، فإن ما تبقى من الاحتياطي الأجنبي الآن هو ما يسمى بالاحتياطي الإلزامي، مشيرا إلى أنه يتوقع أن لبنان وصلت بالفعل إلى مستوى الاحتياطي الإلزامي عند 15 مليار دولار وليس في مايو/أيار 2021.

وأضاف مارديني، لـ”الاستقلال”، أن الاحتياطي الإلزامي لا يجوز للمصرف المركزي التصرف فيه كونه ملك المودعين والمصارف المحلية، وبالتالي في حال ألزم المصرف نفسه بعدم المساس بالاحتياطي الإلزامي يكون المركزي أصبح غير قادر على التدخل في سوق الصرف.

مشيرا إلى أن المصرف المركزي في هذا الوضع لن يتمكن أيضا من ضخ الدولار في حالات الهلع لوقف انهيار الليرة أمام العملات الأجنبية أو خلق حالة من التوازن، مما يفقده أحد أهم أدوات السياسة النقدية التي يجب أن يتمتع بها أي مصرف مركزي.

مطلع سبتمبر/أيلول 2020، قال رياض سلامة، حاكم مصرف لبنان (البنك المركزي)، إن المصرف لن يلجأ لاستخدام الاحتياطي النقدي الإلزامي لتوفير السيولة وإدارة الأزمة النقدية والمالية في البلاد.

ويبلغ سعر مصرف لبنان الرسمي المقدر بـ1.507 للدولار، والبنوك اللبنانية بسعر 3.900 للدولار للتجار، و12.200 للدولار في السوق السوداء.

وفي هذا السياق، يرى كبير الاقتصاديين في مجموعة بنك “بيبلوس”، نسيب غبريل، أن لبنان هو البلد الوحيد بالعالم الذي يأتي موارد الدعم فيه من المصرف المركزي وليس داخل إطار الموازنة العامة، في وقت جفت فيه جميع مصادر النقد الأجنبي التي تغذي المصرف.

وأشار غبريل، خلال حديثه لـ”الاستقلال”، أن توقف تدفق الودائع للقطاع المصرفي بالإضافة إلى توقف السياحة وعدم سداد البلاد لما عليها من مستحقات خلال عام 2020، كل هذا أسهم في جفاف مصادر النقد الأجنبي في البلاد، مشيرا إلى أن النقد الأجنبي تراجع بنحو 12.4 مليار دولار مع نهاية مارس/آذار 2021 بسبب الدعم.

وبالتالي فإن نفاد الاحتياطي الأجنبي مع جمود مصادر النقد الأجنبي وعدم القدرة على الاقتراض يعني نفاد مصادر الدعم بالإضافة إلى انهيار العملة المحلية ما يصحبه ارتفاع كبير في أسعار السلع نتيجة التضخم المفرط التي ستشهده البلاد، ومن ثم تزايد معدلات الفقر المتفاقمة بالفعل، فيما يمكن أن يسمى بالانهيار التام.

وأكد صندوق النقد الدولي، في 11 أبريل/نيسان 2021، أنه لا يمكن إنقاذ لبنان من أزمته الاقتصادية دون تشكيل حكومة جديدة تجري تغييرات، والبدء في إصلاحات تأخرت كثيرا، مشيرا إلى أن البلاد بحاجة إلى تمويل ضخم من أجل إنعاش الاقتصاد، كي يتيح للبلد السير على مسار الإصلاح الذي سيستغرق وقتا.

وأضاف الصندوق أن الإصلاحات ينبغي أن تركز على القطاع المالي والميزانية والحوكمة والفساد والمرافق الخاسرة التي ساهمت في ارتفاع الدين.

دعم مهرب

لكن يبدو أن صانعي القرار في البلاد يميلون إلى رفع الدعم في سبيل الحفاظ على ما تبقى من الاحتياطي الأجنبي، خاصة بعد طلب مصرف لبنان من حكومة تصريف الأعمال الإسراع في رفع الدعم.

ورغم أهمية الدعم إلى أنه لا ينعكس بشكل كلي على المواطنين أو على أسعار السلع في الأسواق، بسبب تهريب السلع المدعومة إلى الخارج، ويبدو هذا جليا في التقارير الصادرة عن معدلات الفقر.

ووفقا للتقارير الصادمة الصادرة عن منظمات الأمم المتحدة، فإن معدل الفقر في لبنان وصل إلى أكثر من نصف سكان البلاد، في حين ارتفع الفقر المدقع إلى 23 بالمئة من عدد السكان، والبطالة إلى 35 بالمئة.

كذلك أغلقت نصف المنشآت التجارية، وساهم تهريب الأموال إلى خارج لبنان من زيادة نسبة الفقر التي رجح البنك الدولي استمرار ارتفاعها.

بلغ معدل التضخم السنوي مستوى قياسيا، بينما ارتفعت أسعار المواد الغذائية بنحو 400 بالمئة في ديسمبر/كانون الأول 2020، وفقا لوكالة بلومبيرغ الأميركية، ويتوقع البنك الدولي نزول 50 بالمئة من اللبنانيين تحت خط الفقر قريبا.

ويرى مارديني، أن هدر أموال الاحتياطي الأجنبي التي هي بالأصل أموال المواطن على سياسة الدعم أمر غير صحيح، مشيرا إلى أن المواد المدعومة تهرب إلى خارج لبنان، وبالتالي لا يستفيد الشعب منها بالإضافة إلى أنه يتم استنفاد أموال الشعب التي أودعها في المصارف.

وبالتالي، فإن سياسة الدعم تأتي على حساب المواطن وتصب في مصلحة المهربين والمحتكرين من تجار السوق السوداء، مشيرا إلى ضرورة وقف الدعم كونها هي الآلية السليمة لسد الباب أمام المنتفعين وتوجيه تلك الأموال في مسار يخدم المواطن.

بدروه أشار غبريل، إلى أنه رغم ما يكلفه هذا الدعم إلا أن المواطن لا يستفيد منه بشكل كامل، مشيرا إلى أن دعم السلع الإستراتيجية مثل الدواء ومشتقات البترول وغيرها يحدث فارقا كبيرا في الأسعار بين لبنان والبلدان المجاورة لها، ما يشجع المهربين على انتهاز الفرصة لتحقيق مكاسب كبيرة.

مشيرا إلى أن سياسة الدعم من الضروري إيقافها وبخاصة مع استمرار تراجع الاحتياطي الأجنبي بمصرف لبنان.

سبل الحل

يبقى الحل الوحيد لإنقاذ الاقتصاد اللبناني وكبح معدلات التضخم ووقف انهيار العملة المحلية، هو إيقاف نزيف الاحتياطي والعمل على تنشيط مصادر النقد الأجنبي.

وأوضح مارديني، أن الطريقه الوحيده للحفاظ على الاحتياطي الأجنبي وزيادة حجمه واستعادة التحويلات الأجنبية هي استعادة الثقة بلبنان، مشيرا إلى أن لبنان تحوي عددا كبيرا من المغتربين حول العالم الذين كانوا يقومون بتحويل أموال كثيرة سنويا.

لكن مع فقدانهم الثقة في المصارف تراجعت بشكل كبير تلك التحويلات، خاصة بعد أن استحوذ النظام السياسي والمصرفي على أموال المودعين وأنفق منها في الماضي، واليوم ينفق منها على سياسة الدعم.

وأضاف مارديني، ضرورة العمل أيضا على وقف انهيار العملة المحلية، لأن عدم استقرار العملة ينم عن عدم استقرار البلد، وبالتالي يستبعد المستثمرون الأجانب القدوم إلى البلاد لإقامة مشروعاتهم ومن ثم حرمان لبنان من تدفقات أموالهم الأجنبية.

كما أن عدم استقرار الليرة يدفع أصحاب الدولارات إلى عدم التفريط فيما يملكون من عملة صعبة، مما يتوجب ضرورة الوصول إلى سعر صرف مستقر.

مشيرا إلى أن سعر الصرف المستقر يمكن تحقيقه من خلال إنشاء مجلس النقد الذي بدوره سيعمل على ربط الليرة بالدولار ويمنع طباعة أي ليرة دون وجود غطاء نقدي لها، وبالتالي تستعيد الليرة ثقتها وتنشط التحويلات من الخارج، ومن ثم يزيد الاحتياطي الأجنبي.

فيما يرى غبريل، أن دعم الاحتياطي الأجنبي يبدأ من تشكيل حكومة جديدة لديها مصداقية محلية وخارجية، تعمل على وضع خطة إصلاحية متكاملة تعالج الاختلالات في المالية العامة والقطاع العام والتهرب الضريبي والجمركي.

مشيرا أنه بتلك الخطة ستتمكن تلك الحكومة من استعادة المفاوضات مع صندوق النقد الدولي بهدف جدي للوصول إلى اتفاق تمويلي إصلاحي، وبتوقيع الصندوق على هذا الاتفاق يعطي مصداقية لتلك الإصلاحات، ومع بداية إقراض الصندوق للبلاد ستكتسب لبنان الثقة لدى المؤسسات الدولية المقرضة.

ومن هنا يبدأ أصحاب رؤوس الأموال والمستثمرون الأجانب في القدوم إلى البلاد، ومن ثم يبدأ مصرف لبنان في إعادة تكوين الاحتياطي الأجنبي.

إضغط هنا لقراءة المقال على موقع صحيفة الاستقلال